Sunday, October 30, 2011

حزب الكنبة والتلفزيون ومجتمع الشبكات

بوستر تم تداوله نقلا عن حركة "احتلوا وول ستريت" التي استلهمت نموذج اعتصام التحرير
From The Occupy Wall Street movment- October 2011 

أحمد غريب




"حزب الكنبة" من أفضل التعبيرات التي نحتها الرأي العام المصري لرسم خريطة سياسية للمواقف من الثورة وقضاياها وفعالياتها من حشود ومسيرات واعتصامات.

 بالطبع بساطة التعبير وتلقائيته ليست بخافية على أحد، وأيضاً اللمحة النقدية الساخرة فيه، لكن الأهم أنه نابع من صلب ثورة 25 يناير التي لعب فيها الإعلام دوراً محورياً، فـ "حزب الكنبة" هو مجموعة مشاهدي التلفزيون الذين يتخذون مواقف غير مؤيدة للفعاليات الثورية من اعتصامات وإضرابات، كما أنهم لا يتبنون نفس مطالب القوى الثورية أو يختلفون حول أولوياتها، وقد استخدمت حركة "احتلوا وول ستريت" نفس الصورة لاستنهاض من وقفوا مواقف سلبية غير مؤيدة للحركة، وأشيع عبر بعض التعليقات على الفيسبوك أن المفهوم امتداد لتأثر حركة الاحتجاج الأمريكية باعتصام التحرير، وفي ذلك شيء من الصواب، تغيب عنه خلفيات وجود مفهوم "الكنبة" في الثقافة الشعبية الأمريكية.

فكرة "حزب الكنبة" إعلامية بالأساس، لكن للبعد الإعلامي ظلال تشحن معنى هذه التسمية بالدلالات. ومن المهم قبل استجلاء هذه المعاني معرفة خلفيات استخدام العامية (الدارجة) الأمريكية Slang لتعبير قريب الشبه بالتعبير المصري هو Couch Potato كونه أسبق في الظهور، والذي يعني "شخصاً كسولاً يمضي معظم وقته أمام شاشات التلفزيون والكومبيوتر"، يستلهم التعبير الأمريكي نفس علاقة التلقي السلبي من شاشة التلفزيون، وإن تم اشتقاقه في سياق مختلف لا يقتصر على البعد السياسي فحسب، والتعبير الأمريكي عبارة عن صورة لإنسان/ة كثير الفرجة على التلفزيون ومن كثرة جلوسه على الكنبة تزداد سمنته فيفقد شكل جسده أو جسدها انحناءات الرشاقة التي تعكس الحيوية والصحة، ويصبح مستديراً مثل حبة البطاطس!
 الطريف أن التعبير الدارج الأمريكي Slang اشتقه جيل الشاب في ثمانينات القرن العشرين، وهو أول جيل مستخدم للكومبيوتر والإنترنت على نطاق عام، حيث تدخل شاشة الكومبيوتر ضمن علاقة الاستقبال السلبي للمواد الإعلامية وفق المعنى الأمريكي، أما في مصر فيأخذ المفهوم معنى مختلفاً يربط "حزب الكنبة" بإعلام السلطة، والتعبير منحوت من قبل جماعات الشباب المؤيدة للثورة والتي - عكس مصدر الاشتقاق الأمريكي - اعتمدت على الكومبيوتر وشبكة الإنترنت وأجهزة الأي فون في تشكيل إعلام ثوري يحرض ويبلور الأفكار والمواقف ويهيئ لتنظيم الفعاليات الميدانية ويدعو إليها الأنصار والمؤيدين. وهنا تجدر الإشارة إلى أن شبكة الإنترنت بلورت خلال أكثر من عقدين تقنيات وعقلية تفاعلية معها أصبحت تشكل ما يعرف بمجتمع الشبكات، هذا المجتمع صاحب مبادرات إيجابية تجلت أروع صورها في حركات ثورية عربية أصبحت ملهمة للمعارضة في الدول الغربية نفسها، لذا يرتبط إدراج شاشة الكومبيوتر ضمن مصادر "الكنبة الأمريكية" بنوعية الاستخدام والتلقي السلبي في عقد الثمانينات، ويؤكد تمييز هذه النقطة على أصالة التعبير المصري.

 في المفهوم الأمريكي نقد وسخرية من الحالة السلبية أيضاً لحزب الكنبة، لكن ثمة شيء يستحق التوقف عنده يتعلق بقوة هذا الحزب، فمغني روك لاذع النقد في أغانيه هو "إمينيم" Eminem تردد خوفاً على مساره المهني من وضع أغنية اسمها Couch Potato كأغنية رئيسية على إسطوانته Poodle Hate، ورغم تضمن الأسطوانة للأغنية إلا أن سبب التردد أثار اهتماماً حول قوة (جمهور الكنبة) الاستهلاكية أي ما يخالف ما يوحي به التعبير عن سلبية أشخاصه وعدم اتخاذهم مواقف ومبادرات، فقام مغني روك آخر هو "ويرد أل يانكوفيتش" بغناء نفس الأغنية ونشر كليبها أكثر من إمينيم، ويشتهر "ويرد أل يانكوفيتش" باستخدامه كليبات أغانيه في عمل محاكاة ساخرة (بارودي) من تيمات شائعة في الثقافة الشعبية، ولم يكن للأغنية التأثير السلبي الذي تخوف منه إمينيم!
 تسخر كلمات الأغنية من أفعال الشخص الكسول (كاوتش بوتاتو) التي تتقلب بين الضغط على زر الريموت بحثاً عن اهتمام مفتعل بالحياة وإيجابية غائبة، ويكاد إيقاع الأغنية أن يطرق مستمعها بمطارق السخرية المحرضة على أخذ مبادرات؛ يمكنك الاستماع للأغنية وقراءة كلماتها اللاذعة (بالإنجليزية) عبر هذا الرابط:


لا أريد أن أثقل في تسليط الضوء على خلفيات التعبير العامي الأمريكي، لأني أعرف مدى الاستقلالية والأصالة التي تم نحت التعبير المصري بها، ولديَّ تفسير لدلالاته السياسة أود وضعه بين يدي القارئ، لكن وجبت الإشارة إلى أن شيوع التعبير المشابه في الحياة الأمريكية لا يقتصر على الاستخدامات النقدية أو الساخرة، بالطبع ستقرأ التعبير في أي مقال أمريكي للتوعية بأضرار السُّمنة ومخاطر اكتسابها عن طريق الجلوس فترات طويلة للمشاهدة، كما ستطالعه في أية معلومات طبية عن مسببات أمراض الضغط وارتفاع الكوليسترول والتوتر العصبي، لكن المسمَّى نفسه تستخدمه "بإيجابية" شركة موبيليا للدعاية عن مدى الراحة التي توفرها كنباتها، كذلك هناك شركة للسمسرة في البورصة تتسمى بهذا الاسم "كاوتش بوتاتو" وهي تدعوك لترك كل الأمور في يدها والاستراحة على الكنبة  بينما هي تجني الأرباح نيابة عنك وتحوِّلها إلى حسابك البنكي، وهكذا!

الكنبة المصرية
في مصر يبدو حزب الكنبة تاريخياً بقدر ما تعود جذور إعلام السلطة إلى سنوات بعيدة، إنه جوهر ما كان يُعرف بالأغلبية الصامتة، وهو الآن بعد الثورة القطاع الذي لم يستطع عبور حاجز الخوف الذي تسلط به نظام الحكم قبل ثورة 25 يناير، ويضم من لم يستطع تعريف مصالح له داخل خريطة سياسية ماتزال في حالة سيولة، وأيضاً من يخشون خسارة مكاسب حققوها في ظل النظام الذي قامت ضده الثورة، وقد يوجد بينهم من ناصر أو وافق على مطالب الثورة في اعتصامها الأول الذي انتهى بإسقاط مبارك ومعه مشروع التوريث ثم توقف عن التأييد أو الترحيب بأي تغيير بعد ذلك، وهناك من تبنى رسالة التخويف التي بثها إعلام السلطة مراراً، ومفادها التخويف من سقوط الدولة نفسها حال فقدان المجلس العسكري القدرة على ضبط الأمور، فانضم من صدقها إلى حزب الكنبة بعد تأييده للثورة!
 تتلقى هذه الشرائح رسالة إعلام السلطة بارتياح سواء عن الخطر الخارجي أو عجلة الإنتاج، ويرى بعض هؤلاء أن في تمكين السلطة (بما في ذلم ممارسات الطوارئ والمحاكمات االاستثنائية) أهمية عن خوض مغامرة سياسية غير محسوبة مع سياسيين جدد بالنسبة له ليس متأكداً مما تعنيه خلفياتهم، ولا يستطيع مثلا أن يشعر بطمانينة على انتظام الرواتب والمعاشات إذا ما تولوا الأمور!

