Saturday, June 22, 2013

هل الديموقراطية سيئة؟


بالطبع لو سلطنا الضوء على محمد مرسي كمنتَج من منتجات الديموقراطية لوجب أن يكون السؤال هل الديموقراطية سيئة إلى هذا الحد؟
لكن المشهد في مصر لا يتصدره مرسي ليكون محوراً للتساؤل، وإنما جماعة الإخوان المسلمين؛ لعل مشكلة مرسي نفسه من ناحية الأداء الشخصي عدم استطاعته تصدر أي ركن أو زاوية من زوايا المشهد المصري إلا على سبيل السخرية من أسلوبه وتناقض قراراته وأفعاله وركاكة سياساته وتخبطها.
سبب التساؤل هو التحذير الذي تضمنه تصريح السفيرة الأمريكية آن باترسون، من أن المظاهرات لن تخدم استقرار الديموقراطية؛ لو قالت باترسون هذا الكلام قبل عام لوجدت من يسمعها بطريقة أخرى، لا من يرد عليها بسؤال عن جودة وسوء الديموقراطية نفسها.
الخوف كان الناخب الوحيد في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، خوف الكنبة من تطرف الإسلاميين، وخوف قطاعات من داعمي ومؤيدي الثورة، مثل جيكا رحمه الله، من دولة مبارك. الخوف لم يكن مؤثراً على كتلة الإسلاميين التي تحركها دوافعها الأيديولوجية وتوجيهات التنظيم ومساوماته؛ إذا طلب منهم المقاطعة يقاطعون أو التصويت يصوتون، لا توجد دوافع لدى هذا النوع من الناخبين كالتي نعرفها.
عادة بعد أن يصل مشهد الخوف في الأفلام إلى ذروته، تحلّ ابتسامة، لكن الوضع تحول إلى سخرية مرّة، وعبث، فبسبب الخوف من الشخصية المرعبة تم إعطاء كل السلطة في الدولة لأول شخص تم الترتيب ليكون أول من يمرّ بجوار الكاميرا، وكان اسمه محمد مرسي!


لكن بعيداً عن الجزء الهزلي من المشهد، والذي انقلب كابوساً أفظع: هل الديموقراطية سيئة؟
في الحقيقة أغلبية الشعب المصري الفاعلة تتمسك بالديموقراطية، ومبادرة "تمرّد" هي في قلب عملية التمسك بالديموقراطية وعدم التضحية بها، وعدم التنازل عن مكتسباتها، بل إعادتها لمصدرها بعد أن تم اختطافها.
هل النظام السياسي الذي أسسه مرسي بواسطة الإعلان الدستوري نظام ديموقراطي؟ لقد وضع الدستور تحت حراسة الكتلة السياسية الإسلامية وحدها، وأغلق الطرق الشرعية لمعارضته معارضة ديموقراطية، معارضة تشارك في صنع القرار وبلورته، من خلال برلمان حقيقي، لقد أطاح مرسي بجوهر الديموقراطية، وظن أنه استكمل تأسيس نظام سياسي يستند إلى رئيس منتخب ودستور مستفتى عليه وبرلمان بديل، لقد شنق مستقبله السياسي كرئيس مدني منتخب عندما انقلب على أصوات من جعلوه رئيساً، واستند إلى خطة التمكين التي تصورت الجماعة أنها تفي شكلياً بتلبية مطالب الثورة بالديموقراطية.
الثورة هي الديموقراطية الكاملة، أو بتعبير الكاتب شريف يونس هي "الفعل الديموقراطي الأكبر". الثورة هي منبع الديموقراطية، هي أقصى درجات المشاركة، وأكثرها طبيعية وتخلصاً من قيود المال على الناخبين، وقيود القوانين ومناورات السياسيين وأحابيل الدعاية.
الثورة المصرية هي الأب والأم الشرعيان للديموقراطية في مصر. قبلها كان المواطن بحاجة إلى الدخول إلى عرين أقسام الشرطة ليستخرج بطاقة انتخابية، ثم يعود مرة أخرى إلى نفس الوكر يوم الانتخاب، ويمر عبر تجمعات البلطجية ثم الشرطة ليدلي بصوته داخل نفس الأقسام التي تسعى بكل الطرق لإحباط صوته، وهو يعلم أن صوته لن يحتسب في الأغلب، هذا في في حال أنه لم يقم ببيعه بنفسه مقابل إغراء أو التخلص من خوف.

