Monday, January 28, 2013

فقد ظله.. النسخة 2013



متظاهر يجلس على سور الكورنيش بالقاهرة تحت سحب قنابل الغاز (27 يناير 2013) 

صبحي صالح. سعد الكتاتني. عصام العريان. محمد بديع. عصام سلطان. أبوالعلا ماضي. خيرت الشاطر (يوسف هذا العصر!). محمد حسان. محمد مرسي. وجدي غنيم. أبوإسلام. عبدالله بدر. نادر بكار. أبو إسحاق الحويني. محمد حسين يعقوب. ياسر برهامي. عبدالله بدر. عزة الجرف. أسامة ياسين. هشام قنديل. محمود غزلان. الأخوين مكي. ياسر علي. عاصم عبدالماجد. حازم صلاح أبوسماعيل. البلكيمي. جمال صابر. طارق الزمر. الشيخ المحلاوي. محمود شعبان (هاتولي راجل). عصام الحداد. حسن مالك. أحمد أبوهشيمة. حسن البرنس. صفوت حجازي.علي ونيس. حسام الغرياني. محمد البلتاجي

......
تتزايد كل يوم قائمة الشهداء في عهد مرسي القصير.. كلهم ممن وهبوا أنفسهم للثورة.. معظمهم انتخبوا مرسي ظنا منهم أنه لن يقهر معارضيه مثلما يمكن أن يفعل شفيق.. لكن يد الطغيان تقطف أرواحهم في ما يبدوا حملة منهجية لتصفية المعارضين


Tuesday, January 22, 2013

المتظاهر

غلاف العدد السنوي لعام 2011

 عندما اختارت مجلة "تايم" شخصية "المتظاهر" لتكون شخصية العام في العدد السنوي لشهر ديسمبر 2011.. لم تكن تعلم أنه مكلف بمهمة لا تعرف موعد رأس السنة، ولا دقات الساعة.. مهمة لا يعرف هو نفسه كيف تنضبط داخله؛ فالمسألة وجود، ودفقة روح تأبى أن تنسحب، وأمل ينبض، وحلم!

 في الحقيقة كثير منا لم يكن يعرف حجم الحلم المكتوم في صدورنا، وليست مجلة "تايم" وحدها التي لم تستطع فهم ذلك. إننا نولد من جديد ونعرف أنفسنا ومن حولنا من جديد في كل محطة من محطات الثورة.

مهمة المتظاهرأيضاً مهمة لا تعرف صبغة احتفال سنوي إلا ألواناً مرسومة على حائط الشهداء؛ صورة لا يراها صاحبها دائماً.. الشهيد.. أو حتى من فقد عينا أو جُرح.. لا يعود الجسد أبداً كما كان ليرى صورته؛ تظل الروح تعاود زيارة المكان الذي سبق وواجهت فيه عنتاً وغلاً من أشخاص أكلهم الطمع يتشبثون دائماً بالأنا، يضخمونها بطريقتهم. هناك طرق وتحايلات لتستر أنانيتك بمبادئ مطاطة، مبهمة، لا تعمل إلا لتزيد من سلطة المتشدق بها. أما المتظاهر فلا يحتفل إلا بمتظاهر آخر راح؛ ولا يقطف من ثمار السياسة إلا تلك الخلطة السحرية من الألم والحلم.

هل تستمر المظاهرات عقداً، أو بضع سنوات؟ لا أعرف، ولا يعرف من يتظاهر لماذا يطالبه أحد بالتوقف عما يفعل! لماذا يريدون نهاية لما يعتبره هو بداية جديدة لوجوده كإنسان حر يملك حق التعبير!

نحن جيل محظوظ، في الحقيقة نحن محظوظون للغاية أن لدينا هؤلاء النبلاء الذين يتعاقب الظالمون على ضربهم ومحاولة الفتك بهم، لكنهم يخرجون أكثر ألقاً وتشبثاً بالحلم كل مرة، كأنهم يرون حلمهم حقيقة عندما يواجههم الظالمون بالرفض!
كأنهم يرون ما لا نرى؛ يرون في داخلهم ورود وأمل، تكبر مع تشقق الجراح، ويرون خارجهم وجوداً جديداً لذواتهم وأنفسهم، كأنهم يرونها.. الحرية!