 لكن الجديد - مصرياً - أننا أمام حزب للكنبة "غير سلبي" وغير صامت بعد الثورة وإن كان غير مشارك. إنه مثل كل شرائح وفئات الشعب المصري لم يعد ساكتاً لأن التغير يتواصل من حوله، حتى ولو كان تغييراً شكلياً مشكوكاً في نواياه مثل محاكمة الرئيس، إنها المرة الأولى التي يمكن فيها لاعتصام جماهيري أن يقود إلى تفتيت "حصانة الصورة" التي تمتع بها أي حاكم لمصر، وقد شكلت تلك النتيجة ضربة قاصمة لموقف "الكنبة" من اعتصام يوليو الذي طالت مدته وتم تكرار رسالة عجلة الإنتاج خلاله كثيراً.
 انتعش"حزب الكنبة" منذ مشاركته القوية في الاستفتاء، حيث لعب دوراً رئيسياً في التأثير على النتيجة (بزيادة نسبة نعم) من خلال تدفق آراء أعضائه وصبغها من حوله أثناء طوابير الاستفتاء. وهو يواصل إعلان مواقفه الرافضه سواء لبعض حشود أيام الجمعة، او لاعتصام 8 يوليو الطويل أو للإضرابات الفئوية! ما يفعله "حزب الكنبة" بممارساته عكس ما يمثل جوهره، إنه يتآكل لأنه لم يعد متلقياً سلبياً فقط لإعلام السلطة ذي الصوت الواحد، بل إن هذا الإعلام الذي سقطت أحاديته مع الثورة أصبح معتمداً في بعض ما يطرحه من جدل وقضايا للسجال على عدة مصادر منها إعلام مجتمع الشبكات: فيسبوك ويوتيوب وتويتر على وجه الخصوص. لقد أصبح "حزب الكنبة التفاعلي" دون قصد منه، ودون خط رجعة؛ مادام الإعلام التفاعلي قادراً على طرح قضاياه وإيصالها للشارع ولإعلام المؤسسات.
لم تكن عراقة حزب الكنبة محسوسة كما الآن، سبب غياب الشعور بها أن السلبية لازمته فلم يشكل أبداً دور اللاعب الفاعل الذي يسعى للتأثير على مجريات الأمور، حتى وقت اعتصام الـ 18 يوماً لم يستقبل هذا القطاع من الناس رسالة التلفزيون المصري؛ حيث يقتضي نجاح الرسالة الإعلامية أن يصل اقتناع من يستقبلها إلى درجة تجعل منه حاملاً للرسالة مستعداً لإيصالها للآخرين، وهو ما لم ينجح حزب الكنبة في إنجازه خلال الاعتصام الأول. أما موقف الحزب الداعم لما تم تصويره أنه خيار الاستقرار في الاستفتاء فلم يكن إلا رد فعل على إعلام الشبكات الذي تفاعلت فيه فكرة إلغاء المادة الثانية من الدستور على نحو غير ناضج أشعر كثيراً من الناس بتهديد للهوية، ويكاد موضوع الهوية أن يكون قالباً أساسياً تمر منه تفاعلات القضايا داخل إعلام مجتمع الشبكات ما ساهم في طرح القضية دون إنضاجها؛ فحسب أطروحة مانويل كاستيل في كتاب The Rise of the Network Society تمثل الهوية ضرورة لتفاعل افكار في فضاء مفتوح، إنها نوع من الأمان اللازم للشخص كي يواصل تفاعليته.

يقول كاستيل: "مؤخراً أصبحت الهوية رئيسية، وفي بعض الأحيان – وحدها - مصدر المعنى في مرحلة تحول تاريخي موسومة بتدمير واسع النطاق للمنظمات، ونزع شرعية المؤسسات، وتلاشي الحركات الاجتماعية الكبرى تدريجياً وسرعة زوال التعبيرات الثقافية. يتزايد تنظيم الناس لوعيهم ليس وفق ما يفعلون ولكن وفق معطيات ذواتهم أو بالأحرى ما يعتقدونه عن أنفسهم. في الوقت نفسه تعمل الشبكات العالمية للتبادل في مقابل ذلك بشكل انتقائي لتوصيل الأفراد والجماعات والمناطق وحتى الدول - وفقاً لأهميتها في تحقيق الأهداف المتفاعلة داخل الشبكات - في تدفق مستمر للقرارات الإستراتيجية". وقد تلامست هذه النزعة التي تفاعل موضوع الدولة المدنية داخل قوالبها مع ما كان إعلام السلطة قد أنتجه من تشويش ومبالغة في دور الدين الأخلاقي كحماية للناس وسط واستشراء الفساد، وحماية للسلطة من تمرد المجتمع عليها.
 كانت مهمة إعلام السلطة وفق الصيغة التي توصل إليها صفوت الشريف، ومضى خلفه أنس الفقي عليها، عرقلة وتكتيف إمكانية التفاعل الاجتماعي مع القضايا؛ من خلال التشويش والفضائح والتعدد المزيف للأصوات الزاعقة، والضوضاء الثقافية، وتشجيع إنشاء سيل من فضائيات الأغاني والقنوات الدينية، بحيث يتم تشكيل واختزال أية قضية يمكن أن تواصل تفاعلاتها الإعلامية في تيمة الجدل الأخلاقي: القلق الجنسي والفضائح والحسية، أو الصراع الديني والمذهبي من خلال الفتاوى المشوَّشَة.
كل ذلك التشويش (يجسد توفيق عكاشة وقناته الفراعين حالة مثالية لإستراتيجية صفوت الشريف)، وكذلك التشويه لأي شخص يمتلك جماهيرية وتصعد مصداقيته، وأيضاً الاحتواء من خلال صناعة نجوم كشفت خريطة المواقف منذ اندلاع الثورة عن أنهم ببغاوات يرددون ما يريدهم منهم أمن الدولة ترديده؛ كل ذلك لم يمنع من بزوغ مجتمع إعلامي جديد قادر على فرض واقع سياسي أو فرض نفسه رقماً في الواقع السياسي هو مجتمع الشبكات، الذي ظل يعاود المحاولة تأكيداً لعدم استثنائيتها من خلال حشود مليونية متكررة استأنفها يوم 27 مايو 2011، واعتصام طويل في الصيف بدأ 8 يوليو. هذا الإعلام ومجتمعه أصبح مفجر القضايا وناقلها والمعلق الأهم على مضمونها في حال صدرت خارجه، ومنه نشعر بردات فعل "حزب الكنبة" التي تناقض الجوهر السلبي لهذا الحزب الصامت!



الصورة من أيام اعتصام الـ 18 يوما (25 يناير- 11 فبراير) تلقى الإعلام الرسمي للسلطة ضربة قاضية أنهت عصر الصوت الواحد
تمزق العباءة ومجتمع الشبكات
"الإعلام الشخصي" Personal Media هو مجموعة من مواقع الإنترنت تقدم خدمات مستحدثة من داخل شبكة الإنترنت نفسها، وهي تختلف عن "الويب" الذي هو صورة إليكترونية فائقة السرعة من الإعلام التقليدي وخاصة الصحف والمجلات، فلا تستغرق عملية النشر على الويب سواء من جهة الوسيلة الإعلامية أو ردود القراء إلا ثوان أو دقائق، لكن الويب لم يطور مضمون الصحف إلا من حيث السرعة وآلية النشر إضافة إلى أنه سمح بسهولة امتلاك الوسيلة الإعلامية واختصر كثيراً من التكاليف. في حين نجحت تطبيقات الإنترنت المعروفة بالإعلام الشخصي في تطوير أدوات وخواص واستخدامات تفاعلية استطاعت أن تصبح جزءا من ممارسات جديدة لتشكيل الوعي.

 يتضمن "الإعلام الشخصي"، أولاً: البلوج وهي صحيفة مجانية لنشر المقالات الشخصية أو من قبل مؤسسات صغيرة، وقد خلقت لنفسها طابعاً متحرراً من قيود الرقابة أو سيطرة أصحاب المؤسسات وكذلك من قيود وشروط الإعلام المحترف، وبدأت في ديسمبر عام 1997، وكان لها أثر مهم في الدعوة لاعتصام 6 إبريل في مدينة المحلة إلى جانب الفيسبوك.

 ثانياً: مواقع التواصل الاجتماعي وهي عديدة وأشهرها في مصر الفيسبوك واليوتيوب وتويتر، ويتيح كل منها التواصل والتفاعل ضمن سلسلة من شبكات التعارف بين الشخصيات، والتي قد تكون شخصيات اعتبارية أو متعددة لنفس الفرد أو الجهة، وتتميز هذه التفاعلات بتطبيقات تساعد في بلورة رأي عام داخلي داخل الشبكة من خلال أنماط من التصويت، وطرق ميسرة لإعاد النشر وتدوير المادة لمنشورة داخل نطاق من الصدقاء لتصبح في متناول العرض والتعليق لأصدقاء آخرين. ما يجعل ما يُنشر متاحاً لمستخدمين آخرين لست على اتصال مباشر بهم ولا تعرفهم، إنها تربط الكثيرين في سلاسل من روابط الصداقة. ويتميز موقع يوتيوب بأن صفحاه هي بمثابة قناة تلفزيونية خاصة تنشر الفيديوهات والمواد السمعية البصرية، ويمكن عرض نفس المواد داخل تطبيقات الفيسبوك وتويتر، ما يوسع مجال العرض والنشر.

 تسمح هذه التطبيقات البعيدة عن الويب ببلورة رأي عام في فضاء حر، تصبح "مشاركة" Share المواد المنشورة نوعاً من الفرز أو الإضافة والتنقيح والتجويد أيضاً، حيث يمكنك وأنت تعيد نشر ماة (مقالاً أو تعليق أو صورة) أثارت اهتمامك من اتخاذ قرارات منية صحفية لنقل وجهة نظرك بخصوص ما تنشره، وتمثل إعادة النشر نوعاً من الانتخاب والتأكيد على الأهمية أو اتخاذ موقف معارض من المضمون. وتتيح تطبيقات النشر في هذه المواقع مجموعة من الخواص والاستخدامات لقياس مدى متابعة المنشور، من خلال معرفة عدد من ضغطوا على زر الإعجاب أو زر المشاركة. كما يوجد تطبيق ملحق بالفيسبوك اسمه Causes لعمل استطلاعات للرأي حول موضوعات يقترحها المستخدم لمعرفة رأي الآخرين المرتبطين في سلاسل الصداقة، وهناك تطبيق للدعوة لأنشطة وفعاليات معينة يتم الإعلان عن توقيتها ومكانها، وهو التطبيق الذي استخدم للدعوة لثورة يناير بعد تبلور رأي عام مؤيد للتحرك الجماعي، واكتساب شحنة الثقة من تجربة إسقاط بن علي في تونس.

