Sunday, October 30, 2011

حزب الكنبة والتلفزيون ومجتمع الشبكات

بوستر تم تداوله نقلا عن حركة "احتلوا وول ستريت" التي استلهمت نموذج اعتصام التحرير
From The Occupy Wall Street movment- October 2011 

أحمد غريب




"حزب الكنبة" من أفضل التعبيرات التي نحتها الرأي العام المصري لرسم خريطة سياسية للمواقف من الثورة وقضاياها وفعالياتها من حشود ومسيرات واعتصامات.

 بالطبع بساطة التعبير وتلقائيته ليست بخافية على أحد، وأيضاً اللمحة النقدية الساخرة فيه، لكن الأهم أنه نابع من صلب ثورة 25 يناير التي لعب فيها الإعلام دوراً محورياً، فـ "حزب الكنبة" هو مجموعة مشاهدي التلفزيون الذين يتخذون مواقف غير مؤيدة للفعاليات الثورية من اعتصامات وإضرابات، كما أنهم لا يتبنون نفس مطالب القوى الثورية أو يختلفون حول أولوياتها، وقد استخدمت حركة "احتلوا وول ستريت" نفس الصورة لاستنهاض من وقفوا مواقف سلبية غير مؤيدة للحركة، وأشيع عبر بعض التعليقات على الفيسبوك أن المفهوم امتداد لتأثر حركة الاحتجاج الأمريكية باعتصام التحرير، وفي ذلك شيء من الصواب، تغيب عنه خلفيات وجود مفهوم "الكنبة" في الثقافة الشعبية الأمريكية.

فكرة "حزب الكنبة" إعلامية بالأساس، لكن للبعد الإعلامي ظلال تشحن معنى هذه التسمية بالدلالات. ومن المهم قبل استجلاء هذه المعاني معرفة خلفيات استخدام العامية (الدارجة) الأمريكية Slang لتعبير قريب الشبه بالتعبير المصري هو Couch Potato كونه أسبق في الظهور، والذي يعني "شخصاً كسولاً يمضي معظم وقته أمام شاشات التلفزيون والكومبيوتر"، يستلهم التعبير الأمريكي نفس علاقة التلقي السلبي من شاشة التلفزيون، وإن تم اشتقاقه في سياق مختلف لا يقتصر على البعد السياسي فحسب، والتعبير الأمريكي عبارة عن صورة لإنسان/ة كثير الفرجة على التلفزيون ومن كثرة جلوسه على الكنبة تزداد سمنته فيفقد شكل جسده أو جسدها انحناءات الرشاقة التي تعكس الحيوية والصحة، ويصبح مستديراً مثل حبة البطاطس!
 الطريف أن التعبير الدارج الأمريكي Slang اشتقه جيل الشاب في ثمانينات القرن العشرين، وهو أول جيل مستخدم للكومبيوتر والإنترنت على نطاق عام، حيث تدخل شاشة الكومبيوتر ضمن علاقة الاستقبال السلبي للمواد الإعلامية وفق المعنى الأمريكي، أما في مصر فيأخذ المفهوم معنى مختلفاً يربط "حزب الكنبة" بإعلام السلطة، والتعبير منحوت من قبل جماعات الشباب المؤيدة للثورة والتي - عكس مصدر الاشتقاق الأمريكي - اعتمدت على الكومبيوتر وشبكة الإنترنت وأجهزة الأي فون في تشكيل إعلام ثوري يحرض ويبلور الأفكار والمواقف ويهيئ لتنظيم الفعاليات الميدانية ويدعو إليها الأنصار والمؤيدين. وهنا تجدر الإشارة إلى أن شبكة الإنترنت بلورت خلال أكثر من عقدين تقنيات وعقلية تفاعلية معها أصبحت تشكل ما يعرف بمجتمع الشبكات، هذا المجتمع صاحب مبادرات إيجابية تجلت أروع صورها في حركات ثورية عربية أصبحت ملهمة للمعارضة في الدول الغربية نفسها، لذا يرتبط إدراج شاشة الكومبيوتر ضمن مصادر "الكنبة الأمريكية" بنوعية الاستخدام والتلقي السلبي في عقد الثمانينات، ويؤكد تمييز هذه النقطة على أصالة التعبير المصري.

