Monday, October 24, 2011

"والله الموفق".. عن رسائل المجلس العسكري

الصورة من اعتصام 8 يوليو 2011 الذي استمر عدة أسابيع مطالبا بجولة أخرى من التطهير وببدء المحاكمات الحقيقية وبثها لعامة الناس وكان من ثماره تغيير عدة وزراء ، لكنه شهد نقلة نوعية في الصدام مع الحكم العسكري الذي انتقل إلى العمل صراحة ضد القوى الثورية وإفساد تحركاتها في الشارع سواء في أحداث العباسية وما تلاها من عنف ضد الألتراس أو الأقباط أو أي محاولة للضغط باستخدام حشود جماهيرية في الشارع

نشر المقال في موةقع الحوار المتمدن يوم 29 سبتمبر 2001
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=276405


لا يقل استخدام هذا التعبير جمالاً من قبل اللاعبين السياسيين في حلبة الثورة المصرية عن مجموعة مميزة من التعبيرات السياسية مثل "الراجل اللي ورا ..." أو "احنا آسفين يا ...". بل لعله في طريقه الآن لتصدر المشهد بعدما سقطت كثير من الستائر والحجب والأقنعة التي تلاعب بها تعبير "الراجل اللي ورا..."، وأصبح عهد مبارك وفضائحه في خلفية المشهد متراجعاً لصالح التساؤلات عن المستقبل.

 هنا يعني "الله الموفق" الذي ذيل المجلس العسكري به رسائله إلى الشعب المصري: ختم السلطة، والإجبار، وفرض الأمر الواقع ، رغم ما كان يهدف إليه عند بداية تولي المجلس السلطة من مزج معنيين يعكس تكاملهما نوع السلطة وشخصيتها، هما: إسباغ شرعية عليا والاعتراف الرقيق بالتواضع وإمكانية التقصير في آن واحد نظراً لأن المجلس كان يمثل تطلعات شعبية عريضة. كان المعنى في البداية حميمياً أيضاً لايغيب عنه لمسة التواصل مع التعابير اليومية.

 الآن بلغت رسائل السلطة الحاكمة في مصر (عدد 74 رسالة) وبلغت السلطة نفسها حافة المدى الزمني الذي منحته لنفسها كي تبدأ في التحول، والدخول في أطوار من النمو والتعقد تسمح بالمشاركة والرقابة واستيعاب القوى السياسية التي يفرزها الشعب كله عبر صناديق الاقتراع؛ تضمن الإعلان الدستوري الذي شرعن لهذه السلطة المؤقتة خريطة طريق لتحولاتها من خلال إجراءات إنتخابية يبدأ تنفيذها في موعد لا يتجاوز 30 سبتمبر. تشمل هذه الإجراءات القوانين المنظمة للانتخابات مثلما تتضمن تهيئة الأجواء بما يسمح بتنظيم قواعد التنافس وضمان أمن العملية الانتخابية وأمانها أو حياديتها من تأثيرات هذا الأمن، وشفافية مراقبتها.

هنا يهتز تعبير "الله الموفق" من الداخل، ترتج أحاسيس الثقة الكامنة فيه بصفاء النية قليلاً إن صح القول، لأن غموض الحياة السياسية خاصة ما يتعلق بمستوى الثقة في انسحاب الجيش من الحياة السياسية، واكتفائه بنصيبه كأعلى وأهم مؤسسات الأمن ليس واضحاً، وللأسف تعزِّز ضبابية الوضع الأمني من التساؤل ليس عن دور الجيش فقط بل عن قدرة فلول النظام على العودة ولو بدرجات متفاوتة إلى نوع من الحصانة البرلمانية ولعب الدور عبر صناديق الانتخابات في كتابة الدستور وإعادة بناء النظام السياسي. هنا تساؤل تفصيلي عن إمكانية تفعيل "قانون الغدر" بما يمنع من أفسدوا الحياة السياسية في الماضي من مشاركتهم في تأسيس المستقبل على الأقل، لكنه تساؤل في العمق عن الوسيلة السياسية التي ستطل منها المؤسسة العسكرية على الحياة السياسية، حيث تأكد من خلال نفس المرحلة الانتقالية، وخطابات النوايا الغامضة للمجس العسكري رغبتهم في المشاركة وعدم الانسحاب الكلي، وهذا المعنى الذي انتهى إليه التعبير "خطابات النوايا الغامضة" هو أحد أهم الدلالات التي انتهت إليها مقولة "والله الموفق".

