Saturday, April 26, 2014

عن سباق الرئاسة: السياسي والموظف





هذه معركة بين ما تبقى من ثورة يناير ضد من استحوذ على 30 يونيو.
معركة بين السياسي وبين الموظف. السياسي الذي أعاد صياغة نفسه وبرامجه عدة مرات ليخرج من الأيديولوجية الناصرية في الثمانينات، إلى حركة كفاية، ثم إلى التعبير عن جماهير شعبية واسعة كما جسدها محصوله في انتخابات الرئاسة السابقة، ثم انتمائه لجبهة الإنقاذ الوطني التي رفضت انقلاب الإخوان الدستوري.
وبين موظف الدولة الكبير الذي لم يصعد سلمها الوظيفي إلا لأنه كان حارس الأسرار، أو حارس "الصندوق الأسود" للنظام؛ وكان ترقيه السياسي في أعلى درجتين فقط، عندما احتضنه الإخوان المسلمين لأنه كان قد حذرهم من حدوث موقعة الجمل قبل وقوعها بساعات، وعندما اصطدم بهم، مضطراً، ليمتص غضب ملايين عديدة لم يقبلوا انقلاب الإخوان الدستوري.

في هذه الانتخابات سبق الدستور اختيار الرئيس، لكن لا أحد يهتم بتأثير ذلك عند محاولة تصوّر شخص الحاكم الذي يصلح للمنصب، أو القائد الذي يمكنه أن يلعب دوراً مؤثراً في إدارة عجلة البلد صوب اتجاه ينتشلها من حالة الأزمة.
لا أحد يهتم بتأثير الدستور الجديد، لأن أصوات الساخطين من السياسة واللاعنين لها أعلى وأكثر دوياً ممن فتحوا مجالها الذي ظل مغلقاً وحصرياً لعقود، هذا من جانب. ومن جانب آخر لايزال الشعب يصارع نفسه محاولاً امتصاص أثر ثورة يناير، والعثور على طريق بعد زلزالها. حتى من يحاولون من جديد لملمة النظام الذي قامت ضده ثورة يناير ويتحلقون حول السيسي، لم تتح لهم مثل هذه الفرصة لولا أن أزاحت ثورة يناير وامتداداتها في محمد محمود، ثم ملحقها في 30 يونيو طبقة العسكريين القدامى الذين أحاط بهم مبارك نفسه.

تجديد هذه الطبقة ضرورة فرضتها ثورة يناير التي كشفت عن ضعف قيادة الجيش، وأسهمت في الدفع بها محاولة الإخوان المسلمين الاستحواذ على الثورة وابتلاعها.
لكن هل يمثل السيسي جديداً غير فارق السن بينه وبين شخص مثل عمر سليمان؟ ألا يشكل هو نفسه مشكلة أمنية حال توليه منصب كبير بينما يناصبه عدد لا يستهان به من الشعب عداء شديداً؟ هل يحتمل الجيش رهاناً كهذا وسط تقلبات مزاج الشارع المصري الحادة، وانقلاباته المتعاقبة على الطبقة السياسية نتيجة أزمته الاقتصادية؟

حتى الآن لم تستطع تحولات ثورة يناير، ومن بعدها انتفاضة 30 يونيو شق طريق واضح للسياسة في البلد، ولم يفلح الدستور الذي قصقص من سلطات الرئيس لصالح رئيس الوزراء والهيئة التشريعية، وقنن لمجموعة منشطات إيجابية من شأنها أن تبقي المجال العام مفتوحاً أمام المشاركة، وثبّت بعض المبادئ الحقوقية التي تراعي شرائح اجتماعية لم تؤخذ بعين الاعتبار من قبل؛ حتى الآن لم يرسم ذلك معالم لطريق، وأيضاً لم تنجح محاولات تجاهل وردم هذه التحولات التي أطلقتها ثورة يناير في امتصاص زلزال الثورة ومحو أثره.

هي معركة السياسي في مواجهة الموظف؛ يعاب على حمدين صباحي عدم خبرته بالمناصب مع أنه وصل إلى عضوية البرلمان منتخباً، وهو أعلى منصب يمكن الوصول إليه دون رغبة النظام الحاكم، ويعاب على السيسي أنه هو نفسه مشكلة أمنية حال توليه منصب سياسي، على الرغم من أن خبرته الوحيدة في جهاز الدولة هي الأمن.

لا توجد ضمانات أن أجهزة ومؤسسات الدولة لن تتمنع على حمدين حال انتخابه رئيساً سوى الناخبين الذين صعدوا به إلى المنصب، ليس للرجل جماعة ولا تنظيم يستقوي بهما، فقط الناخب
ولا توجد ضمانات أن السيسي قادر على إنهاء الحرب على الإرهاب طوال فترة حكمه حال وصوله هو إلى المنصب، الأكثر احتمالاً أن وصوله سيرسخ من شرعية المعركة بالنسبة للإرهابيين، وسيكون أمنه الشخصي عبئاً على الشعب كله، من انتخبه ومن لم ينتخبه.
 

هي أيضاً معركة ما تبقى من 25 يناير في مواجهة من استحوذ على 30 يونيو، لكن إلى أي مدى يعبر المرشحان عن الغائبين عن المشهد، والمنسحبين منه، والمقاطعين له، والمتشككين فيه، والمستبعدين منه؟
لا توجد في هذه الانتخابات تدريجات لونية مثلما كانت انتخابات 2012، لا يوجد إسلامي معتدل كأبوالفتوح، وممثل صريح لليسار كخالد علي، ولا مرشح يمثل يسار المحافظين مثل عمرو موسى، ولا مجموعة باهتة من ضباط الشرطة يساعد حضورهم الباهت على تسليط الانتباه على ضابط جيش بعينه.