 في المفهوم الأمريكي نقد وسخرية من الحالة السلبية أيضاً لحزب الكنبة، لكن ثمة شيء يستحق التوقف عنده يتعلق بقوة هذا الحزب، فمغني روك لاذع النقد في أغانيه هو "إمينيم" Eminem تردد خوفاً على مساره المهني من وضع أغنية اسمها Couch Potato كأغنية رئيسية على إسطوانته Poodle Hate، ورغم تضمن الأسطوانة للأغنية إلا أن سبب التردد أثار اهتماماً حول قوة (جمهور الكنبة) الاستهلاكية أي ما يخالف ما يوحي به التعبير عن سلبية أشخاصه وعدم اتخاذهم مواقف ومبادرات، فقام مغني روك آخر هو "ويرد أل يانكوفيتش" بغناء نفس الأغنية ونشر كليبها أكثر من إمينيم، ويشتهر "ويرد أل يانكوفيتش" باستخدامه كليبات أغانيه في عمل محاكاة ساخرة (بارودي) من تيمات شائعة في الثقافة الشعبية، ولم يكن للأغنية التأثير السلبي الذي تخوف منه إمينيم!
 تسخر كلمات الأغنية من أفعال الشخص الكسول (كاوتش بوتاتو) التي تتقلب بين الضغط على زر الريموت بحثاً عن اهتمام مفتعل بالحياة وإيجابية غائبة، ويكاد إيقاع الأغنية أن يطرق مستمعها بمطارق السخرية المحرضة على أخذ مبادرات؛ يمكنك الاستماع للأغنية وقراءة كلماتها اللاذعة (بالإنجليزية) عبر هذا الرابط:


لا أريد أن أثقل في تسليط الضوء على خلفيات التعبير العامي الأمريكي، لأني أعرف مدى الاستقلالية والأصالة التي تم نحت التعبير المصري بها، ولديَّ تفسير لدلالاته السياسة أود وضعه بين يدي القارئ، لكن وجبت الإشارة إلى أن شيوع التعبير المشابه في الحياة الأمريكية لا يقتصر على الاستخدامات النقدية أو الساخرة، بالطبع ستقرأ التعبير في أي مقال أمريكي للتوعية بأضرار السُّمنة ومخاطر اكتسابها عن طريق الجلوس فترات طويلة للمشاهدة، كما ستطالعه في أية معلومات طبية عن مسببات أمراض الضغط وارتفاع الكوليسترول والتوتر العصبي، لكن المسمَّى نفسه تستخدمه "بإيجابية" شركة موبيليا للدعاية عن مدى الراحة التي توفرها كنباتها، كذلك هناك شركة للسمسرة في البورصة تتسمى بهذا الاسم "كاوتش بوتاتو" وهي تدعوك لترك كل الأمور في يدها والاستراحة على الكنبة  بينما هي تجني الأرباح نيابة عنك وتحوِّلها إلى حسابك البنكي، وهكذا!

الكنبة المصرية
في مصر يبدو حزب الكنبة تاريخياً بقدر ما تعود جذور إعلام السلطة إلى سنوات بعيدة، إنه جوهر ما كان يُعرف بالأغلبية الصامتة، وهو الآن بعد الثورة القطاع الذي لم يستطع عبور حاجز الخوف الذي تسلط به نظام الحكم قبل ثورة 25 يناير، ويضم من لم يستطع تعريف مصالح له داخل خريطة سياسية ماتزال في حالة سيولة، وأيضاً من يخشون خسارة مكاسب حققوها في ظل النظام الذي قامت ضده الثورة، وقد يوجد بينهم من ناصر أو وافق على مطالب الثورة في اعتصامها الأول الذي انتهى بإسقاط مبارك ومعه مشروع التوريث ثم توقف عن التأييد أو الترحيب بأي تغيير بعد ذلك، وهناك من تبنى رسالة التخويف التي بثها إعلام السلطة مراراً، ومفادها التخويف من سقوط الدولة نفسها حال فقدان المجلس العسكري القدرة على ضبط الأمور، فانضم من صدقها إلى حزب الكنبة بعد تأييده للثورة!
 تتلقى هذه الشرائح رسالة إعلام السلطة بارتياح سواء عن الخطر الخارجي أو عجلة الإنتاج، ويرى بعض هؤلاء أن في تمكين السلطة (بما في ذلم ممارسات الطوارئ والمحاكمات االاستثنائية) أهمية عن خوض مغامرة سياسية غير محسوبة مع سياسيين جدد بالنسبة له ليس متأكداً مما تعنيه خلفياتهم، ولا يستطيع مثلا أن يشعر بطمانينة على انتظام الرواتب والمعاشات إذا ما تولوا الأمور!