 من خلال هذه الأدوات تم إنضاج الرغبة في تغيير النظام، أو إسقاط مبارك بأركان حكمه المعروفين بفسادهم على الأقل. كان السخط من مبارك ونظامه قد بلغ مبلغه، مستقطباً كثيراً من أبناء الشعب المصري الذين اعتادوا الاستسلام والثقة فيما يتلقونه من رسائل إعلامية ثم اصابهم إعلام مبارك بعدم الثقة حتى في بعضهم البعض. تم استخدام صيغة الدعوة لـ "إيفينت"، وهي سابقة مصرية بلاشك، ففي الصين مثلا يستخدم هذا التطبيق لحشد عدد كبير من المستلكين الذين يرغبون في شراء نفس الشيء (حذا نايك مثلا)، وبالتالي يمكنهم التوجه معا لمنفذ التوزيع والحصول على تخفيض كبير عندما يشترون دستين او أكثر منه، وهو استخدام متميز لا تتم ممارسته في الغرب.

في مصر كان استخدام التعارف عبر الفيسبوك أول نموذج مصغر لـ "جمعية عمومية" من قطاع متعلم من شعب مصر استطاعت التواصل معاً خارج قبضة قانون الطوارئ الذي يمنع تنظيم اجتماعات! كان هناك "تويتر" الذي ينشر رسائل قصيرة وصوراً من الميدان ليعاد نشرها على نطاق أوسع عبر الفيسبوك، لكن استخدام "تويتر" في مصر على فئة محدودة، بينما بلغ عدد مستخدمي الفيسبوك في إبريل عام 2011 أكثر من ستة ملايين ونصف: 6662100، بعد أن كان أقل من ثلاثة مليون مستخدم 2816480 قبل ذلك التاريخ بعام واحد فقط.
 استدعت ثورة يناير قطاعاً كبيراً من هذا الجمهور، استدعته بقوة إلى المشاركة  ولو بالرأي، وخرجت من هذه الأطر الإعلامية الحديثة  مجموعة كبيرة من التعابير والكلمات والدلالات السياسية، وكذلك الصور والأشخاص وأساليب التعبير أمطرت العقل والمخيلة المصرية التي اعتادت أفيون صفوت الشريف، ونجحت في مزاحمة الأصوات الرديئة، فاهتزت صورة مجموعة من الفنانين (عمتو عفاف مثلا أو المغني عمرو مصطفى) وأصبح الصوت الواحد شيئاً من الماضي، كما أن ترسانة إعلام صفوت الشريف تضررت كثيراً في أعين الشباب المستهلك الأكبر للمنتجات الفنية.

تنتج الظاهرة الإعلامية (والكلام ليس عن الإعلام الأفيوني الذي كان سائداً) عدم التأكد، أو عدم الثقة الكاملة والتسليم النهائي للأفكار، بل يساعد تواتر المواد الإعلامية على تدقيقها من زوايا مختلفة، وإعادة تقديمها (أو نشرها) ما ينقح ويصقل منها أو يضع بعضها على محك الانتخاب فتظهر نسبة التاييد الحقيقي لها بعد التدقيق وتكبير الصورة، أو قد تنكشف خلال تلك العملية مدى صلاحية الأفكار فهناك خلافات حول مواقف سياسية معينة تبدو ساخنة لكن ليس لها تأثير بعيد المدى أو لا تجد كثيراً من الأنصار مستعدين لمنح اهتمامهم فترة طويلة أومواصلة التخندق حول الفكرة بمجرد تغير الظروف. هذا بالضبط ما يفعله إعلام الشبكات. وقد قوى الجانب النقدي في مجتمع الكنبة، مما يشكل إنقلاباً في طبيعتها، يحتاج فقط إلى مواصلة مجتمع الشبكات إنتاجه.

 فإذا كانت الدولة تستطيع أن تتحمل عبء ميزانية التلفزيون، وبعض الصحف الحكومية لفترة ما، فغيرها من إعلام خاص يعيش حالة تقلبات في هياكله نتيجة اختلاف نمط إنتاج المعلومات عن السابق، وهو الاختلاف الثوري الأهم إن لم يكن الوحيد حتى الآن منذ اندلاع الثورة، فلايزال يبحث أنصار الثورة عن درجة من "التمكين" تتيح لهم إنتاج شكل للحكم وتهيئة توازنات جديدة للصراع الإقتصادي والاجتماعي.

كانت المحاولة المنسوبة لعمر سليمان لتزييف استطلاع للرأي أجراه المجلس العسكري بين المرشحين للرئاسة هي أكبر وأهم محاولة من القوى التي فقدت سيطرتها الكلية على الإعلام لممارسة تأثيرها باستخدام أساليب التزييف، حيث تم استخدام شركة مزودة للبريد الشخصي كمنصة لعمل حسابات بريد وهمية تمكن الأشخاص من تكرار التصويت، وهي محاولة نادرة، حيث توجد ضوابط رقمية تفرمل وتعيق مثل هذه المحاولات، لكن هذه المحاولة التي أضافت 60 ألف صوت لعمر سليمان في يومين صعدت به إلى المرتبة الثانية بين المشرحين لم تكن إلا استكشافاً من بعض القوى الأمنية لإمكانية عمل اختراق، وهي إمكانية محفوفة بمخاطر الفضح، حيث كشفت صحيفة المصري اليوم عن شبكة من الأفراد تم استئجارها لتزييف "أكاونتات" حسابات شخصية من خلال مزود غير مشهور لخدمة البريد الأليكتروني، وهي محاولة تحتاج لقدر كبير من السرية لتنفيذها إلا إذا قام بها أفراد أمنيون يعملون في مؤسسة أمنية، وتظل قيمة المحاولة تافهة، فبإمكان شخص آخر إطلاق استطلاع آخر على الفيسبوك، وبعده آخرون وآخرون ما يعيد غربلة النتائج وإنتاجها بعيداً عن مؤثرات التزييف.

 ولم تكن هناك قيمة لاستطلاع المجلس العسكري إلا من ناحية توصيل رغبة جمهور النت للمجلس على أرضية من الثقة كانت قائمة بين الطرفين وتراجعت أو تضررت كثيراً بعدما أبدى العسكر طموحات في السلطة، وارتباكا فيما يعتبرونه الوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف، حيث بدا عدم صدقهم، وكشفت وثيقة الدستور طموحاتهم للبقاء سلطة أعلى من شلطة الشعب مما يعرقل طريق التطور الديموقراطي.
(يمكنك الاطلاع على خبر كشف شبكة تزييف الاستطلاع عبر هذا الرابط:
http://www.almasryalyoum.com/node/487185
)
في مقابل صعوبة عمل التشويش والتزييف في إعلام مجتمع الشبكات ظهرت أولى ملامح الصدام الحقيقي بين هذا المجتمع وما يمكن اعتباره "حزب الكنبة الحقيقي"، أو غير المتفاعل مع ما ينتجه مجتمع الشبكات، عندما نشرت صفحة "كلنا خالد سعيد" وهي أحد اقوى الأذرع الإعلامية للثورة على الفيسبوك، نشرت فيديو لمدرس يضرب أطفالاً صغاراً في مدرسة بقسوة، وأحياناً دون أن يكونوا قد ارتكبوا الخطأ الذي يحاسبهم عليه، كان النشر ضمن مجموعة من المواد حاولت الصفحة ان تفتتح بها مجالاً آخر لنشاطها بدأته بصور من مستشفيات للأطفال، ثم اعقبته بهذا الفيديو الذي أثار ضجة بين المتفاعلين مع الشبكات، لكن بالمقابل رد أهالي أطفال هذه المدرسة (وهم من المحلة أو بالقرب منها) بالتظاهر تأييداً للضرب!

 كان ذلك أولى نذر الصدام الحقيقي بين مجتمع بطريركي ساكن ومجتمع تفاعلي، لكن يبدو أن رد الفعل وتدهور أو تباطؤ مسار الديموقراطية بعد تماسك الثورة المضادة وإثارتها للفتن ولحملات التخويف قد أرجأ تلك المواجهة بين مجتمعين يعيش كل منهم ضمن منظمة قيم ونمط إنتاج للمعلومات متناقض. لمشاهدة الفيديو:
http://www.youtube.com/watch?v=qCbn4RWA_fM.