هذه انتخابات شديدة العصبية أيضاً، لقلة مرشحيها لا لكثرتهم. مرشحان فقط، يمثلان تناقضات جماهير 30 يونيو، ويعكسان أزمتها.
مرشحان فقط، يكشف الفارق بينهما تناقضات الناصرية؛ هل الناصرية هي تحديث الدولة وإعادة توزيع الثروة، وفتح مجال الحراك الاجتماعي؟ أم الناصرية حاكم وطني، يضبط الأمن، ويحقق الاستقرار بإقصاء الخصوم والمنافسين؟
هناك أزمات مسكوت عنها في السباق للرئاسة: أزمة استبعاد قطاع من الجماهير من المشهد، استعدائهم، ومعاداتهم.

هناك أزمة صعوبة تمثيل كل مرشح لقطاع جماهيري عريض، ما سيضطر كثيرين ممن قرروا المشاركة والتصويت في الانتخابات إلى البحث عن أسباب رفض للمرشح الآخر أكثر من تبني أسباب تأييد للمرشح الذي يمنحونه أصواتهم.
أزمة هذه الانتخابات أنها تحاول تسوية ما لم تحسمه حركة الجماهير الثائرة، تحاول امتصاص حركة الشارع بإعلان قسم منه فائزاً وآخر مهزوماً:
السيسي بالنسبة لمناصريه الشخص المقبول الذي يمكنه حصد قدر من الأغلبية فشل أحمد شفيق في جذبه، لتعود الأمور كما كانت أيام مبارك في التسعينات مثلاً، وليس كما كانت في أواخر عهده. يؤيد ذلك ما يمكن أن نسميهم "تجار البازار"، العاملين في السياحة والأنشطة المستفيدة منها، وكثير من صغار ومتوسطي التجار، إلى جانب تأييد قطاع من موظفي الدولة، تزداد درجة التأييد لدى بعضهم بحسب درجة الاستفادة منها.

حمدين صباحي بالنسبة لمناصريه الاختيار الممكن بعد تفكك ثورة يناير، لا يمثل تهديداً كبيراً على نظام الدولة يجعلها تتمنع عليه كما حدث مع مرسي، وفي الوقت نفسه ليس لديه إلا الناخبين، لا تدعمه جماعة ولا تنظيم ذو قواعد شعبية يمكن أن يتفاوض كما فعل الإخوان المسلمين مع شبكات الفساد القائمة ليشاركها؛ ليس أمامه إلا ترويضها من الداخل، أو قيادة معارضة قوية من الخارج تكون بشكل ما خط ردع لهذا الفساد، أو على الأقل تبقي المعركة ضده مستمرة. يتبنى برنامجاً للتغير، وتوسعة مساحة المشاركة أمام شرائح وطبقات مهمشة، وهنا مصدر تأييده الجماهيري، لكنه مرشح المهمشين الذين لا يعرفون حجمهم.

هذه معركة أهم ما فيها يحدده سؤال: من الذي سيشارك في الانتخابات؟ من سيدلي بصوته؟ تتساوى أهمية ذلك مع أهمية النتيجة.
 

خيار المقاطعة -كموقف سياسي- في هذه الانتخابات ليس أقل بؤساً من محاولة الإخوان المسلمين وصف مسيراتهم بعد خروج مرسي من السلطة بأنها اليوم الـ19 لثورة يناير.
هناك 25 مليون شخص يشارك في كل الانتخابات والاستفتاءات منذ سقوط مبارك، ويقابلهم حوالي 20 مليون شخص لا يشاركون لأسباب لا علاقة لها بالمقاطعة. هنا يتوه المقاطعون، لا تمنع مقاطعتهم إسباغ شرعية على عملية التصويت نظراً لمشاركة الملايين، ولا تستطيع تمييز نفسها عن ملايين عديدة لا تشارك اتكالا على الآخرين، أو لأنها لم تشارك من قبل.

المقاطعة التي لا تستطيع إقناع ربع المشاركين بعدم المشاركة لا تعد مقاطعة من الأساس. لقد بنت كل الحركة السياسية المعارضة لمبارك خطابها على أن النظام لا يسمح بالمشاركة، وان إتاحة المشاركة ستغير اللعبة، لا يمكن لحركة مقاطعة جادة أن يكون لها صدى الآن بعدما تخطى عدد المشاركين في الانتخابات 25 مليوناً، انطلاقاً من 6 ملايين وهو أكبر عدد رسمي شارك في أي اقتراع أيام مبارك!

يستطيع حمدين صباحي أن يتحرك ويجري اللقاءات الانتخابية، ويلتقي الجمهور، لكن قد يلقى مؤيدوه قمعاً يأتي أحياناً من بعض الجماهير التي تريد إسكات صوت السياسة.
بينما السيسي مقيد، لا يتحرك إلا معتمداً على حراسة مكثفة، لكنه يستطيع أن يعتمد على أنصاره من التجار بشرائحهم المتوسطة والكبيرة في الدعاية له وترويع معسكر خصومه بأن النتيجة محسومة سلفاً، وفي المقابل لا يستطيع إغضاب هؤلاء الأنصار والإعلان عن أي انحيازات صريحة لشرائح الفقراء تتعلق بالعدالة الاجتماعية، وهو ما يشكك في صورة الأغلبية الكاسحة التي يروجها معسكره.