 لكن الجديد - مصرياً - أننا أمام حزب للكنبة "غير سلبي" وغير صامت بعد الثورة وإن كان غير مشارك. إنه مثل كل شرائح وفئات الشعب المصري لم يعد ساكتاً لأن التغير يتواصل من حوله، حتى ولو كان تغييراً شكلياً مشكوكاً في نواياه مثل محاكمة الرئيس، إنها المرة الأولى التي يمكن فيها لاعتصام جماهيري أن يقود إلى تفتيت "حصانة الصورة" التي تمتع بها أي حاكم لمصر، وقد شكلت تلك النتيجة ضربة قاصمة لموقف "الكنبة" من اعتصام يوليو الذي طالت مدته وتم تكرار رسالة عجلة الإنتاج خلاله كثيراً.
 انتعش"حزب الكنبة" منذ مشاركته القوية في الاستفتاء، حيث لعب دوراً رئيسياً في التأثير على النتيجة (بزيادة نسبة نعم) من خلال تدفق آراء أعضائه وصبغها من حوله أثناء طوابير الاستفتاء. وهو يواصل إعلان مواقفه الرافضه سواء لبعض حشود أيام الجمعة، او لاعتصام 8 يوليو الطويل أو للإضرابات الفئوية! ما يفعله "حزب الكنبة" بممارساته عكس ما يمثل جوهره، إنه يتآكل لأنه لم يعد متلقياً سلبياً فقط لإعلام السلطة ذي الصوت الواحد، بل إن هذا الإعلام الذي سقطت أحاديته مع الثورة أصبح معتمداً في بعض ما يطرحه من جدل وقضايا للسجال على عدة مصادر منها إعلام مجتمع الشبكات: فيسبوك ويوتيوب وتويتر على وجه الخصوص. لقد أصبح "حزب الكنبة التفاعلي" دون قصد منه، ودون خط رجعة؛ مادام الإعلام التفاعلي قادراً على طرح قضاياه وإيصالها للشارع ولإعلام المؤسسات.
لم تكن عراقة حزب الكنبة محسوسة كما الآن، سبب غياب الشعور بها أن السلبية لازمته فلم يشكل أبداً دور اللاعب الفاعل الذي يسعى للتأثير على مجريات الأمور، حتى وقت اعتصام الـ 18 يوماً لم يستقبل هذا القطاع من الناس رسالة التلفزيون المصري؛ حيث يقتضي نجاح الرسالة الإعلامية أن يصل اقتناع من يستقبلها إلى درجة تجعل منه حاملاً للرسالة مستعداً لإيصالها للآخرين، وهو ما لم ينجح حزب الكنبة في إنجازه خلال الاعتصام الأول. أما موقف الحزب الداعم لما تم تصويره أنه خيار الاستقرار في الاستفتاء فلم يكن إلا رد فعل على إعلام الشبكات الذي تفاعلت فيه فكرة إلغاء المادة الثانية من الدستور على نحو غير ناضج أشعر كثيراً من الناس بتهديد للهوية، ويكاد موضوع الهوية أن يكون قالباً أساسياً تمر منه تفاعلات القضايا داخل إعلام مجتمع الشبكات ما ساهم في طرح القضية دون إنضاجها؛ فحسب أطروحة مانويل كاستيل في كتاب The Rise of the Network Society تمثل الهوية ضرورة لتفاعل افكار في فضاء مفتوح، إنها نوع من الأمان اللازم للشخص كي يواصل تفاعليته.