هل مازلنا نتكلم عن ثورة بالمعنى الكلاسيكي كتغير لعلاقات الإنتاج؟
نعم، إنها ثورة المعلوماتية، وهي رحلة طويلة ازاحت الصخرة الأولى التي أعاقت الطريق: حسني مبارك، وبدأت رحلة الطريق.
إن فشلنا في الوصول للحكم ولتغيير البلد .. لا تقلقوا .. نحن فكرة .. الفكرة لاتموت
تستمر لا تتوقف
البرادعي 15\10\2011

Thursday, October 27, 2011

فنون سكان شمال كندا تحررهم من مسمَّى إسكيمو

شعب "الإنويت" يسافر إلى المستقبل بذاكرة بصرية
نشر في مجلة "العربي" - سبتمبر 2011
الصور من متحف فن الإنويت بتورنتو
Photos: Museum of Inuit Art- Toronto
1-hunter-Judas Ullulaq from the community of Gjoa
Haven-1980

أحمد غريب
تشير الكشوفات الأثرية إلى أن أبناء الجليد (الإسكيمو) الذين عبروا من أقصى الشمال الشرقي لآسيا إلى ألاسكا منذ أربعة آلاف سنة هبطوا إلى شمال كندا وجرينلاند منذ 800 عام قبل الميلاد، مستهلين هوية جديدة تميزهم تُعرف الآن باسم "الإنويت" نسبة إلى لغتهم الأصلية "إنوكتيتوت" Inuktitut. رحلة الإنسان على هذا الجزء من القطب الشمالي مضت ببطء شديد، تتوسل خلاص الروح والجسد وسط ظروف مناخية جد قاسية، لا تسمح بتواصل اجتماعي بقدر ما تحفر في داخل النفس أشكالاً حية لمشاعر الترقب والأمل، وترسم صوراً لمعاني الشجاعة والصبر. وقد عرف إنسان الجليد خلال رحلته الممتدة قروناً كيف يصل إلى الضوء الداخلي في أعماق روحه، رغم انحسار ضوء الشمس طوال شتاء قطبي مظلم يستمر ستة أشهر.
يبلغ تعداد "الإنويت" الآن حوالي 50 ألف شخص يتمددون على الحزام القطبي الشاسع من ألاسكا إلى جرينلاند، على مساحة تبلغ 3 ملايين كيلومتر مربع من شمال كندا، وهم أقل جماعات السكان الأصليين عدداً وأكثرهم نجاحاً في إعادة إنتاج ثقافتهم داخل النسق الثقافي الحديث لأمريكا الشمالية. في البداية قوبلت ثقافتهم باستخفاف من صائدي الحيتان الأوروبيين، الذين كانوا أول من تواصل مع هذه الجماعة البشرية أواخر القرن السادس عشر الميلادي، لكن قصة "الإنويت" مع التحول صوب الحياة الحديثة، واتخاذهم الفن والحرف التقليدية نشاطاً لجلب النقود والتفاعل مع الاقتصاد المعاصر حكاية لا تقل جمالاً وأسطورية عن أي من حكايات المصباح السحري الخرافية.
 عبور "الإنويت" من الحياة البدائية تم عبر مرحلة انتقالية وحيدة تسمى المرحلة التاريخية، وتحديداً منذ اتصالهم بالأوروبيين أواخر القرن السادس عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تم تفعيل مبادرات إدماجهم داخل الاقتصاد الحديث، وقد شجع على تمكينهم من الحفاظ على هويتهم تلك الحساسية الإبداعية التي أظهروها في تزيين وتشكيل أدواتهم البسيطة، وهي أعمال تحظى الآن بتقدير كبير من قبل أشهر متاحف العالم، ورغم انقطاعهم التدريجي عن حياتهم التقليدية فقد أمدتهم الذاكرة البصرية بما يجدد هويتهم التي اكتسحتها الثقافة الغربية، وهو أمر يثير الإعجاب، فقد كشفت تلك الذاكرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين عن تجارب شعورية تفوق التطور اللغوي المحدود لهذه الجماعة البشرية، وأمدتهم بهوية فنية وضعتهم على خارطة الوجود الحديث، ومكنتهم من إحلال مسمى "إنويت" بدلاً من "إسكيمو" الذي بات مستهجناً في كندا منذ سبعينات القرن العشرين، حيث تعني كلمة إسكيمو التي أطلقها الأوروبيون: "من يأكل السمك نيئاً".


2-mother&child-Matthew Aqigaaq from Baker Lake-1980
 لعب النحت دوراً فريداً في تاريخ هذا الشعب، فإلى جانب كونه حافظاً لهويته من ذوبان تعرضت له كثير من الجماعات البشرية التي كانت تسكن أمريكا الشمالية، هو أيضاً النشاط الذي اكتسبوا بواسطته النقود لأول مرة، بعدما تجمدت أنشطتهم التقليدية خلال النصف الأول من القرن العشرين، فتوقفوا عن الصيد وأدواته وصنع الخيام، وباتت معيشتهم على المعونات في مستوطنات حديثة التجهيز وضعاً حرجاً يشبه من سافر بآلة الزمن إلى المستقبل ولا يدري ماذا عليه أن يفعل. طرحت الحكومة الكندية عام 1930 موضوع تحفيز "الإنويت" على العمل وإدماجهم في النشاط الإقتصادي الحديث من خلال الحرف اليدوية، لكن كساد الثلاثينات وبعده الحرب العالمية أحبطا المشروع، إلى أن تمكن فنان شاب يدعى جيمس هيوستن عام 1948، خلال رحلة صيفية إلى الشمال القطبي، من الحصول على منحوتات من بعض "الإنويت" بناء على طلبه وتسويقها كأعمال فنية، ما قاده إلى إعادة فتح ملف تحفيز "الإنويت" على العمل.

كان موضوع عمل "الإنويت" في مجال الفن قد اكتسب زخماً منذ العثور على أكبر كشف أثري يخص تاريخهم عام 1924، وهو مستوطنة "كاب دورست" في شمال غرب كندا، ويعتقد أن "الإنويت" عاشوا فيها منذ 800 عام قبل الميلاد، وهي مركز انطلاق هجرة "الإنويت" لبقية مناطق الشمال الكندي، وبداية تميزهم عن غيرهم من قبائل الإسكيمو، بما فيها قبائل "الثولا" التي ينحدرون منها. تتميز آثار هذه المستوطنة بالتنوع حتى أن البعض يستخدم مصطلح "ثقافة دورست" للدلالة على نمط جمالي بعينه، فقد استخدم سكانها الرماح أكثر من السهام والأقواس، ولم يستخدموا الكلاب لجر ألواح التزحلق، لكنهم صنعوا قوارب "الكياك"، وكان اقتصادهم يعتمد بالأساس على صيد الحيوانات البحرية والتجارة مع جيرانهم في مستوطنات قريبة.
ويذكر كتاب "فن الإنويت" لإنجو هسل Ingo Hessel، الذي يعد من أفضل مؤرخي هذه الجماعة البشرية، أن الفن هو أهم ملمح في هذه المستوطنة من الناحية الإنثربولوجية، فقد تضمنت آثارهم تماثيل للبشر والحيوانات، وأقنعة وقلائد وأدوات للطعام وأدوات شعائرية، نُحت معظمها من العاج وعظام وقرون الحيوانات، وقليل منها استخدمت فيه الأحجار، ويعتقد الأركيولوجي وليم تايلورWilliam Taylor والفنان جورج سوينتون George Swinton أن أساس هذه الأعمال الفنية ديني، وأن المنحوتات تعكس شعائر ذات صلة بعقيدة "الشامان" Shaman، وقد وجد سوينتون سمات تدل أن المنحوتات تمت بواسطة فنانين محترفين ربما كانوا جزءاً من القائمين على شعائر هذه العقيدة.
 بهذه الخلفية لقيت مهمة جيمس هيوستن حماساً ودعماً من حكومة كندا ومن شركة "هدسون باي" Hudson Bay، التي تعد من مؤسسي الدولة الكندية الحديثة، حيث أبديا خوفاً من عدم اتقان الأجيال الجديدة لطرق وتيمات النحت الخاصة بأجدادهم، أو ما يعرف بالشفرة الثقافية لهذا الشعب الفريد. باعث هذا القلق كان ما طرأ على شعب "الإنويت" من تغيير فقد تبدلت حياتهم الاجتماعية والإقتصادية من حياة الرُحَّل والإقامة في خيام من جلود الحيوانات تسمى "إجولو" إلى طابع البيت المستقر، ودخلت التكنولوجيا حياتهم اليومية في المواصلات والاتصالات وإعداد الطعام، وتعرفوا على الفنون والموسيقى الحديثة والراديو، فتراجعت ألعابهم الشعبية وأهازيجهم وحكاياتهم الأسطورية. وبينما ظهرت ملامح التلاقح الثقافي على ما صنعوه من أدوات وملابس منذ أواخر القرن التاسع عشر، تراجعت حاجتهم لصناعة كثير من الأشياء لوجود بدائل متطورة، ما هدد بضياع تقاليد الحرف.
تضمنت عملية تحفيز "الإنويت" توفير الخامات التجارية والتدريب على استخدامها، فالاعتماد على عظام الحيوانات وقرونها والعاج وبعض الأحجار ليس عمليا لصعوبة توفير الخامات، كما أن خامات الطين والرخام والخشب وغيرها مما هو شائع في النحت تضفي قيمة على العمل الفني وتزيد من سعره. تضمَّن التأهيل أيضاً تدريبات التلوين على الخشب والزجاج واستخداماتهما الجمالية. وتوجيههم أيضاً إلى نحت أعمال أكبر حجماً من تلك التي اعتادوا عملها في حدود مقاسات بقايا الحيوانات، كذلك تم التعريف بالمنتجات وتسويقها، وفرز الفنانين ذوي الموهبة عن الحرفيين، ثم استنساخ التجربة في مخيمات ومعسكرات متعددة لسكان "الإنويت" على امتداد الشمال القطبي الفسيح لكندا. من ناحية أخرى تم الربط بين نتائج الكشوف الأركيولوجية التي قادت للتعرف على آثار هذا الشعب، وبين السمات الفنية التي ماتزال حية في ذاكرة أبنائه، وأهمها استلهام شخصية وملامح الحيوان للتعبير الجمالي والشعوري، والاهتمام بتيمتي الصيد والأمومة، وهو ما أسس لقاعدة معرفية لثقافة "الإنويت"، التي تستلهم من الحيوان البحري والبري وطرق صيده وعناصر القوة في شخصيته ثقافتها وأساطيرها.