 ولكن كيف سيبقون وبأي درجة؟ ومن الذي سيبقى هل هو المشير طنطاوي؟ أو الفريق سامي عنان؟ هل سيعتمدون على الفلول أم على قوى سياسية أخرى سواء من معارضة ما قبل الثورة، أو مممن تشكل بعدها؟ وهل يمكن أن يبقوا ويظلون على الحياد من الحياة السياسية وتياراتها؟

سيخذلنا البحث في الرسائل الأربعة وسبعين التي وجهها المجلس العسكري لأبناء شعب مصر، ليبقى السؤال: ماذا تعني مقولة "الله الموفق" اليوم إن قالها المجلس العسكري؟

يتبارى بعض الشباب من الناشطين على الفيسبوك وتويتر في محاكاة استخدام هذا التعبير من خلال صور جرافيتي تستوحي التصميم النمطي لرسائل المجلس العسكري ولكن في سياق ساخر، يعني الانقلاب على المعنى النبيل الذي تم تأويله في بداية هذه الرسائل، وهو التواصل والبوح ووضع المتلقين (أبناء شعب مصر) في حالة دراية واطلاع. أصبح المعنى - الذي تحاول كشف دلالاته هذه الصور أو التدوينات التي تحاكيه- يدور في فلك التستر على فراغات في المعلومات، واختزال للمعنى يعيد صيغة الإعلام الأبوي التوجيهي، واسوأ من ذلك بات المعنى دلالة على التكرار والسأم في بعض استخدامات المحاكاة، أو فرض الأمر الواقع (الجبر) واستخدام السلطة العليا (المعززة بشرعية إيمانية) لإخضاع أو إخماد من يرفض أو يجادل مضمون الرسالة.

كانت فكرة إنشاء المجلس العسكري صفحة على الفيسبوك رائعة، نقلة كبيرة بحق مقارنة بإعلام صفوت الشريف وأنس الفقي المخصي من أي خصوبة معلوماتية أو حيوية في وسائل الاتصال بالجماهير، فإذا بالسلطة (الانتقالية) الجديدة تبدو شابة ورشيقة، تصل مباشرة إلى الشباب المهووس بالتواصل بالرسائل والإنترنت كمعظم مجايليه في العالم، وقد استطاعت إدارة التوجيه المعنوي أن تنافس أحد الماكينات الإعلامية الكبرى الخاصة بالثورة، صفحة "كلنا خالد سعيد" التي قفز متابعوها من حوالي مليون شخص إلى مليون ونصف بعد سقوط مبارك، فإذا بصفحة المجلس العسكري تنافس هذا العدد في أسابيع قليلة، حيث يبلغ عدد متابعيها عند كتابة هذه السطور أقل قليلاً من مليون نصف (1,446,664)، بينما وصل عدد متابعي صفحة "كلنا خالد سعيد" إلى (1,651,787).

قراءة رسائل المجلس الأخيرة، أو تصفحها، تعكس نوعاً من ضيق الصدر لدى مرسلها، بلغ حد اتهام أحد الحركات الثورية الرئيسية (6 إبريل) بالسعي لعمل فتنة بين الجيش والشعب (22 يوليو) وهو ما يمثل نقلة نوعية في خطابات المجلس التي كانت تحذر من فتن يسعى إليها من يسعى دون تسمية، متجنبة إعلان خصومة سياسية مع تيار سياسي بعينه. أيضاً انتقلت نبرة الوعود والعزم على تحقيق ما يتمناه الشعب، ونغمة التوافق وتلبية مطالب وتطلعات فئات المجتمع إلى نبرة أخرى تدافع عن نفسها من موقع واضح ذي سمات مغايرة عن الشعب، حتى وإن أكدت في بعض البيانات على أن "القوات المسلحة من الشعب" لكنها الآن منذ شهر مايو 2011، وبعد أن تجاوز عدد الرسائل الأربعين، أصبحت نبرة متموقعة في خانة معينة منفصلة، وتدافع عن شرعية استخدامها للقوة والحزم بل والمحاكمات العسكرية من أجل ضبط الانفلات الأمني، دون أن تهتم بالتأكيد على أنها تمثل الجميع، فهي على استعداد لتسمية من تعتبرهم خصومها.

ينتقص هذا التقلص في  حجم من تدعي هذه الخطابات تمثيله، وبالتالي يتم الخصم مما يحمله تذييل الخطاب بعبارة "والله الموفق" من التماس البركة في التنفيذ وسداد الخطوة من الله سبحانه وتعالى، يتم الخصم من هذه الشمولية، فينتقل استخدام العبارة إلى خانة أخرى سجالية غير التوافقية التي بدأ بها، لكن ذلك ليس المصدر الوحيد للمفارقة، هناك مصدران آخران، أولهما فراغ مضمون الرسائل من المعاني والأهداف الكبيرة التي تواكب أو تعكس أوتبين إجراءات هذه السلطة الانتقالية لتحقيق التطلعات الشعبية الكبرى، ستجد رسائل من حجم توصية المجلس للسفارة المصرية ببرلين لاتخاذ تدابير تليق بعلاج أحد مصابي الثورة في ألمانيا (مصعب الشاعر- أتم الله شفاءه) لكنك لا تجد رسالة تخبرنا ولو بشكل عام عن تقييم المجلس لدرجة المستوى الأمني والإجراءات المتبقية لضمان عودته لمستوى مقبول، أو توفره "المؤقت" خلال الانتخابات، رغم أهمية وشعبية هذا المطلب!