 فخور بكم يا إخوتي يا أبناء بلدي الشرفاء، فخور بنبلكم الذي منحتمونا منه بلا حدود.. يؤلمني كل خدش وكل لحظة ألم تتعرض لها أيها المتظاهر؛ يا ضميري الحي،
أنتم أيها المتظاهرون ماء وضوئنا، أنتم كل ما يردنا إلى الحياة من غيبوبة الخوف ووسائل الهروب من مواجهة الحقيقة.
 أخشى أن اقول أنكم على مدى عامين، وبعطاء بلا حدود، كنتم شرفاء أكثر مما نحتمل؛ أكثر مما كنا نتوقع، أخشى أن أقول -وقد سرقكم اللئام- أنكم أجمل مما نستحق، يارب ساعدنا ألا نخذلهم، اعبر بهم إلى بر آمن لأن الظلم يعض الأمل في أرضنا، والأنانية تمص قيم الخير في نهرنا.
أيها المتظاهرون أنتم ماء وضوئنا.
 من أحداث محمد محمود.. مجد شباب هذا الجيل

Sunday, January 13, 2013

من سيتكلم باسم الشعب؟


من أجمل هتافات الثورة، خلال الثمانية عشر يوماً الأولى التي أسقطت مبارك: "احنا الأمن واحنا الدولة.. يسقط يسقط أمن الدولة"؛ حيث يلخص الهتاف بسخريته وطرافته جوهر أزمة النظام القمعي الذي ادعى أنه يتحدث باسم "الشعب" وأن معارضيه قلة، بينمى هو يستخدم أداة الترهيب والقمع للتخويف ولفرض أكاذيبه، والاحتفاظ بحق تسمية الأشياء حصرياً في يده.

الشعب هزم القمع لأول مرة في تاريخه، لكن انقسام الخريطة السياسية إلى اتجاهات وأحزاب، وانطلاق التكتلات السياسية المختلفة مثل النقابات، وطلاب الجامعات، واتحادات العمال لممارسة حقوقها الديموقراطية أوجد فوارق بين "الاحتجاج الشعبي" وبين "إرادة صندوق الانتخابات"، بحيث تجدد اعتراض من هم في مواقع السلطة على استخدام مسمَّى "شعب" من قبل المحتجين والمعارضين عندما يصفون احتجاجاتهم بالشعبية، رغم أنها تجد تأييداً معتبراً في كل مرة!

وقد بلغ الأمر ذروته وقت رفض الإعلان الدستوري الذي شل يد السلطة القضائية، فاتجهت الملايين إلى قصر الاتحادية تعترض على أن يكون إجراء كهذا هو خريطة الطريق التي يولد من خلالها دستور مصر الجديد.

 كان اللجوء إلى الشارع بديلاً عن الصندوق رد فعل على مخالفة مضمون الديموقراطية، ولم تنجح السلطة في إقناع الرأي العام بضرورة اللجوء إلى الصندوق إلا بعد استخدام العنف بطريقة هددت بنزاع أهلي، فلم تكن السلطة غبية أو غير مقدرة لاحتمال نشوب مصادمات عندما دفعت بشباب الإخوان لفض اعتصام الاتحادية، بالعكس، كان العنف هو المسوغ للاستعجال بالاقتراع، وبضمان قدر من المشاركة يضفي على المسألة شرعية، ويهديء من الخواطر التي كانت تتجه أنظارها صوب قصر الاتحادية في انتظار قرارات، فاضطرت السلطة لدفع ضريبة الإضرار بصورتها، حيث كان مؤيدوها هم البادئون بالعنف، مقابل صرف الأنظار عن انتظار قرارات من القصر الجمهوري، والقبول بلعبة الصندوق دون تنازل السلطة عن شل القضاء.

