Sunday, August 25, 2013

الشرعية الدينية والغاز الطبيعي.. قطر وسوريا والإخوان

 
قطر هي ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي بعد روسيا، وصراعها الشرس ضد المنتج الأول لهذا الغاز بلغ من الدموية حداً فاق المأساوية كما نراه في سوريا.
تسعى قطر إلى مد أنبوب الغاز الطبيعي عبر أراضي السعودية والأردن ثم سوريا فتركيا، ليصل إنتاجها لأوروبا، فيحرر هذه القارة من تحكم الدب الروسي في واحد من أهم مصادر الطاقة التي يعتمد عليها غرب أوروبا في التدفئة.
نظام بشار الأسد هو المحبس الذي يمنع هذا التحول الكبير في الميزان الاستراتيجي بين روسيا وأوروبا. والإسلام السياسي تحت هيمنة الإخوان المسلمين وتنظيمهم الدولي هو السلاح الذي تضرب به قطر لتفتح الطريق أمام أنبوبها السحري.
تركيا تتخذ من نفس الأنبوب وسيلة لتحقيق حلمها عملياً هذه المرة بالانضمام الرسمي للنادي الأوروبي، الذي يبدو مستعداً للتخلي عن استعلائه على الأتراك مقابل تحريره من قبضة الروس على مصادر الدفء.
لكن الشرعية الدينية التي اعتمد عليها الإخوان في زحفهم نحو السلطة في البلدان التي شهدت، ولاتزال تشهد، تغيرات في بنيتها الإقتصادية والاجتماعية والسياسية أثارت قلقاً لدى دول الخليج البترولية الأخرى.
تعاونت هذه الدول من قبل مع الإخوان ككيان سياسي معارض، واستخدمته أو توافقت معه في محطات سابقة، لكنها توترت منذ منافسته لشرعيتها بهذه الوسيلة.
تعتمد أنظمة دول الخليج على توليفة محافظة، ترتكز على صيغة الإسلام السني التي تتحالف فيها المؤسسة الدينية مع النظام الحاكم وتمنح حكمه شرعية دينية مادام يحكم بأسلوب محافظ يتمسك بمجموعة من القيم والقوانين التي تكرس سيطرة عائلات معينة وأسلوب معيشة تقليدي وهيمنة ذكورية على مفاتيح الحياة، وفوق ذلك يضمن النظام الحاكم بقاء المرجعة الدينية كإطار فوق دستوري للمجتمع كله.
وصول الإخوان إلى السلطة، ووجودهم المؤثر في دول الخليج على مدى عقود بدءاً من أواخر خمسينات القرن العشرين كان جرس إنذار للأنظمة الخليجية بإمكانية سحب بساط الشرعية الدينية بتوليفتها القائمة من تحت أقدام أنظمتهم، ووجود فرصة لمنح شعوبهم نفس المضمون المحافظ لكن ضمن توليفة سياسية أخرى لا تعتمد على تحالف رجال الدين ورجال السياسة، وإنما قيام رجال التنظيم الإخواني بلعب الدورين معاً الدين والسياسة
.

صورة من فيديو بثته الجزيرة لشخص مصاب من الإخوان وعندما تم كشف بطنه تحت بقعة الدم تبين زيف ادعائه وأنه غير مصاب



تمكنت مساعي الإمارات والسعودية من الإسهام في فرملة الاندفاع القطري نحو تعميم نموذج وصول الإخوان إلى الحكم في بلدان التغيير العربي، لكنها لا تقف ضد طموح قطر، خاصة السعودية، التي سينوبها من مرور الأنبوب القطري في أراضيها نصيباً من لعبة الثقل الاستراتيجي الجديد عندما تحصل أوروبا على احتياجاتها من الغاز عبر هذا الأنبوب.
من جانبها لا تشعر قطر بتهديد كبير من فكرة الشرعية الدينية على الحكم، فالصعود الاستراتيجي والاستقواء بالغرب وتخفيف وطأة الروس وتقليص نفوذ غازهم الطبيعي كفيل بحماية النظام القطري في وجه أية عواصف، خاصة أن الشعب القطري نفسه خارج المعادلة، ولا يوجد غير تنافسات الأجنحة داخل العائلة المالكة، ولا يمكن لهذه التنافسات أن تكتسب أهمية دونما دعم الغرب.
في هذه المعركة لا يوجد شيء نبيل بالمرة.
كان بإمكان الروس ألا يوفروا غطاء بلا حدود لدموية بشار، وأن يستبدلوه فيحل شخص من داخل النظام محله ويمتص قدراً من الغضب الجماهيري، لكنهم ألقوا كل ثقلهم على سحق المعارضة بأشكالها المختلفة سواء من العزّل أو من المسلحين.
كان بإمكان الإخوان الاستمرار في تحالفاتهم التي بدأوا بها الثورة في مصر والتي كانت تجمههم بالليبرالين والناصرين وإئتلافات يسارية تحت مسمّى الجبهة الوطنية للتغيير، لكنهم اختاروا الانقلاب على هؤلاء، والرهان على من يساندونهم في القتال لحساب قطر والغرب في معركة سوريا: اختاروا التحالف مع أسوأ منتجات الإسلام السياسي ممثلة في الإرهاب والتكفير.
كان بإمكان قطر الرهان على دعم حركات معارضة مستنيرة، لكن هيهات.
الكل اختار التطرف، أو لم يكن يملك القدرة على تطوير أطماعه لتستوعب فكرة وجود شعب، وحركة جماهير، وأحلام الناس.
بعض الموالين لأميركا يقولون إن الظل المصري على ما تبقى من الثورة السورية ضار، يقصدون ظل عاصفة 30 يونيو التي أطاح الشعب فيها بقبضة الإخوان المسمومة عن التحكم في مصر وعن اختزال ميزانها الاستراتيجي في مجرد عصابات إرهابية. الظل السوري، المصبوغ بلون الإرهاب له أثره أيضاً على عاصفة 30 يونيو، لقد شجع الإسلاميين المصريين على الغرور والعجرفة، لا شك.
تستبعد هذه الصراعات والطعنات الدولية والإقليمية الإنسان؛ ذلك الوافد الجديد على الساحة السياسية بعد عقود من الصمت. لقد خرج بحثاً عن كرامته، وحريته، وعدالة اجتماعية تدعمه في مواجهة الاستهانة باحتياجاته الأساسية في الحياة.
أميركا دعمت تقديم صندوق انتخابات لهذا الإنسان، ليظل بعدها حيراناً يدور في ساقية الانتخابات يلتقط الفتات من سياسيين سرعان ما سال لعابهم على لعبة التحالفات الدولية.
وقطر حولته إلى وكيل لحروبها من أجل المال والنفوذ.
والإخوان، أسوأ ما حدث لنا في العصر الحديث، تاجروا بأحلام الناس من أجل أوهام تمكين التنظيم الدولي، والارتماء في أحضان الأميركيين وتحت مظلة الغرب.