سيغيب صوت المجلس العسكري تماماً لدرجة مقلقة فيما يتعلق بأحداث الحدود مع إسرائيل، أو تداعياتها عند السفارة في القاهرة، سواء بإنزال العلم، أو اقتحامها، غياب نكاد نشعر معه أن الله سبحانه وتعالى "لم يوفق" المجلس إلى خطوات سديدة!

 إن غياب رد الفعل وبالتالي التماس التوفيق لهذا الرد يمثل عجزاً سياسياً وأمنياً ليس في أداء المؤسسة العسكرية فقط، بل في قدرتها على القيام بدور القائد السياسي لسلطة إنتقالية، كان بإمكانها أن تستدعي ممثلين للقوى السياسية (اجتمع معهم الفريق عنان مؤخراً لاستجلاء مواقفهم من الانتخابات فقط) وإطلاع هذه القوى السياسية على "خطورة الموقف وعدم ضرورة التصعيد"، أو أي شيء (رطانة) من هذا القبيل يعطي شرعية للصمت، لأن الصمت دون شرعية أكثر من عجز، شيء يلامس الهزيمة، ولذا كان رد الفعل الشعبي غير قادر على سماع التسريبات التي قالت أن المجلس رد دبلوماسياً على أمريكا وإسرائيل بأنه لا يستطيع الوقوف أمام الاحتجاجات الشعبية واستفزازها، لكنه سيعمل على تأمين البعثة الدبوماسية الإسرائيلية.

كان صمت المجلس عن التعبير، وتذييل تعبيره بالعبارة الشهيرة المنتظرة ليس مجرد عدم التماس للتوفيق من الله، كان اعترافاً لا لبس فيه بغياب التوفيق فعلياً.

بين فرحة الإحساس بالثقة نتيجة التواصل أخيراً مع السلطة المصرية، بعد هجر وجحود كبير من سلطة نظام مبارك، ليس معروفاً مدى الرغبة أو قبول استمرار هذه السلطة لفترة أطول، وبالتالي مواصلة تلقي رسائل منها ، لكن المؤكد أن رسائلها فقدت قدرتها على تمثيل أغلبية شعبية، كما أنها باتت مقصورة على تبرير أمور أو نفي اتهامات، حتى أن العبارة الشهيرة "والله الموفق" باتت تحمل معاني أكثر كثيراً عندما تستخدم في سياق محاكاة وتقليد، مما تعنيه عندما تستخدم في سياقها الذي ولدت فيه كخاتمة تذيل رسائل المجلس، لقد انفصلت قيمة العبارة عن قائلها، غادرته، ولاذ هو بالصمت فلم يصدر الرسائل في وقتها، ليس فقط في موضوع السفارة، ولكن حتى كتعليق ومتابعة لاجتماع الفريق عنان مع ممثلي القوى السياسية (تم أول أمس). لقد انتهت رحلة أومرحلة من التواصل، ستحتاج إلى إعادة تأسيس إذا ما أراد المجلس استعادة تفعيل هذه الوسيلة، وهو تأسيس لدور جديد في السلطة قبل أن يكون تاسيساً لنمط جديد من المراسلات، فهذا النمط من الرسائل سيظل مجروحاً بالطريقة الصامتة التي غاب بها صوت رسائل المجلس. لقد صمت فانتهى. "والله الموفق".

أحمد غريب

إضافة من الكاتب:
أصدر المجلس العسكري رسالتين بعد نشر المقال الأولى الرسالة رقم 75 يحمل فيها مسئولية القوى المنظمة لفعاليات الجمعة 30 سبتمبر مسئولية أي عنف أو اضرار ويعتبر أي مساس بوحدات الجيش مساسا بالأمن القومي يستوجب ردا مكافئا
وبذلك أصبح طرفا في العملية السياسة، وقادت أحداث ماسبيرو بعد ذلك إلى صدام مع الأقباط تضررت فيها مصداقية المجلس حتى لدى حلفائه
الرسالة رقم 76 كانت تهنئة بيوم السادس من أكتوبر، لكنه لم يصدر رسالة خاصة بأحداث ماسبيرو بل عقد مؤتمرا صحفيا حيث تراجعت قيمة وفاعلية رسائله لدى جمهور الإنترنت منذ أن أصبح طرفا في مواجهات وخصومات سياسية، وأصبح تركيزه منصبا على جمهور التلفزيون

No comments:

Post a Comment