Friday, April 26, 2013

هواجس عن التدين كوسيلة خروج عن القانون

توفر الميليشيات الإسلامية في مالي تأمين طرق تجار المخدرات
 
 
ليس مفهوماً لماذا يتمتع تجار مخدرات بعفو رئاسي كالذي قال المحامي أمير سالم أن الرئيس مرسي منحه لهم!
المعروف أن الإسلاميين في دولة مالي يسيطرون على طرق هامة تمر من خلالها تجار المخدرات القادمة من أمريكا الجنوبية بطائرات تهبط في صحراء شمال مالي، لتمر البضائع المحرمة في حماية ميليشيات إسلامية في طريقها للشحن مهربة من موانيء غرب إفريقيا لتصل لأوروبا. تقدر الأمم المتحدة المخدرات العابرة من هذا الطريق إلى أوروبا بحوالي 1.25 بليون دولار بأسعار البيع بالتجزئة.
قيام المليشيات الإسلامية في مالي بتوفير التأمين المسلح لتجار المخدرات يمتد لأكثر من عقد من الزمان، لكنه اتخذ منحى كبيراً مع تراجع السلطة المركزية لحكومة مالي إلى حدود لا تذكر، ما تطلب تدخل دولي. تبين صور المراسلين التي التقطوها من مدن في الصحراء كان يسكنها أباطرة المخدرات، أنهم تمتعوا بوفرة مالية ورفاهية كبيرة في العيش، قبل أن تقتحم القوات الفرنسية التي أتت لتدعم القوات الحكومية المحدودة هذه المدن، فيهرب التجار والميليشيات إلى دروب لا يعرفها إلا هم في صحراء تنخرها الرمال المتحركة، ولا يعرف مساربها إلا أدلاء مدربون يقودون طرق سير هذه البضائع الثمينة المحرمة.
تجارة الإسلاميين أنفسهم بالمخدرات –رغم تحريمهم لتعاطيها – مسجلة في أفغانستان وفي لبنان، لكن نظراً للتبرعات السعودية لطالبان، والدعم الإيراني لحزب الله، لم تمثل هذه التجارة مصدراً أساسياً لتمويل السلاح. إلا أن المنظومة القيمية للإسلاميين تجتر وتبتلع هذا العمل داخل آلياتها في صمت لا يوجد شك في أنه يمتزج بأي نوع من الخزي أو الخجل!
نحن نعرف أن نزعة الخروج على القانون، تسهل تبرير مثل هذه الأفعال بأن مستهلكي المخدرات هم من "الضالين" وهم من "الفاسقين" الذي "أضلهم الشيطان" وأنهم "أعداء الدين"، وما إلى ذلك من ترسانة الكلمات التي أصبحنا مدربين على الاستماع إليها منهم لتبرير نقاء وطهرانية لا يراها غيرهم في أنفسهم!
بكل سهولة يمكن لأي إسلامي أن يتحفنا بتفسير عجيب لآية أو لحديث، ويرفض كل ما يقبله العقل والمنطق والقانون، وأيضا قواعد التفسير. ثم يقول أنه لا يخضع لما نعتبره "قانوننا" لأنه لا يقبل بسلطان عليه لغير الله.
هذه الأطروحة أعلنها قبل يومين فقط أحد الشابين المتورطين في مونتريال في التخطيط لتفجير قطارات في كندا والذين تم القبض عليهما الأسبوع الماضي! هكذا قال للمحققين؛ لا أعترف بقانونكم وليس لي من قانون إلا كتابي المقدس!
تكتمت السلطات الكندية في البداية الإعلان عن هوية الشابين اللذين أوقعت بهما ربما تجنباً لإثارة العداء، ثم أعلنت أن اسم عائلة الأول هو: الصغير من تونس، والثاني جاسر مولود في الإمارات! لم أتابع كل تفاصيل الإعلان لكني شعرت بخجل كبير، وقلق أكبر على مستقبل الجالية العربية المهاجرة لهذا البلد.
كيف تتسرب مثل هذه الأفكار -بالمناسبة قائلها يدرس الدكتوراة!- وكيف نحصن أبناءنا ومحيطنا من هذا المرض البشري الذي يتمكن من الخروج على القانون بسهولة، ويستقطب المهووسين بالقتل؟
لا أعرف مدى صدقية التقارير التي تتكلم عن نشاط مسلح لإسلاميين في سيناء لا يعترفون بالرئيس محمد مرسي رئيساً إسلامياً! لكن لو صح، وهو ليس ببعيد عن الطابع العام لهذا الهوس، فما العمل مع إمكانية استخدام الدين في مثل هذا الخروج عن القانون؟
 
بيت لأحد أباطرة المخدرات في مدينة جاو بمالي  
                                  
 

Monday, April 22, 2013

ذو الجلباب الأبيض




ليس معروفاً على وجه التحديد ما عنصر الجذب في تلك الصورة لتثير كل ذلك الخيال!

