Thursday, September 27, 2012

لا يوجد عصر ذهبي


 


ما تفعله الأنظمة الشمولية أنها تهدم حق الفرد في تكوين  أفكاره، وأحلامه، لصالح حق الجماعة في رسم حدود لهذه الأفكار والأحلام. السيطرة على الخيال هو صمام الأمان لأي نظام شمولي، مدى السيطرة هو مقياس صلاحية النظام الشمولي، كلما سيطر أكثر امتدت فترة صلاحيته.

 لا يمكن أن تتوقع من أفراد منتهكة أحلامهم، وليس لديهم أيه ثقة في استعادة القدرة على الحلم أن يختاروا اختيارات تدعم حق الفرد في الخيال والحلم. بعضهم قد يجد نوعاً من التشفي في الآخرين الذين تقوم هذه الأنظمة بهدم ما شيدوه من أحلام، وتكسير ما بنوه داخل ذواتهم من قدرة على الخيال. البعض الآخر لا يهتم أصلاً بما يحدث.

لذا يعتبر إنتاج الإحباط والفشل والكراهية وعدم الثقة، ثم الخوف، أرضية ضرورية لمحاصرة "المارقين" الذين استمرت قدرتهم على إنتاج الخيال، وواصلوا التفكير فيما هو جديد بطرق لم يرسمها النظام المسيطر. 

الحب، المشاركة، الأمل، الحلم، الخيال، الجديد، التغيير، التطور، المستقبل، حق الاختلاف، التنوع، الثقة، حق الفرد، المحاولة، تكرار المحاولة، الخصوصية، جسد الفرد، الفرد وحدة مستقلة وعضو في أطر اجتماعية متعددة،  تميز القدرة الفردية لا التفوق بسحق الآخر؛ الآخر، النجاحات الصغيرة، الاستمتاع بالطريق وبالتجربة، الاحتفاء بالنجاح، حماية الضعفاء، مد يد العون للضعفاء، حق الضعيف في فرص الحياة، حماية الآخر حماية للذات، الإبقاء على أبواب مفتوحة لتصحيح الخطأ. العقاب ليس وحده وسيلة تحقيق العدالة، العدالة ممارسة، العدالة قابلة للتطور والتوسع؛ آلام كثيرة نتسبب بها دون أن ندري. الألم ظلم. العدالة وأيضاً الظلم قابلان للتطور والتوسع في معنى كل منهما، لا يمكن إيقاف الزمن.

لا يوجد عصر ذهبي، قراءة بعض الأسطر عن زمن استغرق مئات السنين، عاشه وتصارع فيه مئات الآلاف من البشر، سجلوا فيه تجاربهم في حدود الطرق المتاحة وقتها، وفي حدود تجاربهم المكبلة بمحدودية الإمكانات، وضعف المعرفة العلمية؛  لا يمكن أن تكفي أسطر قليلة لترسم صورة عن حياتهم في الأسواق والمعاملات، في الفرح والغيرة، والحسد، والتعالي، والتهور، والتسرع، والفقد، والحسرة، والتشفي، والضعف، والشغف، والطمع، والخوف، والمبالغة، والأنانية، والتردد، وحسابات أخرى كثيرة.

عصر الازدهار في مكان وزمان ما لا يعني أن الوصفة التي استخدمت صالحة لأزمنة وظروف أخرى، العصر الذهبي فكرة في المخيلة، تسيطر على الذهن، وتصور إمكانية حل مآزق الحاضر إذا تم تغيير مسرح الظروف ليتشابه مع وقت مضى كان قد شهد ازدهاراً، هذه خدعة عقلية مثل أي خدعة بصرية، خدعة يحتاجها العقل كمسكن أو مخدر يخفف من صعوبة مأزق الحاضر.

الأمل والمبادرة، والتعامل مع معطيات الواقع يختلفان تماماً عن الوصفة الجاهزة، لا يمكن أن تطلب من مريض تغيير المرض الذي يشكو منه ليلائم الأدوية المتاحة؛ فكرة العودة بالزمن لم ينجح فيها أحد ولم تتقدم بها جماعة بشرية واحدة!

 لا يوجد عصر ذهبي، ولا يمكن أن تهرب من الحاضر لأنك فيه وهو حولك، توجد أوقات محبطة نتخيل فيها الماضي بطريقة ذهبية، لأن من عاشوا في الماضي لم يواجهوا صعوبات الحاضر. لا يمكن إيقاف الزمن، ولم ينجح أحد في دفن الخيال؛ إنه يصحو عفياً كل مرة.

 

Tuesday, September 11, 2012

الأصابع الخفية



 

من يمسك بقبضة الأصابع الخفية الآن في عهد مرسي؟ من يحرك جوقة الإعلام التي عرَّت الثورة أقنعتها؟

 هل يملك وزير الإعلام الحالي حق تحريكهم وتوجيه ألسنتهم كما فعل نظام مبارك؟

 هل  يعملون لحساب شخص أو جهة لاتزال تقوم بتوجيههم؟

 من الذي كان يقبض على تلك الأصابع الخفية خلال فترة تولي المجلس العسكري السلطة؟  هل عملوا لصالحه؟ هل انتفعوا منه أو وعدوا بمنافع؟ ومن الذي يتحكم فيهم الآن؟

 هل تجري محاولات جس نبض لنقل الولاء إلى تنظيم الإخوان، أو إلى مرسي شخصياً وبطانته التي تشمل تحالفاً بين الإخوان وجهات عسكرية؟ أو إلى جهة أخرى من أجهزة المخابرات والأمن؟