يقول كاستيل: "مؤخراً أصبحت الهوية رئيسية، وفي بعض الأحيان – وحدها - مصدر المعنى في مرحلة تحول تاريخي موسومة بتدمير واسع النطاق للمنظمات، ونزع شرعية المؤسسات، وتلاشي الحركات الاجتماعية الكبرى تدريجياً وسرعة زوال التعبيرات الثقافية. يتزايد تنظيم الناس لوعيهم ليس وفق ما يفعلون ولكن وفق معطيات ذواتهم أو بالأحرى ما يعتقدونه عن أنفسهم. في الوقت نفسه تعمل الشبكات العالمية للتبادل في مقابل ذلك بشكل انتقائي لتوصيل الأفراد والجماعات والمناطق وحتى الدول - وفقاً لأهميتها في تحقيق الأهداف المتفاعلة داخل الشبكات - في تدفق مستمر للقرارات الإستراتيجية". وقد تلامست هذه النزعة التي تفاعل موضوع الدولة المدنية داخل قوالبها مع ما كان إعلام السلطة قد أنتجه من تشويش ومبالغة في دور الدين الأخلاقي كحماية للناس وسط واستشراء الفساد، وحماية للسلطة من تمرد المجتمع عليها.
 كانت مهمة إعلام السلطة وفق الصيغة التي توصل إليها صفوت الشريف، ومضى خلفه أنس الفقي عليها، عرقلة وتكتيف إمكانية التفاعل الاجتماعي مع القضايا؛ من خلال التشويش والفضائح والتعدد المزيف للأصوات الزاعقة، والضوضاء الثقافية، وتشجيع إنشاء سيل من فضائيات الأغاني والقنوات الدينية، بحيث يتم تشكيل واختزال أية قضية يمكن أن تواصل تفاعلاتها الإعلامية في تيمة الجدل الأخلاقي: القلق الجنسي والفضائح والحسية، أو الصراع الديني والمذهبي من خلال الفتاوى المشوَّشَة.
كل ذلك التشويش (يجسد توفيق عكاشة وقناته الفراعين حالة مثالية لإستراتيجية صفوت الشريف)، وكذلك التشويه لأي شخص يمتلك جماهيرية وتصعد مصداقيته، وأيضاً الاحتواء من خلال صناعة نجوم كشفت خريطة المواقف منذ اندلاع الثورة عن أنهم ببغاوات يرددون ما يريدهم منهم أمن الدولة ترديده؛ كل ذلك لم يمنع من بزوغ مجتمع إعلامي جديد قادر على فرض واقع سياسي أو فرض نفسه رقماً في الواقع السياسي هو مجتمع الشبكات، الذي ظل يعاود المحاولة تأكيداً لعدم استثنائيتها من خلال حشود مليونية متكررة استأنفها يوم 27 مايو 2011، واعتصام طويل في الصيف بدأ 8 يوليو. هذا الإعلام ومجتمعه أصبح مفجر القضايا وناقلها والمعلق الأهم على مضمونها في حال صدرت خارجه، ومنه نشعر بردات فعل "حزب الكنبة" التي تناقض الجوهر السلبي لهذا الحزب الصامت!



الصورة من أيام اعتصام الـ 18 يوما (25 يناير- 11 فبراير) تلقى الإعلام الرسمي للسلطة ضربة قاضية أنهت عصر الصوت الواحد
تمزق العباءة ومجتمع الشبكات
"الإعلام الشخصي" Personal Media هو مجموعة من مواقع الإنترنت تقدم خدمات مستحدثة من داخل شبكة الإنترنت نفسها، وهي تختلف عن "الويب" الذي هو صورة إليكترونية فائقة السرعة من الإعلام التقليدي وخاصة الصحف والمجلات، فلا تستغرق عملية النشر على الويب سواء من جهة الوسيلة الإعلامية أو ردود القراء إلا ثوان أو دقائق، لكن الويب لم يطور مضمون الصحف إلا من حيث السرعة وآلية النشر إضافة إلى أنه سمح بسهولة امتلاك الوسيلة الإعلامية واختصر كثيراً من التكاليف. في حين نجحت تطبيقات الإنترنت المعروفة بالإعلام الشخصي في تطوير أدوات وخواص واستخدامات تفاعلية استطاعت أن تصبح جزءا من ممارسات جديدة لتشكيل الوعي.