 هل هو غرابة الزي عن موضع التقاط الصورة، كوبري 6 أكتوبر أحد أيقونات المدنية في العاصمة المصرية، أو أنه غرابة حركة العنف التي سجلتها الكاميرا، أو أنه جوهر الشخصية الذي انكشف في لحظة ما، فأمسكت به العدسة وأصبح عسيراً على الشاشات أن تفلته دون أن تمارس – كرد فعل- كل أساليبها في الدفاع عن النفس، من زوم وتكبير وحذف وتظليل وإضاءة وتركيب، وغير ذلك من أدوات الفوتوشوب التي تجلو معنى الصورة وهي تمارس ما يعرف بالتحريف بواسطة برنامج تحرير الصور!

الصورة من "عركة" نشبت بين موالين للإخوان احتشدوا عند دار القضاء العالي مطالبين بتطهير القضاء يوم الجمعة الماضي، وهو حشد وصفت غايته بالتضليل حتى من أقرب حلفاء الإخوان (السلفيون)، فليست مشكلة القضاء بالعائق الأكبر في موضوع العدالة الغائبة في مصر، ولا في صراع الطعون وتوجيه اللكمات السياسية من خلال رفع القضايا على الخصوم، الجزء المعتم من عملية العدالة لايزال في قبضة السلطة التنفيذية أولاً، والتي انتقلت ليد الإخوان أنفسهم، وما العيب في القضاء إلا ذريعة لتحقيق مكسب سياسي بفرض درجة من الهيمنة على السلطة القضائية، كما أنه وسيلة للفت الانتباه عن تقاعس السلطة التنفيذية في إصلاح أدائها للجزء الخاص بها في موضوع العدالة.

الوعي بموضوع التضليل السياسي ذلك لم يكن واضحاً بدوره لدى من تحرشوا بحشود الإخوان، قد يكون الأمر مجرد حلقة في دورة مفرغة من الانتقام تدور الآن بين الإخوان وبين من تعرضوا للعنف من إخوانجية كانوا قد هاجموا متظاهرين ومعتصمين عند الاتحادية، مفتتحين دورة عنف تكررت مشاهدها في المقطم والعباسية، تقول بعض الشهادات أن الإخوان أنفسهم تضرروا منها ربما أكثر من خصومهم، ويظل البادئ أظلم!

لكن التحريف الواعي لتلك الصورة استوقفني، فقد تناولت موضوع "فن الجماهير"1 مع انفجار سيل الجرافيتي الذي أحدثته الثورة، ومعه فنون أخرى يبدعها مجهولون أو مغمورون أصبحت صوت الثورة، ثم تناولت سقوط الإعلام الرسمي بواسطة الثورة ومواقع التواصل الاجتماعي في معالجة أخرى لمعنى "حزب الكنبة"2، ولم أفكر في الرجوع للموضوع، كنت قد اقترحت على صديقي العزيز الناقد السينمائي أحمد يوسف التفكير في عمل مشترك نرصد فيه ملامح من الجرافيتي ومن اسكتشات كومديانات الثورة وكذلك أغانيها، لكن الاقتراح لم يتطور.


وثَّقت الثورة صور العنف بكثير من الألم، وهو ما حاولت كشفه عملية "التحريف" بالفوتوشوب لصورة قاذف الحجارة الذي يرتدي جلباباً أبيض ناصعاً ويعتمر طاقية بنفس اللون. الألم لم يغب عن كل صور الثورة، الدماء على الشوارع بكل الأساليب، وعيون النبلاء المفقوءة، لكنه تراكم طبقات، حتى جاء قاذف الحجارة بحركته التي تخدش توقعاتنا التقليدية عن شيخ يرتدي جلباب يوم الجمعة من صورة تتسم بالسماحة ليكحت شيئاً من تلك الطبقات، موجها أبصارنا نحو أيقونة جديدة لمرتكبي العنف.

صاحب الجلباب الأبيض ليس قناصاً، وليس عسكرياً يسحل فتاة، وليس من فرقة جنود تبطش لتحرر صينية الميدان – لو تذكرون- إنه وجه جديد ليس فقط على هذه الدرجة والنوعية من العنف، إنه وجه جديد على المدينة؛ على هذه الرقعة تحديداً من المدينة. هنا ألم لم يكن ليمر دون تثبيت الصورة وتكبيرها.