حالياً يتوعد الكتاب المؤيدون للسلطة على صفحات موقع الإخوان أونلاين والحرية والعدالة أن تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة جولة حسم في نزع كلمة "شعب" من ألسنة المعارضة! ففي استفتاء مارس عام 2011 لم يكن الإسلاميون وحدهم من الداعين لاختيار "نعم"، فقد أيدت نفس الاختيار أيضاً "حركة 6 إبريل" لكن نتيجة الـ 77% استخدمت وكأنها حصرياً لتأييد التيار الإسلامي، وجاءت الانتخابت البرلمانية بأغلبية كبرى للتيار الإسلامي من خلال فصيلي الإخوان والسلفية، فصدق كثيرون ما تم الترويج له عن سيادة تيار معين لأغلبية كاسحة، رغم أن الخريطة السياسية لما بعد الثورة كانت – ولاتزال- قيد التشكل، ولم يتعجل بانتخابات البرلمان إلا من قصّر في التحضير والإعداد للثورة وميادينها وعمل في الأحياء والدوائر الانتخابية. ولم يسعى لتجنب التبكير بانتخابات البرلمان إلا من لم  يكن لديهم خبرة العمل في الدوائر الانتخابية والأحياء، لكنهم أعدوا للثورة وأطلقوا شرارتها وشكلوا عصبها.


في استفتاء مارس، مثلاً، اختارت دائرتي (حي الظاهر) التصويت بـ "لا" بنسبة 54%، بينما انتخبت عضوين من جماعة الإخوان للبرلمان أي بنسبة 100%، رافضة المنافسة القوية لهما من قبل سلفي وفلول، هذه خيارات تختلف وفق تطور الخريطة السياسية عما اختاره نفس الحي في انتخابات الرئاسة حيث اختار حمدين صباحي أولاً، يليه أحمد شفيق ثانياً! بل إنك لو جمعت أصوات مرشحي الرئاسة عن التيار الإسلامي (مرسي وأبو الفتوح والعوا) لاستغربت أنها بالكاد تصل للنصف وليس كما صورت لنا انتخابات البرلمان!

 بعد ذلك في استفتاء الدستور – ومع تجنب الحديث عن المخالفات والإعاقة عن التصويت- رفض أكثر من 6 مليون شخص الدستور الحالي، وهي كتلة لو تم اعتبارها بمثابة المعارضة الراديكالية، وتم تحويلها لأصوات برلمانية تنضم إليها أصوات معارضة أقل حدة، لما حق لأحد أن يحتكر شيء في هذا البلد! ناهيك عن أن جوهر الديموقراطية أن قبول الخاسر بالنتيجة يرتب على الفائز التزامات سياسية نحوه، لكن إجراء حوار صوري مع المعارضة، والوعد بتعديل دستور -كان بالإمكان تجنب عدم سلقه- لا يمثل تطبيقاً مقنعاً لإلتزام الفائز السياسي بمراعاة الخاسر!

في التعبير الشعبي الدارج يستخدم بعض أبناء المحافظات والأقاليم الجغرافية في بلدنا كلمة "شعب" لوصف حشودهم الجماهيرية؛ تجد تطبيقات هذا العرف الدارج في اللافتات التي يرفعها أبناء بورسعيد، وأبناء السويس، ومدن القناة، وشمال الصعيد، والإسكندرية، وغيرها، تأييداً لفريق كروي، أو تعبيراً عن موقف معين، فيقولون "شعب السويس يؤيد ..." و"شعب بورسعيد..." وهكذا، لكن "الشرطة العسكرية" -كما شاع على  ألسنة أبناء الميدان- كانت أول جهة في مصر تجرؤ على تقديم تعريف لمسمّى "شعب"، ومن الذي يحق أو لايحق له استخدام المسمى، عندما أقدمت على فض اعتصامات الميدان منذ شهر مارس بعد خروج الإخوان المسلمين من الميدان بخطبة القرضاوي الشهيرة، عندها بدأت الشرطة العسكرية سلسلة فض الاعتصامات واحتلال الصينية، وعندما سئل بعض أفرادها عن سر عدم تدخلهم أحياناً، بينما يستجيب المجلس العسكري لطلبات الحشود أحياناً أخرى؟ كان الرد أن "احتشاد بضعة آلاف يعتبر في مفهوم الشرطة بلطجية تفض اجتماعهم.. ومائة ألف تجمع تحاصره.. لكن مليون يعني شعب" لذا استجاب المجلس العسكري لبعض طلبات من بدا "شعبا" منذ فبراير وحتى اعتصام 8 يوليو 2011!

