Tuesday, June 12, 2012

إلى من تسلق صخرة الخوف






هي قطعة من حلم انزلقت من بين السحاب، وظلت تقفز أمام عينيك، تنط فوقك فتظن المطر على وشك التساقط، وتنزل إلى مستوى ذراعيك فتغويك باللعب كأنها الكرة.
هل حلمت فعلاً أنك وأصحابك تشكلون سلسلة بشرية تفتح الطريق إلى فلسطين؟
ألم تهتز ومعك كل هذه الجموع فسرى في جمعكم هديرٌ لم نسمع به من قبل، وعشنا رجفة الزلزلة، ونحن ننظر وننتظر تساقط كل الأصنام؟
هل كنتم بهذه الروعة فعلا؟
وهل كان الربيع؟
إني أذكر بعضاً من أحاديثك عن الغد، عن مشاريع كبرى، عن حرية تعجز عن قياسها، ولا تريد، عن أدوار تنغمسون فيها، فتعصركم من صراع إلى صراع، وأنتم تمتحنون تلك الشحنة السحرية من الثقة التي واتتكم، التي أتت من هناك وسرت في الجموع، عندما انزلقت قطعة من الحلم من بين السحاب.
لا تحزن.
أعلم أنك تنظر إلى ما خلَّفته الأمطار باستغراب،
بركٌ صغيرة، لا تُدْخِل المسرَّة إلى النفوس، وإن كانت قد أخمدتْ بعض الأتربة قليلاً
إلا أنك تخشى من مرور شمس لاهبة تبخّرها من جديد، فيعود الغبار
هي كذلك
ليست صالحة للشرب
ولن تدور في حياتك إلا إذا تبخرتْ
قد ترسم منها خريطة لتعاريج الأرض حولك للحظة، وقد تصلحُ لوقتِ مرح تلعب فيه مع أصحابك في الماء
وقد تتحول أنت نفسك كهذا الماء من حال إلى حال
قد تصبح أنانياً، أو عديم الثقة، أو كسولاً
لكنك تعرف معنى انزلاق قطعة من الحلم من بين السحاب
وسيظل الحلم يراودك

Sunday, June 10, 2012

الحذاء السياسي




نعرف قباقيب شجرة الدر، ولو سألت مجموعة من المصريين عن قصتها ستتمايل رواية القصة إلى اليمين واليسار قليلاً، وتلك سمة أساسية في تحول واقعة ما إلى حكاية شعبية، أنها تكون قابلة للحياة والتجدد، والعبور من شخص لآخر، ومن سياق إلى سياق، وكأن راويها هو مؤلفها أو موثقها.

نعرف أيضاً حذاء العراقي منتصر الزايدي، ويعرفه معنا جورج دبليو بوش!
 وتعرف كل الشعوب المقهورة حذاء السلطة على رقبة المغلوبين على أمرهم.

أحمد شفيق فصل جديد من فصول الحذاء والسياسة، فصل ينتمي إلى عصر الإعلام التفاعلي، حيث اليوتيوب، ووسائط النشر السريع على الإنترنت. فصل تتدخل فيه الجماهير بدرجة أعلى من المشاركة في صناعة الحدث السياسي؛ في الحقيقة هي المرة الأولى التي تنازع فيها جماهير من شعوبنا النخبة التي تمتعت بتوكيل أو تفويض ممتد الأجل دائما لإدارة شئوننا. كان تفويض هذه النخبة التي تتمتع بمزيج من القوة العسكرية، والشرعية الدينية والوطنية، والأخيرة تعني الحماية من الخطر الخارجي، قد تآكل إلى حد غير مسبوق. أحمد شفيق فصل لسقوط هذه الشرعية بالكامل.


كانت لحظة ضرب أحمد شفيق بالأحذية لحظة اتصال بالجموع، وعادة ما تقرر الجموع أهلية التصرف وتشجع عليه بسرعة وعفوية، مدفوعة بمعيار الضمير، ومقدرة قدرتها على الفعل بمدى احتشادها، هناك شخص واحد بادر بخلع حذاءه، و"إعلان" قذف أحمد شفيق بالحذاء، لم يكن القذف حركة سرية أراد صاحبها أن يتوه أثرها، أو يكون بمثابة فردة حذاء عابرة، وإذا كان ذلك قصده أو الحد الأدنى من هدفه فقد أعادت الجموع تقييم فعله وقررت انتخاب هذا الفعل، وتعميمه. كان حكماً قاسياً لأنه غير قابل للمراجعة، لكنه من ناحية أخرى تمت مراجعته من قبل كل شخص قرر تكرار الفعل، أو تكرار النشر.


 كان قرار الجموع بتأييد الحكم على أحمد شفيق بالصفع بالحذاء حكما نهائياً، حكماً سبقت مراجعته، واستئنافه، ومناقشة أية التماسات تخصه. ليس لأن المجموعة التي كانت حاضرة وقت اتصال أحمد شفيق بالجماهير اتصالاً مفتوحاً كانت تمثل عينة كاملة التمثيل للجماهير من عامة المصريين. ولكن لأن إعادة نشر وبث الخبر عبر وسائل الإعلام الشخصية، غير الرسمية بالطبع، كانت بمثابة الختم الذي يؤكد على سلامة الحكم وعدالته! إنه عصر تمضي فيه الحكاية الشعبية بسرعة البرق حقيقة!


