Sunday, April 22, 2012

ويسألونك عن الأهرام!




منذ بضعة شهور- وكانت الارتدادات الإيجابية التي خلقتها الثورة لاتزال تتماوج- وجِّه لي ولغيري سؤال عن رأيي في جريدة "الأهرام" وما أريده منها في المستقبل القريب. لا أعلم مصير النقاش الذي أتوقع أن سؤالاً كهذا قد أثاره، لا أعلم إن كانت الإجابات قد عرفت النور بشكل أو بآخر. هذا رأيي مختصراً كما طُلب منِّي، ويهمني تسجيله:

قول الحقيقة هو غاية الإعلام، لكنه ليس غاية "الأهرام"، لم يكن الأمر كذلك أبداً.

هي ظل الدولة، أو على وجه الدقة القوى الغالبة في الدولة، في كل المجالات من الإقتصاد إلى السياسة إلى الأدب والفنون؛ حتى الوفيات. هل يمكن إذن أن تقتصر أهميتها وقيمتها في أرشيفها؟ كونها الأعرق والأكثر من حيث إمكانات الأرشفة وحفظ البيانات؟

نعم، لكنه يظل أرشيفاً للقوى الغالبة، لا تضيع فيه قيمة الهامش والبسطاء فقط، فثمة شك في أن الأرشيف نفسه مركب وفق نفس منطق الغلبة، أو أنه متواطئ على الهوامش، وهي عديدة.

ماذا أريد منها في المستقبل القريب؟

أن تبدأ بحملة جرد للأرشيف، لهذا العقل الباطن، بواسطة مزيج ممن هم خارجها وداخلها من الكتاب وذوي الرؤى لجرد تاريخ مصر كما سجلته "الأهرام" كظل للدولة. هنا ركلة البداية لتصحيح مسار المؤسسة صوب غاية الإعلام: قول الحقيقة. ومن هنا ستتعدل طبيعة الخدمة الإعلامية الآنية التي تقدمها.



أحمد غريب

Wednesday, April 11, 2012

أبوسماعيل.. رئيس تحت السلم





حازم أبوسماعيل هو اول شخص يعلن عن تطلعه للرئاسة – لحكم مصر- من خارج فئة الأفندية!

هو ليس ثورياً، وليس مرشح الثورة المضادة أيضاً؛ هو في الأغلب مرشح الثورة الموازية، إن جاز التعبير! هل تذكرون تعبير "الإقتصاد الموازي"، الذي يشمل كل صناعات التعبئة "تحت السلم" وكل الدورات الإقتصادية والتجارية الصغيرة التي تجري في نطاق غير رسمي، دون ترخيص، ودون سجل ضريبي، ودون معايير أو مواصفات تضمن الحد الأدنى من تحقيق المنتج للسمات. لم يكن الأمر تمرداً على الدولة بل يأس من قصور مؤسساتها وغرقها في فساد كبير.. أبوسماعيل هو رئيس تحت السلم!

"أبوسماعيل" تمثله صورة القاضي الشرعي في أي مسلسل تلفزيوني عن الحياة الريفية في زمن قديم، من هذه الصورة تنبت جذور صورته الذهنية الحالية لدى جمهوره. صورته ليست صورة الريفي الذي يقتحم المدينة ويحقق إنجازاً علمياً أو مكانة ويصبح مشهوراً كطه حسن أو العقاد، أو حتى متولي الشعراوي؛ وإن استفاد كثيراً من عاصفة الشعراوي التي أفرخت كثيراً من الدعاة يتحدثون ببساطة ويدغدغون وعي البسطاء بحديث سهل مرسل بالعامية نجح في تقريب المسافات المتباعدة بين ما نتكلمه هذه الأيام وبين لغة أصول التراث الديني.