بعبارة أخرى، الجدل حول "تمثيل الشعب" أو قطاع منه، وحق التعبير باسم قطاع معين، هو أحد الأمور الجوهرية في عملية التحول الديموقراطي في مصر، فحق اعتصام وحق الإضراب الجزئي والكلي، وحق التظاهر والاعتصام لم يشهد تطوراً قانونياً حقوقياً يواكب ما حققه أبناء الشعب على أرض الواقع من ممارسات الاحتجاج، بل إنه منذ انتخابات البرلمان بدأ هذا الجدل حول شرعية الميدان وشرعية البرلمان، وكانت الفئة المجادلة هي صاحبة الأغلبية البرلمانية من إخوان وسلفيين، ثم شاءت الأقدار أن تضطرهم الظروف إلى اللجوء للميدان مرة أخرى بعد البرلمان، فخف الجدل خاصة أن الميدان هو من أجبر العسكر على الالتزام بعقد انتخابات رئاسية، وهو من ساند مرسي خوفاً من شفيق. ثم جاء محتوى الدستور، وطريقة إنتاجه، غير موازية وغير مشابهة لما تحقق على أرض الواقع من حقوق في التعبير.


إن سلطة الإخوان المسلمين، برلمانا ثم رئاسة، وعلى خط مواز لها سلطة المجلس العسكري، لم تنجحا في التطور لمستوى يناظر قطاعاً شعبياً معتبراً، وتوجها كبيراً من أبناء الجيل الحالي في بلدنا يتمسك بحق التعبير وحق الشعب في فرض رأيه على الحاكم. وقد كان للفصائل الشبابية التي تمثل عصب التغيير في الجيل الحالي الفضل -ومعظم الجهد- في إطلاق الثورة، ولاتزال تتحمل كل العبء وتقدم التضحيات من أجل عدم العودة لممارسات احتكار التمثيل الشعبي، وإغلاق الطرق أمام المشاركة في السلطة والقبول بتداولها. لكن سلطة العسكر ثم الإخوان اللتان تعاقبتا على حكم البلاد عملت كل منها على تفريغ الثورة من أغلب مضمونها، وحصرها في أن تكون حركة احتجاجية لها مطالب تم تلبية بعضها، ثم تلجأ لتخوين المعارضين، وانتهى الأمر.

على المستوى الشعبي يجد كثير من الناس متعة في الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وهو ما تحاول السلطة الداعية للاقتراع تحجيم تأثيره عن طريق توجيه أسئلة الاقتراع بطريقة ملتبسة –خاصة الاستفتاء-  تصبغ أحد الخيارين المتاحين للتصويت بصورة الشر أو الخطأ، لتوجيه أغلبية الاختيار صوب ما يتم تصويره على أنه الصواب. لكن تطور اختيارات الناس وقدرة هذه الاختيارات على تشكيل خريطة سياسية جديدة يبدو أمراً مدهشاً، خاصة في نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة، وهو ما يبشر بحيوية مستمرة في الخريطة التي لاتزال تتشكل، وهنا خوف من أفادوا من الثورة، وسعيهم لإجهاض هذه الحيوية عن طريق الطعن في المعارضة بكل الطرق ومنها التكفير والتخوين.

 وبينما يشعر كثيرون بضيق طبيعي من الإضرابات كونها تمس الخدمات وتؤثر على حياتهم اليومية، وهو أمر يوجد مثيل له حتى في أعتى الدول الديموقراطية، فالناس تحتار ماذا يفعلون بأولادهم إذا أضرب المعلمون عن التدريس في المدارس مثلاً ما يجعلهم يستاؤون من الإضرابات ولا يناصرونها! لذا يساعد وجود إطار قانوني مفصل ودقيق حول تنظيم حق الإضراب، ففي بعض الدول الديموقراطية تلجأ النقابة الداعية للإضراب إلى الطعن القانوني على دعوتها بنفسها، وتنظر محكمة مستعجلة الطعن لتقرر إذا ما كان من حقها الإضراب وفق الشروط القانونية، فإذا أقرته المحكمة يصبح شرعياً ويتم الإضراب ويتجه الرأي العام للضغط على الحكومة للتفاوض مع المضريبن والاستجابة لهم.