 spirit-Karoo Ashevak, circa 1970


مخاطرة التثاقف
 حملت توجيهات هيوستن نوعاً من "المخاطرة الثقافية" التي لا تزال تأثيراتها موضوع بحث من قبل الإنثربولوجيين، حيث تعرض "الإنويت" لما يعرف بـ "التثاقف" Acculturation، وهو تفاعل ثقافتين إحداهما متطورة مع أخرى بسيطة وبدائية، ويتولد من ذلك نتائج متنوعة تبدأ بتغير جذري في سمات الجماعة البشرية ذات الثقافة المحدودة قد يؤدي إلى انسحاق خصوصيتها، ومن ثم ذوبان أفرادها داخل الثقافة الأعلى كعباً، وقد يؤدي "التثاقف" إلى تبني الثقافة الأقل تطوراً لعناصر تمكنها من الاستمرارية، وفي تلك الحالة تجتذب عملية التلقيح الباحثين في مجالات الإنثربولوجيا وتاريخ الفنون، لمعرفة ما اختارته الجماعة من عناصر جديدة وكيف أدمجتها وتأثير ذلك عليها. لعل أهم ملامح "التثاقف" التي عصفت بفنون "الإنويت" استجابتهم القوية لأفضليات السوق، وظهور فردية التعبير لديهم، وهو أمر تلازم أيضاً مع ظهور أعراض اجتماعية غربية بينهم، لم تعرفها جماعتهم البشرية من قبل، مثل الانتحار والاغتصاب والإدمان.
 إذا كان يعتقد أن لهيوستن تأثير على تعريف فناني "الإنويت" بمتطلبات السوق وأفضلياته من حيث الخامات والتيمات والأحجام، فمن المؤكد أنه كانت لديهم رغبة في معرفة ما هو رائج وتكرار إنتاجه وإشباع رغبة المشترين في اقتناءه، بل إن حقبة الثمانينات من القرن العشرين شهدت اكتساب لقب "فنان" نوعاً من المكانة الاجتماعية بينهم، وكان جميع الشباب تقريباً يسعون ليكونوا نحاتين، وقد أسفر ذلك عن بلوغ بعض أعمالهم مستوى فني وضعهم في مصاف كبار النحاتين في العالم من حيث الاتقان والرؤية والذوق، ويعرض بعض أشهر متاحف العالم حالياً نماذج من فن "الإنويت" المعاصر جنباً إلى جنب مع أعمال كبار الفنانين. ويشهد المراقبون لإنتاجهم أن الفنانين بينهم عاشوا جدلاً، خاصة في الثمانينات، حيث تأثرت أعمالهم كثيراً بتيمات أوروبية حداثية، سرعان ما كفوا عن إنتاجها بتوجيه من مروجي أعمالهم، وكذلك استجابة لرغبة الحفاظ على هويتهم.
ثمة تأثير آخر حول عملية التثاقف يشير إليه إنجو هسل: "وهو "تأثير سوق الفن جنوب كندا، والذي يتحرر منه نسبياً الفنانون الأكثر إبداعاً وميلاً إلى التجريب، خاصة في تعاملهم مع تراث الأساطير، لكنه يشير إلى أن ثمة هوية جديدة يكتسبها فن الإنويت مع الوقت، وهي ليست متحللة من أصولها، فلاتزال تحتفظ بتلك القدرة على المفاجأة بل والصدمة في استلهام الميثولوجيا، كما تحافظ إبداعاتهم على الاحتفال بالهوية، لكن التغيرات الاجتماعية التي عايشوها في العقود الأربعة الأخيرة تضفي على إنتاجهم الفني تغيراً ثورياً في موضوعاته كأنه يستهل هوية جديدة".
يعبر فنانو "الإنويت" عن تلك التحولات بصيغ أخرى، يرد بعضها في كتاب هسل، حيث يقول الفنان بيتسيولاك أشونا الذي اشتهر في سبعينات القرن العشرين: "أعرف أنني أعيش حياة غير عادية، وُلدت في خيمة من الجلود، وعشت حتى سمعت في الراديو أن رجلين قد مشيا فوق القمر". تعكس الأعمال الفنية هذه الدهشة، بل إنها استطاعت أن تقدم كتالوجاً يعيد إنتاج كل مخزون الصور المحفورة من عالمهم القديم، مُصاغة داخل ذلك الالتباس الشعوري، وما بدا مستغرباً هو قدرة أجيال تالية من هذه الجماعة البشرية على إحياء صور انطبعت في ذاكرتهم ولم يعايشوها بأنفسهم عن حياتهم التقليدية. تقول الفنانة إيزابث نوتارالوك التي تنتمي لجيل تربى في مستوطنات حديثة التجهيز: "قبل أن أبدأ في نحت شئ أفكر في النساء، كيف اعتادوا الحياة القاسية في الماضي، كيف كنَّ دائما يشعرن بالبرودة. دائماً ما أتحدث إلى الحجر: ما الذي تريد أن تكونه؟ أعرف أنك لن تجيب، لذا سأفعل ما أريد. لدي دائماً مشاعر قوية قبل أن أبدأ النحت".
عن ذلك التباين في الجيل الحالي يقول هسل: "الجيل الجديد فقط هو من نشأ بعيداً عن العلاقة مع الطبيعة. كثير من الإنويت يقسِّمون وقتهم بين المستوطنة وعيشة الخيام، وغالباً ما يقضون الصيف كله في مخيم شبه دائم. بالنسبة لهم الأرض والبحر ليسا مسرحاً للصيد بل مكان تعيش فيه الروح، حيث ترقد أجيال من الأجداد ويزدهر الحيوان والنبات. وبرغم أهمية البيئة المادية المحيطة فإنه لا يتم تجسيدها بشكل بارز في فن الإنويت، حتى في فنون الجرافيك والنسيج التي يسهل فيها تصوير الطبيعة عن النحت؛ الطبيعة إما عنصر خلفي أو غائب تماماً، بينما يتبنى الجيل الأصغر من الفنانين التقاليد الغربية الخاصة بالمنظور والطبيعة".
أحمد غريب

Photo by: Douglas Brown, from www.torontowide.com

Monday, October 24, 2011

"والله الموفق".. عن رسائل المجلس العسكري

الصورة من اعتصام 8 يوليو 2011 الذي استمر عدة أسابيع مطالبا بجولة أخرى من التطهير وببدء المحاكمات الحقيقية وبثها لعامة الناس وكان من ثماره تغيير عدة وزراء ، لكنه شهد نقلة نوعية في الصدام مع الحكم العسكري الذي انتقل إلى العمل صراحة ضد القوى الثورية وإفساد تحركاتها في الشارع سواء في أحداث العباسية وما تلاها من عنف ضد الألتراس أو الأقباط أو أي محاولة للضغط باستخدام حشود جماهيرية في الشارع

نشر المقال في موةقع الحوار المتمدن يوم 29 سبتمبر 2001
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=276405


لا يقل استخدام هذا التعبير جمالاً من قبل اللاعبين السياسيين في حلبة الثورة المصرية عن مجموعة مميزة من التعبيرات السياسية مثل "الراجل اللي ورا ..." أو "احنا آسفين يا ...". بل لعله في طريقه الآن لتصدر المشهد بعدما سقطت كثير من الستائر والحجب والأقنعة التي تلاعب بها تعبير "الراجل اللي ورا..."، وأصبح عهد مبارك وفضائحه في خلفية المشهد متراجعاً لصالح التساؤلات عن المستقبل.

 هنا يعني "الله الموفق" الذي ذيل المجلس العسكري به رسائله إلى الشعب المصري: ختم السلطة، والإجبار، وفرض الأمر الواقع ، رغم ما كان يهدف إليه عند بداية تولي المجلس السلطة من مزج معنيين يعكس تكاملهما نوع السلطة وشخصيتها، هما: إسباغ شرعية عليا والاعتراف الرقيق بالتواضع وإمكانية التقصير في آن واحد نظراً لأن المجلس كان يمثل تطلعات شعبية عريضة. كان المعنى في البداية حميمياً أيضاً لايغيب عنه لمسة التواصل مع التعابير اليومية.

 الآن بلغت رسائل السلطة الحاكمة في مصر (عدد 74 رسالة) وبلغت السلطة نفسها حافة المدى الزمني الذي منحته لنفسها كي تبدأ في التحول، والدخول في أطوار من النمو والتعقد تسمح بالمشاركة والرقابة واستيعاب القوى السياسية التي يفرزها الشعب كله عبر صناديق الاقتراع؛ تضمن الإعلان الدستوري الذي شرعن لهذه السلطة المؤقتة خريطة طريق لتحولاتها من خلال إجراءات إنتخابية يبدأ تنفيذها في موعد لا يتجاوز 30 سبتمبر. تشمل هذه الإجراءات القوانين المنظمة للانتخابات مثلما تتضمن تهيئة الأجواء بما يسمح بتنظيم قواعد التنافس وضمان أمن العملية الانتخابية وأمانها أو حياديتها من تأثيرات هذا الأمن، وشفافية مراقبتها.

هنا يهتز تعبير "الله الموفق" من الداخل، ترتج أحاسيس الثقة الكامنة فيه بصفاء النية قليلاً إن صح القول، لأن غموض الحياة السياسية خاصة ما يتعلق بمستوى الثقة في انسحاب الجيش من الحياة السياسية، واكتفائه بنصيبه كأعلى وأهم مؤسسات الأمن ليس واضحاً، وللأسف تعزِّز ضبابية الوضع الأمني من التساؤل ليس عن دور الجيش فقط بل عن قدرة فلول النظام على العودة ولو بدرجات متفاوتة إلى نوع من الحصانة البرلمانية ولعب الدور عبر صناديق الانتخابات في كتابة الدستور وإعادة بناء النظام السياسي. هنا تساؤل تفصيلي عن إمكانية تفعيل "قانون الغدر" بما يمنع من أفسدوا الحياة السياسية في الماضي من مشاركتهم في تأسيس المستقبل على الأقل، لكنه تساؤل في العمق عن الوسيلة السياسية التي ستطل منها المؤسسة العسكرية على الحياة السياسية، حيث تأكد من خلال نفس المرحلة الانتقالية، وخطابات النوايا الغامضة للمجس العسكري رغبتهم في المشاركة وعدم الانسحاب الكلي، وهذا المعنى الذي انتهى إليه التعبير "خطابات النوايا الغامضة" هو أحد أهم الدلالات التي انتهت إليها مقولة "والله الموفق".