 يتضمن "الإعلام الشخصي"، أولاً: البلوج وهي صحيفة مجانية لنشر المقالات الشخصية أو من قبل مؤسسات صغيرة، وقد خلقت لنفسها طابعاً متحرراً من قيود الرقابة أو سيطرة أصحاب المؤسسات وكذلك من قيود وشروط الإعلام المحترف، وبدأت في ديسمبر عام 1997، وكان لها أثر مهم في الدعوة لاعتصام 6 إبريل في مدينة المحلة إلى جانب الفيسبوك.

 ثانياً: مواقع التواصل الاجتماعي وهي عديدة وأشهرها في مصر الفيسبوك واليوتيوب وتويتر، ويتيح كل منها التواصل والتفاعل ضمن سلسلة من شبكات التعارف بين الشخصيات، والتي قد تكون شخصيات اعتبارية أو متعددة لنفس الفرد أو الجهة، وتتميز هذه التفاعلات بتطبيقات تساعد في بلورة رأي عام داخلي داخل الشبكة من خلال أنماط من التصويت، وطرق ميسرة لإعاد النشر وتدوير المادة لمنشورة داخل نطاق من الصدقاء لتصبح في متناول العرض والتعليق لأصدقاء آخرين. ما يجعل ما يُنشر متاحاً لمستخدمين آخرين لست على اتصال مباشر بهم ولا تعرفهم، إنها تربط الكثيرين في سلاسل من روابط الصداقة. ويتميز موقع يوتيوب بأن صفحاه هي بمثابة قناة تلفزيونية خاصة تنشر الفيديوهات والمواد السمعية البصرية، ويمكن عرض نفس المواد داخل تطبيقات الفيسبوك وتويتر، ما يوسع مجال العرض والنشر.

 تسمح هذه التطبيقات البعيدة عن الويب ببلورة رأي عام في فضاء حر، تصبح "مشاركة" Share المواد المنشورة نوعاً من الفرز أو الإضافة والتنقيح والتجويد أيضاً، حيث يمكنك وأنت تعيد نشر ماة (مقالاً أو تعليق أو صورة) أثارت اهتمامك من اتخاذ قرارات منية صحفية لنقل وجهة نظرك بخصوص ما تنشره، وتمثل إعادة النشر نوعاً من الانتخاب والتأكيد على الأهمية أو اتخاذ موقف معارض من المضمون. وتتيح تطبيقات النشر في هذه المواقع مجموعة من الخواص والاستخدامات لقياس مدى متابعة المنشور، من خلال معرفة عدد من ضغطوا على زر الإعجاب أو زر المشاركة. كما يوجد تطبيق ملحق بالفيسبوك اسمه Causes لعمل استطلاعات للرأي حول موضوعات يقترحها المستخدم لمعرفة رأي الآخرين المرتبطين في سلاسل الصداقة، وهناك تطبيق للدعوة لأنشطة وفعاليات معينة يتم الإعلان عن توقيتها ومكانها، وهو التطبيق الذي استخدم للدعوة لثورة يناير بعد تبلور رأي عام مؤيد للتحرك الجماعي، واكتساب شحنة الثقة من تجربة إسقاط بن علي في تونس.

 من خلال هذه الأدوات تم إنضاج الرغبة في تغيير النظام، أو إسقاط مبارك بأركان حكمه المعروفين بفسادهم على الأقل. كان السخط من مبارك ونظامه قد بلغ مبلغه، مستقطباً كثيراً من أبناء الشعب المصري الذين اعتادوا الاستسلام والثقة فيما يتلقونه من رسائل إعلامية ثم اصابهم إعلام مبارك بعدم الثقة حتى في بعضهم البعض. تم استخدام صيغة الدعوة لـ "إيفينت"، وهي سابقة مصرية بلاشك، ففي الصين مثلا يستخدم هذا التطبيق لحشد عدد كبير من المستلكين الذين يرغبون في شراء نفس الشيء (حذا نايك مثلا)، وبالتالي يمكنهم التوجه معا لمنفذ التوزيع والحصول على تخفيض كبير عندما يشترون دستين او أكثر منه، وهو استخدام متميز لا تتم ممارسته في الغرب.