تبدو هذه الصورة بعيدة الآن عن الجدل القائم حول ألف باء ديموقراطية ومن يمثل "الشعب"، لكن المؤكد أن السلطة القائمة لا ترحب بالديموقراطية، وتسعى لأن تكون المعارضة مجرد ديكور على طريقة مبارك، وتعادي حرية التعبير بأشكالها سواء الإعلامية (من خلال دفع أنصارها لمقاضاة المعارضين) أو من خلال مقاومة الاحتجاج الجماهيري وتخوين المحتجين وتجاهلهم ليمتد احتجاجهم فيبدو معطلاً للأعمال، لكن أخطر ما لديها ولم يتوفر لمبارك أو للمجلس العسكري ليس وجود الأنصار والمؤيدين، فلم يعدم الآخرون ذلك، إنه استبدال مفهوم "الشعب" كدلالة على الجماهير، ليحل محله الانتماء الديني والانحياز لجماعة معينة، فيتم الترويج لبدائل لكلمة "شعب" الأصلية، مثل "الأهل" و"العشيرة" و"المؤمنون"، وهو استخدام "سياسي" خطير يؤدي للانقسام والقطيعة بين مكونات المجتمع، وتخدع درجة الولاء الناتجة عنه، فالولاء الشديد من التابع يشجع على مزيد الطغيان، وهو ما غر بمبارك يوماً حيث ظن أن ولاء جندي الأمن المركزي وطاعته المطلقة تغني عن حقائق السياسة وأبحديات العلاقة بين الحاكم والمحكوم.


Tuesday, January 1, 2013

الجماهير أسبق من السياسيين: هذه دولة الإسلاميين.. فماذا عن دولتنا؟



 
 
من المسيرة النسائية في التحرير 8 فبراير 2013
 

قبل أن أنتقد أداء السياسيين المتحدثين باسم الثورة يهمني توضيح أن هؤلاء السياسيين بمكانتهم وحيثيتهم الحالية من صناعة جماهير الثورة، فالفارق الواضح بين الدبلوماسي الوطني المجتهد د.مححمد البرادعي وبين رمزيته الحالية ومكانته ودوره هو من صناعة الجماهير، واجتهاده هو في التعبير عنها.

والفارق بين المعارض الناصري حمدين صباحي الذي ظل على الهامش السياسي حتى بعد الثورة بأشهر، بل مرت على صورته سحابة من التساؤل عندما تحالف سريعاً مع الإخوان المسلمين، ومضى معهم دون مغزى أو حتى مكسب سياسي واضح في مسار الانتخابات البرلمانية أولاً، وترشح على قائمة التحالف الانتخابي الذي شكلوه، فارق كبير بين هذه الصورة الشاحبة، وبين صورة حمدين صباحي المرشح الرئاسي الذي دعمه قطاع مهم من جماهير الثورة، واعتبروه حصاناً أسود في السباق يحمل مطالب ثورية ويتقدم ببرنامج لإصلاح النظام السياسي من خلال التمكين الديموقراطي والنقابي، ويمكن أن يشكل بديلاً أكثر حيوية وأقل تعالياً من مرشح تنظيم قوي يتسم بالجمود قد يقيد أحلام الشعب بقوة هذا التنظيم ويفرض مصالح مجموعة خاصة لمجرد أنها أكثر تنظيماً.

فرق بين الناشط الحقوقي خالد علي وبين المرشح الرئاسي اليساري الذي حمل برنامجاً جذرياً للتغيير الإداري لهيكل الدولة وهيكل اقتصادها، وأصبح سياسياً تحت الضوء يمكنه أخذ المبادرات وإعلان المواقف لا تقديم العرائض للنظر من هيئة القضاة. فرق بين المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين عبدالمنعم أبوالفتوح الذي توضع على فمه الكلمات وعليه أن يحسن التعبير عنها، أو يقولها ويمضي، وبين القائد السياسي الصاعد الذي يلتف حوله مزيج من الشباب ثوري وليبرالي ومتدين؛ وعليه أن يستمع لهذا النبض الجديد فينطق بما يعبر عنه، لا ما يسكِّن هواجسه بأسبرين أنصاف الحلول.