 هل سيستخدم مرسي، بتوليفة حكمه المتصالحة مع كثيرين ممن كانوا يديرون الدولة في عهدي مبارك والعسكري، نفس الفريق الإعلامي الذي احترقت صورته؟ هل سيتم العمل على تجديد بعض الصور مثلاً، أو تطعيمها بمجموعة شباب جدد يتم تصنيعهم باعتبارهم نجوم ما بعد الثورة؟

من يمسك بقبضة هذه الأصابع التي اضطرتها الثورة لأن تتوقف عن التخفي وتسقط الأقنعة عن وجوهها؟

لم يكن خافياً أن جوقة الإعلام التي وقفت ضد الثورة وانحازت لنظام مبارك كانت منظَّمة، يتم توجيهها واستخدام تأثيرها على نوعيات معينة من الجمهور، بل ووضع كلمات محددة على ألسنتها، ينطبق ذلك على نجوم الرياضة -الذين وجدوا لأنفسهم فور الاعتزال شاشات ذات جماهيرية واسعة يطلون منها دون غيرهم من اللاعبين الموهوبين في الملعب-، والذين ربما يكونون أكثر موهبة وقدرة ودراية بالمجال الإعلامي، وينطبق ذلك على أنصاف وأرباع الموهوبين في مجالات الفنون والتمثيل والكتابة والصحافة.

من شوبير إلى مصفى يونس إلى إبراهيم حسن إلى مجدي عبدالغني ومصطفى يونس، إلى كثيرين ممن نصَّبهم نظام مبارك شخصيات عامة سواء كان مصدر شهرتها هو الفن أو الرياضة أو المحاماة (مرتضى منصور مثلا) أو الإعلام والصاحفة (الأخوان أديب مثلا)، اكتشفنا مع اندلاع الثورة أنهم كلهم منظمون، بل اكتشفنا أن بعضهم مكلف بأدوار معينة، عندما وجدنا تكراراً بين طريقة أداء المغني محمد فؤاد لدور الخائف أثناء الثورة مع نفس طريقته وأدائه عند أزمة مباراة الجزائر المفتعلة، التي أراد النظام بها أن يخلق معركة وطنية شعبية وهمية يصرف من خلالها طاقة الشباب! الطريف أن بعض هؤلاء اعترف ضمنياً معتذراً للجمهور عقب تنحي مبارك مثل الإعلامي عمرو أديب، ومضى دون أن يشرح لنا كيف تم توجيهه وما الأدوار التي طلبت منه، ولو حتى بشأن مباراة الجزائر التي كان له فيها دور ونصيب!

هل يمكن أن يطلب من محمد فؤاد مثلاً أداء دور لحساب مسألة يريد تحريكها رئيس الدولة الحالي، أو شخصية من الشخصيات ذات النفوذ والقوة داخل السلطة كوزير الدفاع مثلاً، هل يمكن أن يطلب من محمد فؤاد أداء دور بكائي يصرخ فيه نفس صرخاته لصرف الانتباه صوب موضوع أو باتجاه زاوية معينة من موضوع يشغل الرأي العام؟

من يملك مفاتيح صناعة الرأي العام في مصر؟ تلك الصناعة التي تعد أقوى أسلحة الدولة الإستراتيجية، والتي توصف دائماً عند الحديث عن الموازين الإستراتيجية في المنطقة العربية كلها، بأنها أحد أدوات القوة الإستراتيجية المصرية الإستثنائية؟

كيف آلت هذه الأدوار المهمة إلى أمثال محمد فؤاد وشوبير، ومرتضى منصور؟ من اختارهم؟ وبماذا كلفهم؟ وهل انتهى تكليفهم أم لا؟ هل يتقاضون الآن –كلهم أو بعضهم- مكافآت نهاية الخدمة مثلاً؟ هل يتم مكافأتهم من أموال الفقراء الذين قتل أو أصيب أولادهم ممن خرجوا دعما للثورة، بينما كان يحرِّض هؤلاء على قتلهم أو تجويعهم (إبراهيم حسن)، أو إرهابهم بـ "دانة مدفع" مثلما طالب ذلك الممثل الردئ الذي كان قد مثل يوماً فيلماً مزيفاً اسمه "طباخ الرئيس"؟

من هؤلاء؟

كيف دخلوا حياتنا وأصبح لهم قيمة في إعلامنا؟ هل كانت عفاف شعيب عفوية في ماقالته عن ألمها من تعطل الحياة وقت الثورة وعدم قدرتها على شراء بيتزا أو ريش لإبن اختها الذي شب قليلاً عن مرحلة الرضاعة؟! هل كانت عفوية أم موجهة؟ وكم قبضَتْ مقابل ذلك إذا كانت موجهة؟

كيف توقع بعض الإعلاميين حريق المجمع العلمي قبل نشوبه؟ عفواً كيف أعلنوه كخبر موثق قبل أن يحدث، فالتوقع أمر مختلف؟!

هل يجري تسليم ملفات معينة لوزير الإعلام الحالي تتعلق بأدوار أشخاص معينة، أو بعدم اعتراض طريقهم للوصول إلى الشاشة إذا ما جاءتهم أوامر من جهات أخرى بتنفيذ أدوار؟ من يملك السلطة على هؤلاء؟ من يملك تحريكهم فيملأون الإعلام صخباً بصراعات وهمية، كالتي أتحفنا بها أحمد شوبير ومرتضى منصور، وما إن قامت الثورة حتى اكتشفنا أنهما من فريق واحد!

سقط اشخاص من مناصب عليا، من مبارك إلى سليمان إلى موافي، أو هكذا خيل إلينا أنهم سقطوا، بينما تخايل أعيننا صورة أخرى في الخلفية، صورة عرفت بالخروج الآمن؛ لكن ماذا عن هؤلاء الكومبارس؟! ماذا تفعل بهم الآن تلك الأصابع الخفية التي كانت تحركهم؟ ومن يمسك بقبضة هذه الأصابع الخفية؟