في الصورة أيضاً تناقض كان عصياً التقاطه بعدسة؛ تناقض القيم الريفية والمدنية الذي تعيشه الثورة؛ قيم العزوة والمكر والاستقواء بالغلبة، ووضع اليد من أجل مساومات تسعى للمحافظة على القديم، وترسيخه وزيادته، تلك المنظومة الأعم التي يسرت تفاهمات المتدينين والجيش الذي تغلب عليه الأصول الريفية. في مقابل قيم التحديث والشبابية التي تتسم بالمرونة وانفتاح الخيال؛ بالضبط كما فعل محرر الصورة ببرنامج الفوتوشوب تاركا لخياله العنان، وهو بالمناسة قد يكون أكثر من محرر ومحررة، كما أن برامج تحرير الصور عديدة أشهرها الفوتوشوب.

في كل الصور سؤال: من أنت؟ في كل تركيبة تقريباً شعرت بهذا السؤال؛ من أنت لتغزو عالمي بكل هذه الجرأة؟ من أنت لتقتحم خيالي، من أنت لتفرض نفسك على عالمي؛ سواء كان عالم البوكيمون أو الألعاب الرياضية التي أروي بها أحلامي وأنا أتابع نجوم اللعبة الرياضية، أو أرسم في ذهني أيقونة لتمثال الحرية؟

ألست تشبهني؟ أليس بينك وبين "عمرو حمزاوي مثلاً" شبهاً؟ هل يمكن أن أشبههك؟ هل اقتحمت عالمي لتضعني في قالب وتصنع منِّي نسخة تشبههك؟ هل جننت؟

كل نسخة تحريف في هذه الصورة، بواسطة برامج تحرير الصور، سؤال لا يطمع في إجابة. إنه ألم يحرك الصورة.
هوامش:
1- للاطلاع على موضوع فن الجماهير: http://ahmed-gharib.blogspot.ca/2011/09/blog-post_4096.html
2- للاطلاع على موضوع حزب الكنبة: http://ahmed-gharib.blogspot.ca/2011/10/blog-post_30.html

Friday, April 12, 2013

شفيق والسادات وناصر.. كمان وكمان


 

Artist.INNERFIELDS , Brussels, Belgium- From Street Art Save My life

 

لعلها الثمرة الوحيدة حتى الآن؛ تلك الخصوبة الكبرى في فتح ملفات الوطن، والدين، والرئيس، وفكرة القيادة، وماذا نريد من الدولة، بل وكيف نستخدم ديننا، ونفهم تاريخنا.

لا أستهين بهؤلاء الذين ينشرون صورة للرئيس السادات على الفيسبوك ويكتبون جوارها مواقف ينسبونها إليه، وبعضها لم يحدث أو لم يتم بهذه الكيفية ولم يكن له علاقة بذلك الأداء البطولي الذي تحمله العبارة أو التعليق المنسوب للسادات. القصة بهذه الطريقة أقرب لبنية الأمثولة الشعبية، وهي دليل خصوبة أن الوعي الجمعي قلق، ونشط، يفتش في ملفاته، ويعيد صياغة وضبط زواياه.

لجمال عبدالناصر حظ طيب في عملية تقليب التربة هذه؛ ثمة جوع للقيادة!

لا تقلقني أيضاً فورة الاهتمام بالمرشح الرئاسي أحمد شفيق، فدوره السياسي لم يخرج عن سيناريوهين؛ إما أنه مجرد رهان فاشل للمؤسسة العسكرية كانت تأمل منه تقديم شخص يعيد إنتاج نظام مبارك، لكن لأن الرجل شخصية طاردة للكتلة الجماهيرية التي تنشد التغيير وضحت من أجله، اضطر الجيش بسبب ضعف أسهم أحمد شفيق لقبول البديل الإخواني، باعتباره البديل الوحيد الذي عرض إمكانية الترتيب والتأمين لمصالح الجيش وللمصالح الأمريكية.

أو أن شفيق مجرد كارت محروق تم الاستعانة به لتبرير البديل الإسلامي الذي كان موضع توافق بين أميركا والجيش، وتشهد الساحة الأفغانية حالياً ثمار هذا التوافق، فحتى أحداث الألغام التي كانت تصنفها القوات الأمريكية على أنها انفجارات غير متعمدة لألغام كانت قد زرعت في السابق وأدت لقتل أو إصابة جنودها دون قتال، حتى هذه توقفت تماماً، وأغلق ذلك الملف الذي كان يصنف تحت بند انفجارات عشوائية - وليس قتالاً- لتفادي مواجهة ضغوط الرأي العام في دول التحالف الغربي.