في مصر كان استخدام التعارف عبر الفيسبوك أول نموذج مصغر لـ "جمعية عمومية" من قطاع متعلم من شعب مصر استطاعت التواصل معاً خارج قبضة قانون الطوارئ الذي يمنع تنظيم اجتماعات! كان هناك "تويتر" الذي ينشر رسائل قصيرة وصوراً من الميدان ليعاد نشرها على نطاق أوسع عبر الفيسبوك، لكن استخدام "تويتر" في مصر على فئة محدودة، بينما بلغ عدد مستخدمي الفيسبوك في إبريل عام 2011 أكثر من ستة ملايين ونصف: 6662100، بعد أن كان أقل من ثلاثة مليون مستخدم 2816480 قبل ذلك التاريخ بعام واحد فقط.
 استدعت ثورة يناير قطاعاً كبيراً من هذا الجمهور، استدعته بقوة إلى المشاركة  ولو بالرأي، وخرجت من هذه الأطر الإعلامية الحديثة  مجموعة كبيرة من التعابير والكلمات والدلالات السياسية، وكذلك الصور والأشخاص وأساليب التعبير أمطرت العقل والمخيلة المصرية التي اعتادت أفيون صفوت الشريف، ونجحت في مزاحمة الأصوات الرديئة، فاهتزت صورة مجموعة من الفنانين (عمتو عفاف مثلا أو المغني عمرو مصطفى) وأصبح الصوت الواحد شيئاً من الماضي، كما أن ترسانة إعلام صفوت الشريف تضررت كثيراً في أعين الشباب المستهلك الأكبر للمنتجات الفنية.

تنتج الظاهرة الإعلامية (والكلام ليس عن الإعلام الأفيوني الذي كان سائداً) عدم التأكد، أو عدم الثقة الكاملة والتسليم النهائي للأفكار، بل يساعد تواتر المواد الإعلامية على تدقيقها من زوايا مختلفة، وإعادة تقديمها (أو نشرها) ما ينقح ويصقل منها أو يضع بعضها على محك الانتخاب فتظهر نسبة التاييد الحقيقي لها بعد التدقيق وتكبير الصورة، أو قد تنكشف خلال تلك العملية مدى صلاحية الأفكار فهناك خلافات حول مواقف سياسية معينة تبدو ساخنة لكن ليس لها تأثير بعيد المدى أو لا تجد كثيراً من الأنصار مستعدين لمنح اهتمامهم فترة طويلة أومواصلة التخندق حول الفكرة بمجرد تغير الظروف. هذا بالضبط ما يفعله إعلام الشبكات. وقد قوى الجانب النقدي في مجتمع الكنبة، مما يشكل إنقلاباً في طبيعتها، يحتاج فقط إلى مواصلة مجتمع الشبكات إنتاجه.

 فإذا كانت الدولة تستطيع أن تتحمل عبء ميزانية التلفزيون، وبعض الصحف الحكومية لفترة ما، فغيرها من إعلام خاص يعيش حالة تقلبات في هياكله نتيجة اختلاف نمط إنتاج المعلومات عن السابق، وهو الاختلاف الثوري الأهم إن لم يكن الوحيد حتى الآن منذ اندلاع الثورة، فلايزال يبحث أنصار الثورة عن درجة من "التمكين" تتيح لهم إنتاج شكل للحكم وتهيئة توازنات جديدة للصراع الإقتصادي والاجتماعي.