لم يكن هناك رد من المعسكر الذي تلقى القذف بالحذاء. لم يصدر بيان إدانة من طرف يحاول أن يتملص من الحدث، مثلما فعلت حكومة رئيس الوزراء العراقي "المالكي" عندما تلقى جورج دبيلو بوش محاولة مماثلة. كانت مبادرة "المالكي" بمثابة مكابح تحاول فرملة الحكاية الشعبية، او على الأقل إفقادها الشرعية الرسمية بما يضعها بين قوسي العمل "الغوغائي". لكن حالة أحمد شفيق مختلفة. لم يكن ممكناً ذلك، بل إن تصريح واحد كعمرو موسى تعليقاً على الحادثة، والذي انتقد فيه أسلوب الحملة الدعائية لشفيق محملاً الأسلوب مسئولية الفعل، كان ذلك التصريح بمثابة ضربة قاسمة ونهائية لأية مبادرة تخرج من فلول النظام – وهم كما يبدون منقسمون فيما بينهم متفقون على التمكين فقط لمصالحهم- لقد بدا الرجل "أحد شفيق"  معزولاً، ولم يكن بإمكانه طرق هذا الملف، ملف ضربه بالحذاء، إنه بالنسبة له سقطة يريد العبور فوقها، ولكن هل يمكن أن يصل رئيس للقصر الجمهوري وفي جسر عبوره إلى السلطة مثل هذه السقطة؟

هل يمكن لشخص يصل – رسمياً- بأصوات الجماهير أن يكون قد تلقى مثل هذا الحكم القاسي من الجماهير؟ ودون أن يجد من يدافع عنه من بين معسكره، ويستنكر استخدام الحذاء كوسيلة تعبير عن الرفض الشديد والتحقير لشخص يزعم أنه قادر على الإمساك بزمام الأمور في بلد تنزلق بتسارع مخيف إلى الفراغ الكامل في السلطة، خاصة بعد انتهاء فترة العمل بالإعلان الدستوري، وضعف قدرة النخبة السياسية وعدم استطاعتها إنتاج نظام سياسي جديد رغم أنها استدعت ملايين الناخبين أربع مرات حتى الأن (استفتاء، مجلس شعب، مجلس شورى، رئاسة) إلى صناديق الاقتراع، والحقيقة أنه في ثلاث مرات من هذه الأربع شارك الملايين بالفعل، ولم يبخلوا من حيث الوقت أو صدق الإعلان عن رأيهم فيما عرض عليهم من أمور وخيارات.
سقوط "أحمد شفيق" هو الحدث المجسد لسقوط الشرعية العسكرية بالكامل، هذا ما قاله مضمون تصريح عمرو موسى الدبلوماسي الذي علق فيه على الحادثة محملا شفيق مسئوليتها بالكامل، ومطالبا – ولا نعرف لمن توجه بطلبه- بالتوقف عن دعم أحمد شفيق!

سقوط "أحمد شفيق" بهذه الطريقة هو الرد الجماهيري- الذي خجل منه كل من دعم شفيق-  على محاولة إنتاج نظام عسكري بالصبغة التي انتهى إليها هذا النظام  تحت حكم مبارك. شفيق يرى أن تنمية مصر ممكنة "لأن العامل عندنا بملاليم"، وهو ما يمكن أن يجذب الاستثمار الأجنبي، وأن المسألة تتعلق فقط بالثقة في نظام الحكم، وأن سبب غياب الثقة هو مراجعتنا لأساليب السرقة التي تمت بها الخصخصة، فـ "المستثمر الأجنبي ليس له دخل بأية شبهات حول بيع عمر أفندي" مثلاً، والأنكى أنه يرى السرقة عادية
مادامت "بييننا" هكذا يقول: "عمر افندي مايتباعش النهاردة وتيجي امضا تلغيه بكرة , حتي لو كان اتسرق فاللي سرقوه رجالتك مالوش دعوة بالمستثمر الأجنبي"!
ضرب "الفريق" أحمد شفيق بالحذاء، ليس إهانة لرتبته العسكرية، وليس إهانة للواءات الذين يحكمون مصر علما بأنه رتبتهم تقل مرتبة عن رتبة الفريق، إنه حكم سياسي من الجماهير التي تتحدث بلغة متفق عليها، وقد ذاقت وتعرف هذه الجماهير رمز الحذاء أو بمعنى أدق "البيادة العسكرية" كأيقونة لفرض الأمور بقوة الأمر الواقع، بالغلبة التي تتمتع بها الجماعة العسكرية بحكم التنظيم والتدريب، استخدام الحذاء كان بمثابة رد من نفس اللغة التي استخدمها المجلس العسكري عندما أرسل دبابات ومركبات تطوق المدن كرسالة تخويف من قبول الدعوة للعصيان المدني
الشعب لم يستجب ليس فقط من الخوف، ولكن لأن تقييمه للوضع السياسي وثق في قدرة المسار الذي يتولى إدارته المجلس العسكري على إنتاج نظام سياسي يحمل ويعكس أصوات الناس ضمن حدود السلامة وتأمين الوطن التي ارتضى تقييم المجلس العسكري لها. وعندما ظهر يوم الانتخابات من يحاول اغتصاب الحدث عن طريق الصندوق قال الشعب كلمته باللغة التي يفهمها "الفريق" كعسكري لا يؤمن بالمشاركة الشعبية، إنه يرى أن إنساننا المصري "بملاليم".

 لكن إعادة نشر الواقعة، وتحولها إلى رمز وحكاية شعبية ليس موضوعاً موجها لـ "أحمد شفيق" الذي انتهت علاقته بالأمر بمجرد تلقيه ضربات الحذاء مادياً، الرسالة الرمزية موجهة لمن سمحوا لـ الفريق" بالتنافس على صندوق الانتخاب.
 وهي رسالة حاسمة: كيف يمكن لرئيس مهان أن يفعل شيئاً مما يقوله عن إخضاع الخارجين على الأمن وبسرعة رهيبة؟
أحمد غريب