هو من الوعاظ الذين يخاطبون الناس بعامية سلسة، ولايستخدمون مفردات أو تعابير تحتاج جهدا أو تحصيلاً علميا من اي درجة لفهمها، وإنما –ولنتحدث على طريقة الشعراوي- يزرعون البذرة التي يمكن للأرض أن تنبتها، ويكلمون الناس بالأمثلة، كما يضرب الله الأمثال، فتتوه التفاصيل ويبتعد الحديث عن منطلقه، ليجد السائل أو المستمع مبتغاه في الحالة،؛حالة الحديث التي تربط الموضوع بجذور مستقرة وتجارب سابقة. لا توجد أية مغامرة مع هذا النمط سوى مواصلة تسليمه مقاليد الأمور، وأخطرها مقاليد العقل الذي يغرق في النوم إن لم يجادل ما سبق ليتطلع إلى المستقبل.

هل يمكن تصنيف حازم كمنتج من منتجات الثورة؟

هل هناك مواصفات معينة أو سمات للمصري الذي يمثل قطاع "تحت السلم" كجماعة لها إقتصادها ووجهة نظرها في التعاطي مع الأمور خارج الأنظمة؟ والمقصود بهذا القطاع ليس من يعمل فيه، وإنما من يستهلك منتجاته أيضاً مسلماً بأحقيتها وسلامتها؟

هل هناك تعريف اجتماعي، ومن ثم سياسي، للقطاع النامي خارج المؤسسات وخارج قنوات النمو الطبيعية؟ هناك عشرات من "الدعاة" أو الوعاظ حسب تسميتهم الأصلية (راجع مقالنا عن "أنواع الشيوخ"1) الذين ظهروا من خارج مسارات المؤسسات الرسمية لتعليم وتأهيل الوعاظ، بل إن الجماعات الإسلامية كلها ليست إلا خروجاً على المؤسسة الرسمية؟ لكن ماذا عن الخروج على فكرة المؤسسية نفسها، تلك التي يعنيها "تحت السلم"؟



حازم أبوسماعيل مسألة ثقافية أكثر من كونه شخصية سياسية، وبشكل شخصي أعتقد من خلال مشاهداتي لأحاديث له ولغيره من رجالات القاعدة –على اليوتيوب- أعتقد أن صورته الشعبية نجحت في إخفاء هذا الارتباط. لقد نجحت حملة حازم في إبعاد نظرنا عن تلك الصلة الفكرية المبهمة بينه وبين "بن لادن" و"الظواهري". ما رأيناه من حازم أقنعة عديدة استطاعت أن تجمع أشتاتاً ممن لم يستوعبهم التيار الديني تنظيمياً، ربما لأنهم لا ينخرطون في عمل تنظيمي؛ حازم جمع ثمرة وحصاد عمل سنوات من قبل "الدعاة" التابعين لخلايا جماعات إسلامية متعددة، هؤلاء الدعاة لا يتكلمون عن تنظيم وإنما عن الحياة والنمط والعصر الذهبي الذي يسعون لاستعادته؛ مهمتهم تكوين أنصار ومؤيدين وليس أتباع أو تجنيد أعضاء إضافيين.


ولكن جدير بالذكر أن محاولة حازم هي الأولى من نوعها لمن كانوا يناهضون النظام من خلال العزلة في الجبال، لأن يصلوا إلى الحكم من خلال تعبئة الجماهير، لا مهاجمة السلطة بعمليات عنيفة!


حازم هو الشبكة التي لمت هؤلاء الأنصار المتفرقين، استطاع خطابه أن يتحول إلى حالة تعبئة تجسد الأحلام التي تغذت على سنوات من التهيئة الفكرية والنفسية، تعتمد على أفكار وحلول إقتصادية سريعة، مثل تلك التي توفرها شبكات العلاقات الإجتماعية المتحلقة حول المساجد، مشاريع صغيرة، مكاسب سريعة، "فاست فود" شعبي لا يقتصر على بيع الطعام كما يوحي تعبير "الأكلات السريعة"، وإنما الحلول السريعة التي تجمع توليفاً من خبرات أو تجارب سابقة جاهزة، ومضمون حدها الأدنى من النجاح، يتم تعبئتها داخل "عبوات" تشبه "الماركة" أو العلامة التجارية الأصلية!