الفرق بين الصورتين هو قبول السياسي بلعب دور المتحدث باسم الجماهير، ودور المترجم السياسي لتطلعاتها ومواقفها، أي تمثيلها سياسياً، وبين مساره المهني في عالم السياسة والذي يقدم فيه أسلوبه وأطروحاته وقدراته وأيضاً رؤيته الشخصية.

 
 
وقد لوحظ تراجع أداء السياسيين عن مستوى الوعي والتطلعات التي حركت الجماهير في أزمة الدستور الذي فرضه الرئيس محمد مرسي بواسطة سوء استغلاله لسلطة التشريع الموضوعة في عهدته بشكل مؤقت واستثنائي، ففرض دستوراً أنتجه فقط تيار اليمين الديني من بين تيارات الإسلام السياسي. كانت الجماهير أسبق في هذه الأزمة من السياسيين الذين تحدثوا باسم المعارضة، ليس فقط في الخطوات ومستوى المبادرة، بل في الوعي بجوهر الأزمة، ودرجة الاحتشاد المطلوبة لها، ونوعية القرار السياسي المعبر عنها، ودرجة الاشتباك في صراع سياسي يمثل هذه الجماهير.

هذا الفارق موضع كلمة لي -ولغيري حسبما أعتقد- مع سياسيينا، أظن أن هذه الكلمة تمثل جزءً من موقف قطاع من الجماهير مع "أزمة الدستور السياسية"، وهي أزمة باقية بقاء الوثيقة وباستمرار الإجراءات السياسية التي ترتبت على الإعلان الدستوري الذي أساء فيه مرسي استخدام سلطة التشريع:

سؤال للمعارضة: ما هي دولتنا؟

لم يقصر الإسلاميون في عرض وتطبيق رؤيتهم للدولة، من المراوغة في واجبات الديموقراطية التي تحتم على الفائز التزامات سياسية تجاه الخاسر كونه قبل بالنتجية، مروراً بأكاذيب مشروع النهضة، وقفزهم فوق سلطة القضاء، وصولاً لكل أساليب الإقصاء والديكتاتورية.

 لم يقصر الإسلاميون في خيانة حلفاء الثورة (الذين أشعلوا الثورة في الأصل) أو الاعتداء عليهم من أجل احتكار السلطة.  تكلموا عن زواج القاصرات وكانوا متسقين مع أبناء الريف الذين منحوهم الأغلبية؛ ومعظمنا يعلم أن الزواج المبكر ممارس في الريف المصري، ويتم توثيق الزواج بعد بلوغ السن القانوني، فكان سياسيوا الإسلاميين متسقين مع أنفسهم، ومبادرين بقوة لتطبيق ما يرونه، وما كلفه بهم ناخبوهم. رأت نخبة الإسلام السياسي أن أعداءهم هم من ينافسونهم على السلطة وليس من كانوا يضحكون على الناس ويسمونهم الغرب الكافر، فسعوا للسلطة بكل السبل ومنها ممالأة أميركا وإسرائيل، صحيح أنهم لم يفضحوا أنفسهم، لكنهم أيضا لم يبالغوا في التستر أو التقنع.

أراد الإسلاميون إغلاق باب الاجتهاد بنص دستوري، وفعلوا، أرادو استخدام الأزهر كأداة للهيمنة على التشريع، ويفعلون.