 ولكن كيف سيبقون وبأي درجة؟ ومن الذي سيبقى هل هو المشير طنطاوي؟ أو الفريق سامي عنان؟ هل سيعتمدون على الفلول أم على قوى سياسية أخرى سواء من معارضة ما قبل الثورة، أو مممن تشكل بعدها؟ وهل يمكن أن يبقوا ويظلون على الحياد من الحياة السياسية وتياراتها؟

سيخذلنا البحث في الرسائل الأربعة وسبعين التي وجهها المجلس العسكري لأبناء شعب مصر، ليبقى السؤال: ماذا تعني مقولة "الله الموفق" اليوم إن قالها المجلس العسكري؟

يتبارى بعض الشباب من الناشطين على الفيسبوك وتويتر في محاكاة استخدام هذا التعبير من خلال صور جرافيتي تستوحي التصميم النمطي لرسائل المجلس العسكري ولكن في سياق ساخر، يعني الانقلاب على المعنى النبيل الذي تم تأويله في بداية هذه الرسائل، وهو التواصل والبوح ووضع المتلقين (أبناء شعب مصر) في حالة دراية واطلاع. أصبح المعنى - الذي تحاول كشف دلالاته هذه الصور أو التدوينات التي تحاكيه- يدور في فلك التستر على فراغات في المعلومات، واختزال للمعنى يعيد صيغة الإعلام الأبوي التوجيهي، واسوأ من ذلك بات المعنى دلالة على التكرار والسأم في بعض استخدامات المحاكاة، أو فرض الأمر الواقع (الجبر) واستخدام السلطة العليا (المعززة بشرعية إيمانية) لإخضاع أو إخماد من يرفض أو يجادل مضمون الرسالة.

كانت فكرة إنشاء المجلس العسكري صفحة على الفيسبوك رائعة، نقلة كبيرة بحق مقارنة بإعلام صفوت الشريف وأنس الفقي المخصي من أي خصوبة معلوماتية أو حيوية في وسائل الاتصال بالجماهير، فإذا بالسلطة (الانتقالية) الجديدة تبدو شابة ورشيقة، تصل مباشرة إلى الشباب المهووس بالتواصل بالرسائل والإنترنت كمعظم مجايليه في العالم، وقد استطاعت إدارة التوجيه المعنوي أن تنافس أحد الماكينات الإعلامية الكبرى الخاصة بالثورة، صفحة "كلنا خالد سعيد" التي قفز متابعوها من حوالي مليون شخص إلى مليون ونصف بعد سقوط مبارك، فإذا بصفحة المجلس العسكري تنافس هذا العدد في أسابيع قليلة، حيث يبلغ عدد متابعيها عند كتابة هذه السطور أقل قليلاً من مليون نصف (1,446,664)، بينما وصل عدد متابعي صفحة "كلنا خالد سعيد" إلى (1,651,787).

قراءة رسائل المجلس الأخيرة، أو تصفحها، تعكس نوعاً من ضيق الصدر لدى مرسلها، بلغ حد اتهام أحد الحركات الثورية الرئيسية (6 إبريل) بالسعي لعمل فتنة بين الجيش والشعب (22 يوليو) وهو ما يمثل نقلة نوعية في خطابات المجلس التي كانت تحذر من فتن يسعى إليها من يسعى دون تسمية، متجنبة إعلان خصومة سياسية مع تيار سياسي بعينه. أيضاً انتقلت نبرة الوعود والعزم على تحقيق ما يتمناه الشعب، ونغمة التوافق وتلبية مطالب وتطلعات فئات المجتمع إلى نبرة أخرى تدافع عن نفسها من موقع واضح ذي سمات مغايرة عن الشعب، حتى وإن أكدت في بعض البيانات على أن "القوات المسلحة من الشعب" لكنها الآن منذ شهر مايو 2011، وبعد أن تجاوز عدد الرسائل الأربعين، أصبحت نبرة متموقعة في خانة معينة منفصلة، وتدافع عن شرعية استخدامها للقوة والحزم بل والمحاكمات العسكرية من أجل ضبط الانفلات الأمني، دون أن تهتم بالتأكيد على أنها تمثل الجميع، فهي على استعداد لتسمية من تعتبرهم خصومها.

ينتقص هذا التقلص في  حجم من تدعي هذه الخطابات تمثيله، وبالتالي يتم الخصم مما يحمله تذييل الخطاب بعبارة "والله الموفق" من التماس البركة في التنفيذ وسداد الخطوة من الله سبحانه وتعالى، يتم الخصم من هذه الشمولية، فينتقل استخدام العبارة إلى خانة أخرى سجالية غير التوافقية التي بدأ بها، لكن ذلك ليس المصدر الوحيد للمفارقة، هناك مصدران آخران، أولهما فراغ مضمون الرسائل من المعاني والأهداف الكبيرة التي تواكب أو تعكس أوتبين إجراءات هذه السلطة الانتقالية لتحقيق التطلعات الشعبية الكبرى، ستجد رسائل من حجم توصية المجلس للسفارة المصرية ببرلين لاتخاذ تدابير تليق بعلاج أحد مصابي الثورة في ألمانيا (مصعب الشاعر- أتم الله شفاءه) لكنك لا تجد رسالة تخبرنا ولو بشكل عام عن تقييم المجلس لدرجة المستوى الأمني والإجراءات المتبقية لضمان عودته لمستوى مقبول، أو توفره "المؤقت" خلال الانتخابات، رغم أهمية وشعبية هذا المطلب!

سيغيب صوت المجلس العسكري تماماً لدرجة مقلقة فيما يتعلق بأحداث الحدود مع إسرائيل، أو تداعياتها عند السفارة في القاهرة، سواء بإنزال العلم، أو اقتحامها، غياب نكاد نشعر معه أن الله سبحانه وتعالى "لم يوفق" المجلس إلى خطوات سديدة!

 إن غياب رد الفعل وبالتالي التماس التوفيق لهذا الرد يمثل عجزاً سياسياً وأمنياً ليس في أداء المؤسسة العسكرية فقط، بل في قدرتها على القيام بدور القائد السياسي لسلطة إنتقالية، كان بإمكانها أن تستدعي ممثلين للقوى السياسية (اجتمع معهم الفريق عنان مؤخراً لاستجلاء مواقفهم من الانتخابات فقط) وإطلاع هذه القوى السياسية على "خطورة الموقف وعدم ضرورة التصعيد"، أو أي شيء (رطانة) من هذا القبيل يعطي شرعية للصمت، لأن الصمت دون شرعية أكثر من عجز، شيء يلامس الهزيمة، ولذا كان رد الفعل الشعبي غير قادر على سماع التسريبات التي قالت أن المجلس رد دبلوماسياً على أمريكا وإسرائيل بأنه لا يستطيع الوقوف أمام الاحتجاجات الشعبية واستفزازها، لكنه سيعمل على تأمين البعثة الدبوماسية الإسرائيلية.

كان صمت المجلس عن التعبير، وتذييل تعبيره بالعبارة الشهيرة المنتظرة ليس مجرد عدم التماس للتوفيق من الله، كان اعترافاً لا لبس فيه بغياب التوفيق فعلياً.

بين فرحة الإحساس بالثقة نتيجة التواصل أخيراً مع السلطة المصرية، بعد هجر وجحود كبير من سلطة نظام مبارك، ليس معروفاً مدى الرغبة أو قبول استمرار هذه السلطة لفترة أطول، وبالتالي مواصلة تلقي رسائل منها ، لكن المؤكد أن رسائلها فقدت قدرتها على تمثيل أغلبية شعبية، كما أنها باتت مقصورة على تبرير أمور أو نفي اتهامات، حتى أن العبارة الشهيرة "والله الموفق" باتت تحمل معاني أكثر كثيراً عندما تستخدم في سياق محاكاة وتقليد، مما تعنيه عندما تستخدم في سياقها الذي ولدت فيه كخاتمة تذيل رسائل المجلس، لقد انفصلت قيمة العبارة عن قائلها، غادرته، ولاذ هو بالصمت فلم يصدر الرسائل في وقتها، ليس فقط في موضوع السفارة، ولكن حتى كتعليق ومتابعة لاجتماع الفريق عنان مع ممثلي القوى السياسية (تم أول أمس). لقد انتهت رحلة أومرحلة من التواصل، ستحتاج إلى إعادة تأسيس إذا ما أراد المجلس استعادة تفعيل هذه الوسيلة، وهو تأسيس لدور جديد في السلطة قبل أن يكون تاسيساً لنمط جديد من المراسلات، فهذا النمط من الرسائل سيظل مجروحاً بالطريقة الصامتة التي غاب بها صوت رسائل المجلس. لقد صمت فانتهى. "والله الموفق".