يمكنك أن تعمل مشروعاً بسيطاً، تضمن فيه أحد أهم الأمور التي غابت عن الحياة في عهد مبارك: الثقة في الآخرين، فـ "الإخوة" لا يغشون بعضهم البعض، كما أنك ستضمن حداً أدنى من السوق المضمونة المتعاضدة التي ستثبت أقدامك في السوق الكبرى، وفي الوقت نفسه سيتغذى نجاحك على "علامة تجارية" عملاقة هي "أمجاد" المسلمين في الماضي، سيناديك إخوانك بكنية، وتشعر أنك إضافة لطريق يستعيد مجداً أنت لا تعرف تفاصيله ولا خلفياته، لكنك تعرف أنه كان ذهبياً بالقدر الذي يكفي لأن تصرخ إمرأة فيهب جيش إمبراطوري جرار – لا حديث عن كيفية تعبئته ولا تجهيزه، ولا تدريبه ولا الإنفاق عليه ولا كيفية تحريكه مع ضمان الأمن الداخلي في حالة عدم فراغ وعدم تعطيل المواصلات التجارية عند حركته- ليقطع هذا الجيش الأقاليم في طرفة عين – حيث تختزل الرواية كل التفاصيل لتصبح مقدمات ونتائج فقط-  فيتحقق الانتقام لشرف المرأة التي صرخت، وتعود الحياة لسيرتها الذهبية، والتي لا تشوبها شائبة، لأن الحديث عنها لا يتطرق إلى أي شائبة، علماً بأن الأمور كان فيها أكثر من الشوائب، فالصراعات لم تهدأ، وسقوط الإمارات والصراع على تشكيل الدول والدويلات لم يعرف لحظة سكون واحدة، وكل حركته كانت مغموسة بالدم!



هذه الحكايات التي ينزل بلسمها من على منابر المساجد بكثافة في العقود الأربعة الأخيرة من ازدهار التيار الإسلامي طالما سكَّنت النفوس، وأراحت العقل عن التفكير، واختصرت الأزمة في وجود طاغوت (مبارك) وها هو قد سقط!


استطاعت "صورة" أبوسماعيل أن تجسد هذا الحلم، وتجتذب جمهوراً لم يعد متعلقاً بصورة الصعلوك التي كان يشبهها: "عادل إمام" مثلاً، فقد أصبح "زعيماً" يعيش حياة مزدوجة، أصبح من هؤلاء "ألأفندية" الذين تحولوا إلى "بكوات"!

جمهور "تحت السلم" قام بعصف ذهني للصور التي يختزنها، صحيح أن بعض صور الثوار وشهداء الثورة توتره وتستثير إعجابه، لكنه وجد حلاً جامعاً في "أبوسماعيل" الذي يتحدث عن الثورة كثائر طليعي! هذا الجمهور صادق مع نفسه، وجدير بالاحترام، فاختياره لم يكن عشوائياً ولا هزلياً كـ "عنتر شايل سيفه"! لقد اختار شخصاً يثق أن حياة علية القوم لن تفسده، وشخصاً يمكنه أن "يؤدب" اللاهين و"يبلسم" المتعبين من الركض خلف السراب.. إنهم جادون، والحقيقة أن أبوسماعيل جاد أيضاً ومصدق لنفسه!