لم تنجح ألاعيب الإخوان من أجل تلفيق نظام سياسي تكون المعارضة فيه صورية كما كانوا هم أيام مبارك. ألاعيب الإخوان تصوّرت أنه يمكن التحايل على حقوق التصويت التي انتزعتها الثورة بالدم والتضحيات، بالاعتماد من ناحية على كتلة المؤيدين، وإقصاء المعارضين بالتخوين والتكفير، واستمالة بعض الشرائح الضعيفة بواسطة تقديم بعض السلع والمنتجات التموينية، لتسديد متطلبات ما بات يعرف بـ "الصندوقرطية".
لكن أداء مرسي هزم نفسه، وأداء رئيس وزراءه لم يستطع إبقاء مستويات الصبر لدى الشرائح الضعيفة عند درجة تضبط الانفجار.
مبادرة" تمرد" هي تصحيح للانحراف الذي ألحقته جماعة الإخوان بالديموقراطية، تصحيح للوضع الكاريكاتوري الذي أنتجه إصرار الجماعة على وصول أي شخص منها لكرسي الرئاسة، حتى ولو كان "استبن" بديلاً طرح اسمه كسد خانة دون أن يكون مؤهلاً. في الحقيقة لقد بينت الأيام سريعاً أنه لو كان المرشح الأصلي خيرت الشاطر هو من وصل إلى الحكم لما اختلف الأمر إلا قليلاً، فخواء السياسات منع الجماعة من الوفاء بالحد الأدنى من المهمة في لحظة تاريخية كالتي نعيشها.
وضعية الاستبن وأداؤه المهزوز عمّق القلق، وسرّع من كشف الزيف. وأطماع التمكين أعمت أبصار أصحابها عن إدراك أن الديموقراطية لم تكن منحة منهم، لكنها منحة من الشعب لهم؛ شرط صيانتها.
ألم يكن باستطاعة السفيرة الأمريكية أن تربط بين نضال الشعب المصري من أجل انتزاع حقوق جماهيره في المشاركة وبين حركة الجماهير الأمريكية التي كانت منبوذة من المشاركة الديموقراطية في الستينات؟ ألم تجد في أي كتاب للتاريخ ولو شبهاً واحداً بين مطالب الشعب المصري الحقوقية، والديموقراطية الكاملة جزء منها، وبين مطالب شعوب أخرى؟ لماذا لم تفهم، مثلها مثل الإخوان، أن الديموقراطية في مصر منحة من الشعب رضخت لها السلطة شكلياً لكنها لاتزال تتحايل عليها، وليست منحة من السلطة المحلية أو من دولة عظمى؟                                    

Wednesday, June 5, 2013

النموذج التركي!

من فعاليات الاحتجاج التركية- 5 يونيو 2013


 
أعرف أن ثمة ارتباك حول ما يعنيه بالضبط تعبير "النموذج التركي"!
طوال سنوات حكم مبارك كان "النموذج التركي" حاضراً في خيال الطبقة الحالمة بالتغيير، كانت فكرة اقتسام بعض صلاحيات الرئاسة مع رئيس وزراء منتخب، وحصر الصلاحيات الرئاسية في مجلس عسكري وقصرها لتكون صلاحيات سيادية ققط تمثل نوعاً من الحلم في أواخر عقد الثمانينات وربما طوال التسعينات.
كان صعود نجم الدين أربكان كرئيس وزراء إسلامي تحت المجلس الرئاسي العسكري التركي نوعاً من الانفراجة فتحت باب الأمل لنموذج للتغيير يهضم مكونات الواقع الذي يشهد صعوداً للإسلاميين دون الوصول إلى هاوية الحكم الديني المتشدد الذي انزلقت إيران إليه.
انقلاب العسكر الأترك على أربكان وعدم قدرته على تطوير الخطاب الديني المتشدد أجّل الاحتمالات، وأعتقد أنه عزّز على نحو ما من فكرة تاجر بها نظام مبارك كثيراً إلى حد الإفراط في الخارج والداخل تلخصت في سؤال: وما البديل؟ لكن صعود أردوغان كوجه معتدل يغلّب البعد الإقتصادي هزّ شبح الخوف من التطرف باسم الدين.
كان عيب "النموذج التركي" حتى ذلك الوقت هو ذلك القلق الناتج عن تنازع سلطتي العسكر والمدنيين والذي شهد دورات إنقلاب عسكري ضد مدنيين علمانيين أكثر من الإسلاميين، لكن تعايش أردوغان ونجاحه المدعوم شعبياً من طبقة وسطى كانت ترى فرصاً كبيرة للتحسن الإقتصادي وضع الرئاسة العسكرية في زاوية ضيقة، حيث لم يعد أمامها سوى الدفاع عن الوجه الحداثي للدولة ممثل في علمانية النظام .