 

 ولكن ماذا عنا نحن؟ ماذا عن دولتنا؟ كيف نراها؟ ما هو اقتصادها؟ ما هي سياستها؟ كيف نتصور أنظمتها؟ ما الذي غاب ن وثيقة الدستور فغاب عنها التوافق؟

إن صيغة "نعرف ما لا نريد" لا تكفي إلا لصنع معارضة يكون دورها نقد طريقة الحكم والإدارة، ولكي تصل قوى المعارضة إلى الحكم لابد من تمثيل سياسي لمصالح قوى اجتماعية؟ أليس غريباً أن تقف نسبة كبرى من النساء في خانة معارضة حكم الإخوان وحلفائهم السلفيين، ولا يوجد برنامج سياسي واضح لتمثيل مطالب المرأة المعارضة؟ أليس غريباً انكم لم تقدموا للرأي العام مجموعة من النساء يلعبن دور القيادة السياسية لحركة نسوية؟ ما هي قوانين وأنظمة تمكين المرأة التي يمكن أن تضمن انحيازها لنا وتحولها لـ "داعية" لبرنامج المعارضة ووسيلة تمكين لهذه المعارضة حتى تصل إلى الحكم؟ إنني أخص المرأة تحديداً ببرامج كونها غير قابلة لسرقة من قبل المجموعة الحاكمة حالياً، لكن المطلوب أيضاً مبادرات وأطروحات سياسية  أخرى تمثل قطاعات مختلفة؛ من الريف للمدينة للعاملين في الخارج، أطروحات يمكنها أن تنسب لفكرة الدولة المدنية، والتحديث، ولا يمكن للإسلامين سرقتها وادعاء أنها لهم. إنها اطروحات تمثل الخريطة السياسية التي تأكد انحياز قطاع عريض منها للتحديث ولمعارضة التوجه الرجعي

 

إن طريقة معارضتكم للدستور، وللإجراءات التعسفية لفرضه، فرضت طرحاً دبلوماسياً معيناً للأطراف الخارجية التي أرادت اقتراح حل، وهو صيغة "الحوار المجتمعي"، لكن رحلة إسقاط هذا الدستور تتطلب معالجة أخرى، تتطلب مبادرات سياسية تشعر شرائح المعارضين بأن هناك من يمثلهم، وأن هناك من السياسات ما هو غائب عن الدستور وعن الجماعة الحاكمة/، وليست في قدرة التركيبة الحاكمة حالياً ذات التوجه اليميني المتطرف طرحها أو تبنيها، مما يدفع هذه الشرائح وغيرها لتأكيد انحيازاتها السياسية، والتمسك بها.

 

 ألم نقصر في مخاطبة الناس بما لدينا مكتفين بلعب دور المعارضة النقدي؟ ألا يشبه وضعنا الآن ما كنا نعيبه على الإسلاميين خلال العقدين الماضيين عندما كنا نطالبهم بتقديم برنامج سياسي لما يتصورون أنه "منهج أو أسلوب إسلامي" للحكم؟

 

إن صيغة التردد في طرح مبادرات قوية تعكس التوجه المدني التحديثي تضعكم وراء الجماهير بخطوات، ليس مطلوباً من أحد منكم أن يتاجر بمظاهر التدين، كما يفعل حمدين صباحي في بعض المواقع، إن هذا بالتحديد هو ما نعارضه، وما نأخذه على خصومنا السياسيين، ولن يكون الحل في تلمس رضاء بعض الجمهور الذي يتعلق بمظاهر التدين، العكس هو الصحيح، إن رسالة السياسي الذي يمثل القطاع الثوري والمدني هي رفض استغلال الدين ومظاهر التدين، وما يفعله حمدين من الإمساك بمسبحة والحديث عن التعلق بممارسة شعائر دينية معينة ليس إلا تقليداً فاشلا لتيار موجود بالفعل ولا حاجة للبحث عن استنساخات له، لماذا يذهب شاب إلى النسخة مادام الأصل متوفراً.

ليس مطلوبا من صباحي الإمساك بمسبحة، لكن مطلوب منه أن يرد وبقوة على السلفي "برهامي" الذي كشف عن تكتيكات إدخاله نص إغلاق باب الاجتهاد إلى الدستور، واستخدام صلاحيات منصب شيخ الأزهر لتمريره، ونيته لعزل شيخ الأزهر لاحقاً. ما هو دور الأزهر في رؤية دولتنا؟ كيف نضمن حياديته أو تأييده للتحديث وعدم عرقلته؟ هذه الأسئلة مطلوب من سياسيينا الإجابة عليها، مطلوب الاشتباك لا التمظهر.