لماذا يختار هؤلاء "الدكتور أبو الفتوح" وهو مرشح إسلامي؟ كيف يترجم "حمدين صباحي" شعاره القائل: "واحد مننا" إلى رسائل مسموعة من هؤلاء الذين يعيشون "تحت السلم"؟ ما الذي يمكن لمؤيدي أبو سماعيل أن يفهموه من ذلك التسجيل الرائع لمساجلة كل من حمدين وأبوالفتوح مع الرئيس الراحل أنور السادات؟ ذلك الحديث الذي يطرب له الإنسان المثقف عندما يوجه حمدين انتقادات سديدة لسياسة الانفتاح، ويواجه أبوالفتوح كاريزما السادات بشجاعة قائل الحق؟

السؤال بصيغة أخرى: لماذا نعرف معرفة أكيدة أن هذا التسجيل لو سمعه جمهور أبوسماعيل لن يحقق مفعولاً كبيراً رغم أنه يمكن عنونة التسجيل بـ "كلمة حق عند سلطان جائر" وهي مقولة مفهومة بالطبع من هؤلاء ولها مكانتها وأثرها القوي في النفوس؟ لماذا نعرف أنهم لن يعتبروا أن ما قيل في المساجلة أفضل ما يمكن اعتباره "كلمة حق"؟ ناهيك عن أن بعضهم لن يعتبر السادات "جائراً" وإنما مجرد فهلوي أفسدته زوجته ابنة المدينة أو الطبقة العليا أو كما اعتاد هؤلاء على ترديد كلمات إسلاميين هذا العصر "أفسدته بالتشبه بالغرب"!

بعض مؤيدي أبوسماعيل يعرفون أن وصفه بـ "ليث الشريعة" و"أسد الإسلام" ليست إلا مبالغات، لكنهم يرون فيه فكرة "واحد مننا" لأنه ليس أفنديا ترقى إلى البكوية كـ "عمرو موسى" عن طريق المرمطة في تراب السلطة، وليس الأفندي الإصلاحي القادم من بين صفوف العامة كأبو الفتوح وحمدين لكنه يرتسم بنفس هيئة البكوات! وهو أيضاً ليس من هؤلاء الشباب الطيبين الذين حشدوا ودبروا للثورة بأزرار الكومبيوتر، لكنهم لا يعيشون آلام جمع الجنيهات تحت السلم، إنهم ناجحون من داخل المؤسسة متمردون عليها، وغير ملاحقين يومياً من شرطة المؤسسة، وغير مطالبين بدفع إتاوات لأمناء الشرطة والضباط!



أبوسماعيل هو مرشح "الثورة الموازية" لقطاع إقتصادي موازٍ للمؤسسات خارج عن الأنظمة. لقد بحث هؤلاء عن شخص يمثلهم، فوجدوه في ابن "أحد الوجهاء" تربى على قدر من النعمة، وحصل العلم من أبيه –هكذا يقول لهم أبوسماعيل- وعمل محامياً حراً بعيداً عن المؤسسات طوال حياته. يقول خصومه إنه قليل الخبرة ولم يعمل شيئاً ناجحاً، هذا لا يعني الكثير، لكنه أيضاً لم يدخل إلى نقابات أو أحزاب أو غيرها من المؤسسات التي دخلها أبوالفتوح وحمدين، إنها مؤسسات غير موثوق بها، حتى لو كانت ملعباً لصراع بين مبارك ومعارضته، رجل "تحت السلم" لا يعرف إلا المسجد ومكتبه، وأحاديث القنوات غير الحكومية!

أخيراً لابد من تحية للمسئولين عن حملة أبوسماعيل الذين نجحوا منذ شهر فبراير 2011 في إظهار صورته يومياً على شاشة قناة تلفزيونية واحدة على الأقل، وفي الأغلب كان يظهر على أكثر من محطة يومياً!

أحمد غريب
اختلاف نظرة حازم ووالدة حازم لإعتداءات سبتمبر.. الاختلاف يؤكد أحقية التساؤل عن ارتباطه بتنظيم القاعدة

هوامش:
1- للإطلاع على موضوع "أنواع الشيوخ" : http://write-play.blogspot.ca/2012/01/2012.html
2- يمكن الاطلاع على المزيد من التحليلات لظاهرة أبوسماعيل، منها هذا المقال الجميل "المرشح البوستر":  http://blog.ahmedsays.com/2012/03/blog-post.html?fb_comment_id=fbc_10150912818617627_25769945_10150913035027627