Thursday, August 1, 2013

في فضائل عصر الليمون



لم أكن ضمن هذه الفرقة، وإن أعجبني التعبير وقتها، لكن -أعتقد- أن هذا التوجه هو ما منع مصر من الانزلاق إلى ما يعرف بسيناريو الجزائر.
لم يعترف النظام الحاكم في الجزائر بنتائج الانتخابات التي فاز فيها الإسلاميون، واستخدم الجيش والشرطة لقمع المحتجين على إلغاء نتائج الانتخابات. وقد منح ذلك شرعية كبرى وقتها ليس فقط للعنف، وإنما لتعاطف كل شخص غير راض عن أداء الحكومة والنظام السياسي مع خصومهم، وقد احتاج الأمر إلى دورة طويلة من العنف والدم لنزع هذا التعاطف والوصول إلى نقطة توازن اجتماعي.


من المعروف أن الإسلاميين كانوا سيفوزون في أي انتخابات في العالم العربي نتيجة عدم الرضا عن الأنظمة الوريثة لحقبة ما بعد الاستعمار. مستويات الثقة كانت شبه معدومة في هذه الأنظمة بمختلف أشكالها ومسمياتها في المنطقة.

 وقد سجل تيار الإسلام السياسي في مصر نتائج كبيرة في الاقتراعات التي تمت بعد ثورة 25 يناير كما هو متوقع، وارتكب المجلس العسكري بقيادة طنطاوي جريمة بتسهيله الذهاب إلى صناديق الاقتراع ليجيب الناخبون عن أسئلة أراد الإخوان المسلمين أن تكون موضوع الاقتراع، وهو ما كان يعرف بتوجه "الانتخابات البرلمانية أولا"؛ تم ذلك في ظل عدم وجود خبرة حزبية للقوى السياسية التي صنعت الثورة وقدمت التضحيات من أجلها، وغيرت الواقع السياسي برمته، وبدون وجود وثيقة حقوقية تمثل ضمانات لمبادئ ومعايير لا يمكن المساس بها.
وصول تيار الإسلام السياسي للسلطة كان حتمياً في الدول الرئيسية في المنطقة، خاصة مع النجاح الاقتصادي لتجربة أردوغان في تركيا وتردي أوضاع التنمية في هذه الدول. المشكلة كانت في كيفية وصوله إلى السلطة بطريقة لا تغلق باب التجربة الديموقراطية، ولا تسمح بتغول هذا التيار وتمكين أطماعه، ولا تفتح باب الاحتجاج على وصوله بشكل يدخل البلد في دوامة من العنف على الطريقة الجزائرية.
لم يكن هناك ضمانات، ولم يستطع مجلس طنطاوي أن يكون أهلا للثقة التي وضعها فيه غالبية المجتمع للإشراف على العملية الانتقالية، وكان أردأ ما فعله هو استحواذه على السلطة التشريعية بعد سقوط البرلمان بدلا من ترحيلها للمحكمة الدستورية، ومفاوضته على تسليم هذه السلطة لمحمد مرسي مقابل خروج آمن لطنطاوي وزمرته الذين كانوا موضع استياء جماهيري كبير
 

عصر الليمون كتوجه لدى قطاع من الناس، ومعه صيغة مشابهه تعرف باسم "حزب التيار المحتار" أتاحا إجهاض فكرة المظلومية التي يبني عليها تيار الإسلام السياسي أسطورته منذ صدامه مع دولة الاستقلال في الخمسينات والستينات. لقد منح التأييد على مضض ثم العودة لسحب هذا التأييد والتمرد على احتكار الإسلاميين للسلطة مساحة أمان اجتماعي تعزل خطاب المظلومية عن أي جمهور خارج دائرة المنتمين أيديولوجيا لتيار الإسلام السياسي.

 لا أقول ذلك دفاعاً أو هجوماً؛ وإنما كمحاولة استيعاب تجربة تاريخية بمعنى الكلمة. أعتقد أن فهم رحلة تحولات عاصري الليمون والتيار المحتار بوابة هامة لمعرفة الكثير عن الشخصية المصرية الآن.