متظاهرات- 7 يونيو
وجد العسكر الأتراك أنفسهم على حافة السقوط بعد انتفاضات تونس ومصر واليمن وسوريا ضد حكام عسكريين كان من المعتقد استمرارهم، فسلّموا السلطة للبرلمان لينتخب رئسياً مدنياً لأول مرة للمجلس الرئاسي الذي ينتجه البرلمان حسب النظام التركي، رغم أن الأغلبية البرلمانية مع الإسلاميين بنسبة تفوق الخمسين بالمئة.
هنا أصبح لتعبير "النموذج التركي" مدلولاً آخر، وربما استخدم البعض تعبير "التجربة التركية" للإشارة للأداء السياسي المعتدل لإسلاميي تركيا وتعايشهم مع العلمانية. والتطور السياسي للسلطة العسكرية وقبولها بالحكم المدني الكامل.
لكن انفجار المظاهرات في تركيا تحت لافتة "مظاهراتنا ليست عن حديقة؛ إنها عن إساءة سلطة الدولة، عن الرقابة على الإعلام، إنها عن الديموقراطية" ورد أردوغان الذي خاطب الغرب بالأساس في تصريحاته الأولى مستخدماً كليشيه "لدينا انتخابات تعقد كل أربع سنوات يدعى إليها الناس ليختاروا السلطة التي تحكمهم، وأنا منتخب"، يشي بأن الأوضاع في تركيا لم تغادر الدرجة التي كانت عليها وقت هيمنة العسكر العليا على نظام الدولة، خاصة مع تواتر صور قمع الشرطة بنفس الطريقة التي كانت، واعتراف أردوغان نفسه بالإفراط في استخدام القوة، وهي صور لا تحظى بالتغطية الإعلامية اللائقة بها في الإعلام التركي الذي تغلب على قطاعات منه ضغوط الطبقة الحاكمة أياً كانت.


مرة أخرى تعود الدولة "النموذج" إلى مربع القلق: إساءة استعمال السلطة والإعلام، وهو نفس ما كانت تفعله سلطة العسكر التركي، ونفس ما تبيحه لنفسها أية سلطة تعتبر أن حصولها على نسبة تفوق الخمسين بالمائة في الانتخابات هو نوع من إطلاق اليد تتمتع به مع أي آخر من مكونات المجتمع مادام ذلك الآخر لا يملك القدرة على تحريك ضغوط دولية.
بالطبع لا تعرف الأنظمة المتطرفة ولا ترضخ للضغوط الدولية، مثل إيران سوريا وما شابه.
اتهام المتظاهرين الأتراك الذين نظموا خلال الأيام الثلاثة الأولى فقط من الاحتجاج 235 مظاهرة، اتهامهم لأردوغان بأنه "ديكتاتور" هو تجسيد لذلك الصراع الثقافي الذي تشهده المنطقة، وهو صراع جوهره حقوقي يتعلق بقيم الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، في مواجهة قمع السلطة سواء بواسطة عنف الشرطة أو قهر السياسات الإقتصادية الرأسمالية للشرائح الضعيفة.
7 يونيو
الخصوصية التي يمثلها الدين في المنطقة سمحت للتيار السياسي الذي يرتدي عباءة الدين بالوقوف أولاً في خانة المعارضة للحكم السلطوي، لأن الأنظمة التي تشكلت في فترة ما بعد الاستعمار لم تتطابق مع مفهومه التقليدي للهوية، ولأن هذه الأنظمة طرحت بعد انتهاء الاستعمار درجة واقعية من الهوية تناسب مدى استعداد كل مجتمع لتبني توجهات التحديث؛ هذه التركيبة وضعت التيار الديني في خانة المعارضة السياسية للأنظمة بشكل مؤقت، وكبديل لا يختلف إلا من حيث نزعة الهوية، لكنه يحتفظ بكل سمات النظام المستعد للتعاون مع الغرب والذي ينحاز لسياسات الإقتصاد الحر التي تراكم ثروات الأغنياء على حساب الفقراء.
 لقد انفرد الإسلاميون في تركيا بكل مستويات السلطة خلال الدورة الأخيرة من رئاسة أردوغان للوزراء وبنسبة تفوق الخمسين بالمائة فكانت النتيجة خطأ في ممارسة الديموقراطية، وظهور شبح التسلط والديكتاتورية.
لقد بدا الربيع العربي خريفاً في مشاهده الأخيرة حتى الآن، ثم جاءت النفحة التركية لتمزق المظلة الهشة لديموقراطية الصناديق التي تسترت بها محاولات تفريغ الجوهر الحقوقي للانتفاضات التي دفعت عملية التطور السياسي؛ الديموقراطية عملية تنظيم لثقافة التعايش والمشاركة لا تقنين لثقافة الاستقواء. 

                             

      
تعبيراً من متظاهري اسطنبول عن ذكري 4 أشخاص قتلوا خلال أحداث الاحتجاج