 

يتطلب التمثيل السياسي للجماهير المنحازة للثورة، أو الرافضة لغلبة فصيل واحد يميني ومتطرف التوجه، يتطلب ذلك تمثيل مصالح هؤلاء الناس. يعرف حمدين صباحي أن اكثر الدوائر التي منحته أصواتها في القاهرة مثلا كانت منطقة حلوان والمعصرة، حيث توجد كثافة عمالية تعيش بالقرب من المصانع، هؤلاء الناس يفترضون أن السياسي الذي اختاروه منهم وأنه يعبر بالسياسة وبالمبادرات عما لا يستطيعه واحد أو مجموعة منهم التعبير عنه.

 

إن المعارضة المنتظرة من خالد علي مثلاً لا تكون فقط برفع دعوى قضائية تطعن في إجراءات الاستفتاء وعدم نشر نسخ الدستور المستفتى عليه، وإنما التوجه للمحكمة الدستورية للطعن في سوء استغلال الرئيس للسلطة التشريعية التي انتزعتها ذات المحكمة من البرلمان، وعهد إليها بشكل مؤقت للقائم بأعمال الرئاسة، ثم انتقلت للرئيس بعد انتخابه. إنها دعوى قضائية لا ننتظر منه نجاحاً أو فشلاً فيها، بل مجرد محاولة تفعيلها وتفعيل الدعم السياسي لها بواسطته كقانوني محترف يعمل بالسياسة؛ خاصة أن أحاديثك يا خالد طوال الأزمة كانت في صميمها، ولم يبق إلا الترجمة السياسية القانونية.

 

لقد لوحظ استسهال بعض المتحدثين باسم المعارضة لإنهاء أزمة الدستور والانتقال للانتخابات التشريعية، مكتفين بما أحدثه الصراع من خدوش وجروح في مصداقية سلطة مرسي والإخوان، لكن ذلك تقدير مخالف لمعطيات الواقع، فأخطاء مرسي والإخوان في طريقة الإعداد للأزمة وإدارتها هي المسئولة بالأساس عن تلك الإصابات، بينما ظل أداء سياسيي المعارضة  باهتا ومتراجعا بخطوات عن موضع اندفاع الجماهير صوب المعارضة. لقد كانت تلك اللحظة الأنسب لطرع قيادات نسائية من خلال مطالب نسوية معينة تلتف حولها تلك جموع النساء سواء التي شاركت في مسيرات الاتحادية أو في الاحتشاد أمام لجان الاقتراع في مناطق عديدة في الجولة الأولى.

 

أداء البرادعي برفض الإعلان الدستوري ورفض مبادرة السفيرة الأمريكية لقائه كان متسقاً مع من يمثلهم، لكن تشكيل تحالف سياسي يضم عمرو موسى والسيد البدوي يتطلب استدارات سياسية منهما دون أن يطلب ذلك من الآخرين، فمن المعلوم أنه لو عرض مرسي على عمرو موسى الوزارة لقبل موسى مقدماً للرئيس طوق نجاة للخروج من عزلته السياسية عن بقية القوى،ونفس درجة الاستدارة والتأكيد على المطالب الثورية مطلوبة من عبدالمنعم أبو الفتوح الذي تخلى عنه جزء من الإسلاميين المنتمين لحزبه، ولم يعد معه سوى أصحاب النزعة الليبرالية بين أعضاء الحزب.

 

لقد كان خروج السياسيين يداً بيد، وكتفاً بكتف، في مسيرات يوم الجمعة 27 نوفمبر نقطة تحول، فهي أول مسيرة من نوعها يشارك فيها السياسيون الجماهير، ومن الضرورة ترجمة تطلعات الناس إلى مبادرات وأطروحات سياسية تعبر عن درجة ونوع معارضتهم، فهذا ما سيجعل الناس تستبدل بالحكم الحالي الذي يبدو تائها قيادة واعية تعرف مساراً لتغيير الأحوال.
 
من المشاركة النسائية في مليونية 27 نوفمبر ضد الإعلان الدستوري