أحمد غريب

إضافة من الكاتب:
أصدر المجلس العسكري رسالتين بعد نشر المقال الأولى الرسالة رقم 75 يحمل فيها مسئولية القوى المنظمة لفعاليات الجمعة 30 سبتمبر مسئولية أي عنف أو اضرار ويعتبر أي مساس بوحدات الجيش مساسا بالأمن القومي يستوجب ردا مكافئا
وبذلك أصبح طرفا في العملية السياسة، وقادت أحداث ماسبيرو بعد ذلك إلى صدام مع الأقباط تضررت فيها مصداقية المجلس حتى لدى حلفائه
الرسالة رقم 76 كانت تهنئة بيوم السادس من أكتوبر، لكنه لم يصدر رسالة خاصة بأحداث ماسبيرو بل عقد مؤتمرا صحفيا حيث تراجعت قيمة وفاعلية رسائله لدى جمهور الإنترنت منذ أن أصبح طرفا في مواجهات وخصومات سياسية، وأصبح تركيزه منصبا على جمهور التلفزيون

سيلين ديون.. صوت العولمة




أحمد غريب
نادراً ما يمتدح التقد مغنياً شعبياً، إلا إذا أصبحت شعبيته ظاهرة اجتماعية أو ثقافية، هنا يتحول النقد صوب تفسير ما وراء هذه النجومية التي فاقت المعتاد، وفي حالة النجمة الاستثنائية سيلين ديون فقد كان السؤال: ما الذي جعلها مقبولة في كل بلاد العالم، لدي مستمعين لم يهتموا بالغناء الغربي من قبل؟ أغنيتها التي ارتبطت بفيلم "تايتانيك" My Heart Will Go On سُمعت مرَّات ومرَّات خلال السنوات العشر التي تلت إنتاجها (1998) في أكثر المناطق شعبية في آسيا وإفريقيا ، حيث يختلف الذوق الجمالي ونمط الحياة وهمومها تماماً عن منبت هذه المغنية ذات الصوت الأوبرالي في مقاطعة كيبيك الفرنسية بكندا؟ أرقام مبيعات ديون لا تضاهَى منذ ما قبل فيلم "تايتانيك"، وصولاً إلى ما بعد موجة انتشارها بعقد كامل، حتى أنها مؤخراً ردت على منتقديها بأن عرضها الغنائي على المسرح "محجوز لأربع سنوات مقدماً"!

ولدت ديون عام 1968 في بلدة شارليمان Charlemagne القريبة من مونتريال ضمن مقاطعة كيبيك الفرنسية بكندا، وهي الطفلة الرابعة عشر لأبوين موسيقيين، الأم تعزف الكمان والأب على الأكورديون في مطعمهما الخاص، ومعظم إخوتها يعملون في مجال العروض الفنية. في صغرها غنت في مطعم والديها منذ سن السابعة، وقد ساعدها الانتماء لعائلة موسيقية على تعلم عزف البيانو والجيتار العادي والمزدوج إلى جانب آلات أخرى مبكراً. وخلال عقد الثمانينات فازت ديون بعدد من جوائز الأداء الغنائي في مهرجانات دولية، وفي عام 1990 رهن مدير أعمالها رينيه أنجيليل بيته لينتج أول تسجيل لها، وقد حقق نجاحاً كبيراً في العالم الناطق بالفرنسية، وأصبح أنجيليل (مواليد 1942) زوجها ومدير أعمالها الوحيد فيما بعد.

صوت سيلين ديون كان جواز سفرها الأول نحو الشهرة، ليس فقط تمتعه بقوة خمسة أوكتاف، وانتمائه لطبقة سوبرانو الأوبرا، ولكن قدراتها الخاصة، التي تدربت عليها مبكراً، حبث يمكنها أن خلال غناء مقطع صوتي واحد من كلمة أن تؤدي كل نغمات النوتة الموسيقية، وهو أداء موسيقي كنسي يتطلب موهبة خاصة وتدريبات متواصلة. وقد جمع صوتها من حيث شخصيته المنفردة روعة باربرا ستاريسند، وقوة ويتني هيوستن، أما أداءها الحيوي على المسرح فكثيراً ما شُبه بماريا كاري، وقد تمكنت ديون من أداء أغنيات معهن، ما ساعد في ترسيخ هذه الصورة الذهنية عن انتسابها فنياً لأشهر المغنيات واجتماع مواهبهن فيها.

خلال عقد التسعينات من القرن الماضي حققت ديون شهرة طاغية بعدما بدأت تغني بالإنجليزية، وقد جمعت صورتها كنجمة بين مظهر "الفتاة البريئة"، وقوة الصوت وجماله (خمسة أوكتاف)، وصفاء وعذوبة الشخصية، وتحكمها الكامل في تفاصيل عملها، حتى أنها كتبت بعض أغنياتها بنفسها. أما السمة الأكثر وضوحاً، والتي لعبت دوراً مهماً في ذيوع أغنياتها، فهي المبالغات العاطفية للكلمات وإغراق المعنى بتشبيهات واستعارات رومانسية، واتجاه المعنى نحو الحب الشكسبيري بما فيه من قيم التضحية والوفاء والأحلام الكبرى، والذي مثل مطلباً فنياً من جمهور مجتمع العولمة في التسعينات كتعويض عن تغيرات عميقة أصابت الخصوصيات الاجتماعية والثقافية.

 لبَّت أغنيات ديون هذا التطلع إلى صيغة القرية العالمية عبر اهتمامها بتيمات الحب والفقر والألم الإنساني وتغذية الروح بمشاعر السمو المكثفة. وقد سار نهج تأليف كلمات أغنياتها خلف مقولات شائعة فنياً تحدد الوصفة الشعورية للتأليف الشعبي مثل: "لا اكتفاء من العواطف الزائدة"، و"المشاعر الفياضة أكثر واقعية". المفارقة أن أغنيات ديون الفرنسية أكثر عمقاً من حيث المعاني، وتنوعاً من حيث الموضوعات، ودقة في الوصف الشعوري، وفي الوقت نفسه هي الأقل جماهيرية من حيث الانتشار بين الناطقين بالفرنسية مقارنة مع إنتاجها بالإنجليزية بينهم! لكن ذلك لم يغير من واقع أرقامها القياسية التي لا تُضاها، حيث تظل ديون المغنية الأكثر مبيعاً في اللغتين الفرنسية والإنجليزية.

تغني سيلين ديون مزيجاً موسيقي يجمع "البوب" و"الروك" وموسيقى الترانيم الكنسية مع تنويعات من موسيقى R&B أوRhythm and Blues الشعبية وسط الأمريكيين من أصل إفريقي، بذلك تجمع توليفتها الخاصة بين الأنواع الأكثر انتشاراً وقبولاً في أمريكا الشمالية، إلى جانب غنائها بالفرنسية كونها تنتمي للقسم الفرنسي من كندا. لكن النجاح في إيجاد توليفة ترضي الجميع لم يحجب عنها النقد، بل كان مدعاة لتحفيزه، خاصة من قبل نقاد موسيقى الروك التي تحظى بمكانة ثقافية مميزة، وتمثل إطاراً لأفكار وتوجهات الرفض والمغايرة لدى الشباب الأمريكي منذ ستينات القرن الماضي، وهو نقيض ما يمكن أن تمثلة موسيقى البوب الشعبية، أو الترانيم المسيحية الكنسية من ثقافة تقليدية.

النقد والديموقراطية

تلقت سيلين ديون كثيراً من النقد بعد فورة انتشارها في تسعينات القرن الماضي، ويُعد كتاب "لنتحدث عن الحب.. رحلة نحو نهاية التذوق" الذي ألفه المحرر الفني في صحيفة "جلوب أند ميل" الأشهر في كندا كارل ويلسون، من أعمق التحليلات التي بينت ما المقصود بالعولمة في ظاهرة سيلين ديون، ولماذا قبلها جمهور بعيد في وسط إفريقيا وآسيا، مجادلاً فكرة ديموقراطية الفن التي تضع أرقام المبيعات مرشداً للقيمة الجمالية. عناوين فصول الكتاب تسخر من اسم أشهر ألبوماتها "لنتحدث عن الحب" Let’s Talk About Love الذي احتوى أغنية فيلم "تايتانيك" ذائعة الصيت، حيث تتبنى تيمة "لنتحدث عن..." وتبدأ بالحديث عن الكراهية لا الحب، مروراً بالتساؤل عن سبب إعجاب جمهور التسعينات بصورة "الفتاة البريئة"، التي تتزوج أول مدير أعمال لها رغم أنه يكبرها بما يزيد عن ربع قرن، وصولاً إلى فكرة العولمة وتنميط الذوق عن طريق توفير توليفة جماهيرية ترضي الحد الأدنى من متطلبات كل ذائقة.

 كتاب ويلسون رحلة ناقد مفتون بموسيقى الروك وكاره لغناء سيلين ديون نحو فهم الظاهرة، والملفت أن رحلته تنتهي باحترامها، والوقوف على مسافة بين الإعجاب والرفض من إبداع غارق في الشكسبيرية، وهي مسافة سمحت لويلسون بتذوق جماليات ديون وتفهم قيمتها الفنية، وإلقاء الضوء على حاجة جمهور التسعينات، الذي تعاطى مع واقع العولمة لأول مرة، لأن ينحاز إلى أعمال فنية تثبت ترسخ أنتمائه إلى إطار عالمي واحد، وقد استرشد في تحليله بأبحاث وكتابات عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو حول دور التذوق في توكيد التميز أو الانتماء الاجتماعي،  كما تساءل ويلسون حول صواب فكرة ديموقراطية الفن، وما إذا كانت أرقام التوزيع هي تصويت ديموقراطي يحدد بوصلة التقييم الجمالي.