فشل سياسات الإخوان أقلق الناس على الدولة نفسها، وليس فقط على تخبط السياسات لفترة من الوقت، أو افتقاد البوصلة خلال فترة رئاسية يمكن تداركها عندما تتاح صناديق الاقتراع في المرة القادمة.

القلق التقى أيضاً مع عملية جرد مستمرة للمسكوت عنه والقضايا والتساؤلات المؤجلة، انخرط الوعي المصري في عملية الجرد هذه مستخدماً وسائل الإعلام التفاعلي، ومواقع التواصل الاجتماعي كقائد لمنظومة الإعلام الجديد بعد الثورة والتي لحقت بها الفضائيات، لكن الجرد أصاب أيضاً مستويات تحتية مثل دور الدين في حياتنا، وليس فقط دور رجال الدين، وهو دليل خصوبة الجرد.

دائماً ما طُرحت قضية الحكم والحاكم داخل قالب نمطي: علاقة الحاكم بالمحكوم؛ يكاد الأمر أن يكون ضارباً في التاريخ بكل مستوياته الفرعونية والقبطية والإسلامية، والأخيرة تستعذب وتستسيغ هذا الأسلوب في الطرح، حيث يسهل على الأتباع والموالين نشر حكايات عن تجول الحاكم أثناء الليل، وقيامه ببعض المبادرات التي تسند الضعفاء، فيهدأ الاحتقان الشعبي وتتشتت المعارضة.

فشل مبارك في الحفاظ على هذه العلاقة ارتبط بفشل إدارة وسائل النقل الجماعي الحديثة؛ أمر ضرب عمق شرعيته كقائد للطيران العسكري يوما ماً، غرق سفن، حوادث قطارات، سقوط طائرات، والأنكى أن الرجل لم يظهر مشاعر مقنعة بمشاركة ومواساة أهل الضحايا، والخوف على ضحايا محتملين.

ما يطرحه شفيق الآن هو تلك النبرة القوية التي توحي بقدرة خادعة على استعادة الأمن المفقود، لكن نظرته للشعب هي أنه لا يستحق الحرية. الرجل نفسه عاش وبنى نفسه داخل منظومة تحتقر الانتخابات وتدوس على رأي الصندوق، ولا تعمل على تحسين الأوضاع الاجتماعية للشرائح الضعيفة، بل تعتبرها عبئاً غير قابل للتوظيف من قبل أدوات الدولة لتحقيق إنتاج.

 حماقة الإخوان المسلمين ليست فقط في طمعهم في كل السلطة، ولا انقلابهم على من فتحوا لهم الطريق، ذروة الحماقة أنهم ظنوا أن العنف سيقضي على استعداد الناس المشاركة في مليونيات، وسيقيد عملية مواصلة التظاهرات الشعبية الداعمة لمطالب متعددة من السياسة إلى الإقتصاد. عنف الإخوان لتطفيش الناس من المليونيات أدى لعودة بعض القيمة لشفيق، للأسف، لكنها وهذ هو الجيد في الأمر لا تكفي وحدها لتوجيه الرأي العام القلق بشدة، والذي يناقش كل مستويات علاقة الإنسان بالدولة في وقت واحد.

ثمة قناعة أن منصب الرئيس شاغر حالياً، وأكثر من يؤمن ويتعامل مع هذه القناعة كحقيقة هو مكتب الإرشاد، لذا يحاولون أن يستحوذوا على كل ما هو ممكن من أدوات وعناصر التحكم، شركات، مناصب، قوانين مساعدة، أي شيء؛ إما التمكين أو امتلاك أوراق كثيرة للتفاوض للبقاء والمشاركة. الخروج من اللعبة هذه المرة يعني النهاية بالنسبة لهم، الخروج يعني طريق هلاك حقيقي وليس كما كان خروجهم بعد الصدام مع عبدالناصر.

إنها لحظة قلق حقيقية، من الطبيعي أن تقفز على سطحها صيغة "علاقة الحاكم بالرعية" فيفتش الوعي في ملفاته القديمة، ويستدعي آخر نسخة من ذلك القديم، شفيق، أو حتى جمال مبارك. هذا ليس نكوصاً بقدر ما هو كسل من منتجي الخطاب السياسي الجديد في الوصول لشرائح من هؤلاء القلقين، وربط الصيغة المعتادة بالنسبة لهم مع مستويات أخرى مفتوحة بالفعل للمناقشة.
 
جرافيتي من المحلة