كانت المحاولة المنسوبة لعمر سليمان لتزييف استطلاع للرأي أجراه المجلس العسكري بين المرشحين للرئاسة هي أكبر وأهم محاولة من القوى التي فقدت سيطرتها الكلية على الإعلام لممارسة تأثيرها باستخدام أساليب التزييف، حيث تم استخدام شركة مزودة للبريد الشخصي كمنصة لعمل حسابات بريد وهمية تمكن الأشخاص من تكرار التصويت، وهي محاولة نادرة، حيث توجد ضوابط رقمية تفرمل وتعيق مثل هذه المحاولات، لكن هذه المحاولة التي أضافت 60 ألف صوت لعمر سليمان في يومين صعدت به إلى المرتبة الثانية بين المشرحين لم تكن إلا استكشافاً من بعض القوى الأمنية لإمكانية عمل اختراق، وهي إمكانية محفوفة بمخاطر الفضح، حيث كشفت صحيفة المصري اليوم عن شبكة من الأفراد تم استئجارها لتزييف "أكاونتات" حسابات شخصية من خلال مزود غير مشهور لخدمة البريد الأليكتروني، وهي محاولة تحتاج لقدر كبير من السرية لتنفيذها إلا إذا قام بها أفراد أمنيون يعملون في مؤسسة أمنية، وتظل قيمة المحاولة تافهة، فبإمكان شخص آخر إطلاق استطلاع آخر على الفيسبوك، وبعده آخرون وآخرون ما يعيد غربلة النتائج وإنتاجها بعيداً عن مؤثرات التزييف.

 ولم تكن هناك قيمة لاستطلاع المجلس العسكري إلا من ناحية توصيل رغبة جمهور النت للمجلس على أرضية من الثقة كانت قائمة بين الطرفين وتراجعت أو تضررت كثيراً بعدما أبدى العسكر طموحات في السلطة، وارتباكا فيما يعتبرونه الوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف، حيث بدا عدم صدقهم، وكشفت وثيقة الدستور طموحاتهم للبقاء سلطة أعلى من شلطة الشعب مما يعرقل طريق التطور الديموقراطي.
(يمكنك الاطلاع على خبر كشف شبكة تزييف الاستطلاع عبر هذا الرابط:
http://www.almasryalyoum.com/node/487185
)
في مقابل صعوبة عمل التشويش والتزييف في إعلام مجتمع الشبكات ظهرت أولى ملامح الصدام الحقيقي بين هذا المجتمع وما يمكن اعتباره "حزب الكنبة الحقيقي"، أو غير المتفاعل مع ما ينتجه مجتمع الشبكات، عندما نشرت صفحة "كلنا خالد سعيد" وهي أحد اقوى الأذرع الإعلامية للثورة على الفيسبوك، نشرت فيديو لمدرس يضرب أطفالاً صغاراً في مدرسة بقسوة، وأحياناً دون أن يكونوا قد ارتكبوا الخطأ الذي يحاسبهم عليه، كان النشر ضمن مجموعة من المواد حاولت الصفحة ان تفتتح بها مجالاً آخر لنشاطها بدأته بصور من مستشفيات للأطفال، ثم اعقبته بهذا الفيديو الذي أثار ضجة بين المتفاعلين مع الشبكات، لكن بالمقابل رد أهالي أطفال هذه المدرسة (وهم من المحلة أو بالقرب منها) بالتظاهر تأييداً للضرب!

 كان ذلك أولى نذر الصدام الحقيقي بين مجتمع بطريركي ساكن ومجتمع تفاعلي، لكن يبدو أن رد الفعل وتدهور أو تباطؤ مسار الديموقراطية بعد تماسك الثورة المضادة وإثارتها للفتن ولحملات التخويف قد أرجأ تلك المواجهة بين مجتمعين يعيش كل منهم ضمن منظمة قيم ونمط إنتاج للمعلومات متناقض. لمشاهدة الفيديو:
http://www.youtube.com/watch?v=qCbn4RWA_fM.



هل مازلنا نتكلم عن ثورة بالمعنى الكلاسيكي كتغير لعلاقات الإنتاج؟
نعم، إنها ثورة المعلوماتية، وهي رحلة طويلة ازاحت الصخرة الأولى التي أعاقت الطريق: حسني مبارك، وبدأت رحلة الطريق.
إن فشلنا في الوصول للحكم ولتغيير البلد .. لا تقلقوا .. نحن فكرة .. الفكرة لاتموت
تستمر لا تتوقف
البرادعي 15\10\2011

No comments:

Post a Comment