ظاهرة انتقاد سيلين ديون والسخرية من لزمات الأداء لديها، كحركة إصبعها أثناء أنفعالات الأداء، أو ملابسها ومكياجها وغير ذلك من سماتها الشخصصية، أصبحت جزءاً من الثقافة الكندية والأمريكية بشكل عام، بل إنها ظلت لسنوات بعد فوران الشهرة في التسعينات فقرة معتادة في كثير من برامج الترفيه بمحطات التليفزيون، وكذلك فقرة ترفيهية في الفعاليات مثل معارض الطيران واحتفالات اليوم الوطني في كل من كندا وأمريكا، وهو ما يعكس تحول سيلين ديون إلى رمز وطني ثقافي، بل إنه أحياناً ما يُطرح السؤال الساخر حوله من قبل المهاجرين إلى كندا: "هل يجب أن نحب سلين ديون لننتمي إلى كندا؟". والحقيقة أنه على غير المعتاد لظاهرة الانتشار الجماهيري لنجوم موسيقى البوب، لم تنحسر شعبية سلين ديون بعد فوران التسعينات، فقد انقطعت ديون عن العمل الفني عام 2000 لمدة سنتين للتفرغ لإنجاب، وعادت أكثر قوة من الناحية الجماهيرية، ثم قدمت عرضاً مسرحيا مستمراً لعدة سنوات في لاس فيجاس، حقق أرقاماً قياسية هو الآخر في الحجز المسبق ناهيك عن قيمته المالية التي بلغت 100 مليون دولار، وقد اختتمته ديون خلال الصيف 2010، لتتفرغ لإنجاب ثانية.

خلال العقد الأول من القرن العشرين، وبعد إنجابها، انضمت تيمة الأمومة والمشاعر المرتبطة بها إلى مجموعة التيمات العاطفية التي تميز إنتاج ديون، وقد جمعت الفنانة الكندية الأشهر في رصيد جوائزها 33 جائزة منها 5 جوائز جرامي و20 جازة جونو (المعادل الكندي لجرامي الأمريكية)، وبلغ مجموع مبيعات ألبوماتها 175 مليون ألبوم في إحصاء عام 2004، وحققت دخلاً بلغ 55 مليون دولار في أحد أعوام فوران الشهرة. وإذا كانت لقطة الممثلين الشهيرين ليوناردو دي كابريو وكيت وينسلت فارداً كل منهما ذراعيه عند زاوية السفينة "تايتانيك" قد أصبحت أيقونة للحب في عصر العولمة، فلا شك أن صوت سيلين ديون هو الملازم الذي تكتمل به الأيقونة ورمزيتها.
نُشرت في مجلة دبي الثقافية - أكتوبر 2010

Sunday, October 16, 2011

الخطة بوتن


أحمد غريب

إذا أردت معرفة ما هي سياسة المجلس العسكري في مصر، لا تنظر إلى تونس، بل روسيا.
الشهر الماضي طالب الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف بنفسه خلال اجتماع حزبه الحاكم بأن يقوم الحزب بترشيح شخص آخر للرئاسة بدلاً منه، هو رئيس الوزراء "فلاديمير بوتن"، وفي الاجتماع نفسه طالب بوتن الحزب بتولية "الرئيس ميدفيديف" رئاسة مجلس الوزراء عندما يصبح هو رئيساً!
بالطبع وصلتك الرسالة عزيزي القارئ، وأن النكتة التي تحدثت عن تخلي المجلس العسكري عن السلطة وتسليمها لمبارك مرة أخرى يمكن أن تكون حقيقة، لكن ليس هذا بالضبط ما أسميه "الخطة بوتن" والتي تهدف إلى ترميم بقايا النظام الذي قامت ضده ثورة 25 يناير وانتشاله من السقوط.
لم يكن بوتن يستطيع أن يهزأ بالدستور وبصناديق الاقتراع والناخبين في بلده إلى هذا الحد لولا أن ذاق الشعب الروسي عذاب الحياة لسنوات تحت عصي الخوف التي ألهبته بها "مافيا الجريمة المنظمة"؛ وهم بالضبط زبانية التعذيب في السجون والمعتقلات الذين أطلقتهم أجهزة الأمن للعمل في الشارع، ويحملون في مصر اسم: "البلطجية".
بعد سنوات من لهيب تلك العصا كشف استطلاع للرأي العام في روسيا أن أكثر من نصف الشعب الروسي يهتم بمكافحة التدخين، بينما يقلق 8% منه على مصير الديموقراطية التي تتدهور أوضاعها بشدة في روسيا تحت حكم بوتن، بعدما نجحت الحكومة في عهده كرئيس في انتظام تسليم المعاشات والأجور! أرايتم إلى أي حد بلغ التخويف؟!
"الخطة بوتن" التي تتبناها أجهزة الأمن المصرية لا تسعى إلى نشر الفوضى، وإنما الخوف، وعدم الثقة بالنفس، ونشر اللامبالاة بالشأن العام بين الناس، والشك في بقية أفراد المجتمع لمنع تشكل جبهة كبيرة من الرأي العام، والوصول بالأمن إلى حافة الهاوية، ليقبل الشعب حداً أدنى من الحياة مقابل الأمن، وينهب كل أعوان النظام أفضل الأجور والمزايا وهم ممسكين بعصا التخوف.
لم يكن نجاح مخطط بوتن الذي بدأه خلال سنوات معاونته للرئيس الأسبق يلتسن لولا تمكنه من القضاء مبادرات الإعلام الحر، حتى أصبح معظم الصحفيين يعملون بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، وفرَّ الشرفاء إلى الخارج خوفا على حياتهم، بينما يلاحق القتل كل من يرفع صوته بمعارضة حقيقية (العام الحالي قتل خمسة صحفيين معارضين في روسيا). وبتراجع منسوب الحقيقة وفقَّت بعض أحزاب المعارضة الضعيفة أوضاعها لتكون "مكياج" يتجمل به النظام ويحقق قادتها مكاسب شخصية معقولة وآمنة (هل يذكرنا ذلك بالخذلان الذي أصابنا من نتائج أول اجتماع يجمع الأحزاب مع الفريق سامي عنان؟).
تطبيق المجلس العسكري لـ "الخطة بوتن" لا يزال في بداياته، فهناك الإعلام الشخصي من فيسبوك ويوتيوب وتويتر، ويشكل الفيسبوك أداة هامة كون المطلعين عليه من المصريين يشكلون نسبة "حيوية"؛ إذ يتجاوز عدد مستخدميه في مصر 6 ملايين شخص حسب إحصاء إبريل الماضي، ما يوفر ساحة إعلامية خصبة تتمكن من خلالها كتلة بشرية معارضة من بلورة آرائها ومواقفها بحرية وبعيداً عن مؤثرات الإعلام الموجه أو المتواطئ. هذه الخصوبة الإعلامية التي يتمتع بها ذلك النوع من الإعلام المستقل لم تتوفر للحركة الديموقراطية في عدة بلدان بدأت تحررها نحو حكم الشعب لنفسه خلال عقد التسعينات الماضي، ما سمح لخطة ترميم النظام السلطوي بشلِّ المؤسسات التقليدية من صحف وإذاعات وقنوات مرئية، والوصول بالرأي العام إلى مرحلة فقدان الثقة بالنفس.
لهذا الشق من "الخطة بوتن" نسخة خاصة بالإسلاميين المصريين، حيث يتحدث الإخوة دائماً بعد الثورة عن شبح جديد هو "العلمانيين" رغم أن مجتمعنا متدين وتدينه محصن والحمدلله بأغلبية عاشقة للدين، لكنهم يفسرون شخصية هذا الشبح أو الشيطان الجديد بكلمة واحدة "الإعلام"، بعدما توقفوا عن معارضة النظام وأصبحوا من المتغزِّلين في القادة الانتقاليين، خاصة أن الأساليب متشابهة فيما يبدو.
"الخطة بوتن" هي ما تعمل أجهزة الأمن المصري من مخابرات وأمن وطني على تطبيقه مستغلة الثقة الشعبية في الجيش ووطنيته، فتستخدمه واجهة، لكن ذلك لعباً خطيراً قد يهدد نسيج البلد مثلما حدث في مذبحة ماسبيرو. وبينما لا نعلم بالضبط حقيقة وعي غالبية ضباط الجيش ومدى رضاهم عن ذلك، لا تعد زيادة رواتب العسكريين بعد الثورة دليلاً كافياً على نجاح السلطة في ضمان شراء ضمائرهم أو كسب ولائهم.
تتواالى أحداث الفوضى ومناورات التخويف وتقسيم الرأي العام، وإنهاك القوى السياسية وبالمقابل يمانع وعي قطاعات غير قليلة من الشعب ولا يبلع الطُعم ويظل كشف الحقائق وراء ألاعيب الخطة مستمراً، ليبقى الفيصل بين استنزاف جهود القوى الثورية عبر إطالة أمد الاستحقاقات السياسية مثل الانتخابات، وبين إلحاح الاستحقاقات وتكثف الضغط الشعبي للمطالبة بالوفاء بجدول تسليم الحكم لسلطة منتخبة؛ ترى أي سلطة يمكن أن تنتج عن مسرح انتخابي تعمل الخطة على تهيئته؟ هل سيأتي بوتن مصري؟.
يفتقر المجلس للعوائد البترولية الكبيرة التي استخدمها بوتن لتحسين الرواتب وصرف الرأي العام عن الاحتشاد وراء مطالب إصلاحية عامة وجماعية، لكن يبدو أن المجلس العسكري يستخدم مقلوب هذه الأداة، حيث يروج إلى أن التعبير الجماعي عن المطالب وعن الرأي العام (المظاهرات والإضرابات) هو ما يعطل عجلة الإنتاج ويفرمل السياحة، بينما يتلخص "سر" انتعاش السياحة في عودة الأمن بسحب عصابات الجريمة السياسية المنظمة "البلطجية" والبدء في عملية تأهيلهم الوظيفي ليكونوا موظفين نافعين.
احذرو "الخطة بوتن" تعمل في مصر.



منشور في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 15 أكتوبر 2011، وفي صباح نفس اليوم سمَّى الحزب الحاكم الروسي فلاديمير بوتن مرشحاً رئاسياً بالفعل
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=279620&fb_ref=.Tprdw588o-4.like&fb_source=profile_multiline