Saturday, February 16, 2013

مراجعات الإسلاميين والحاجة إلى تنوير جديد- قذائف محمد الغزالي نموذجاً



 
 

هل تختلف ثقافة الإسلاميين عن ثقافتنا؟ لماذا تتعثر كثير من محاولات النقاش والحوار بين الإسلاميين وغيرهم عبر وسائط الإعلام التفاعلي كالفيسبوك؟
توجد داخل برامج التثقيف في كل الجماعات والتنظيمات الإسلامية قوائم لكتب تسمى "كتب التكوين"، وهو أمر طبيعي أن يوجد برنامج تثقيفي تعليمي لأية رابطة، سواء كانت رابطة شبابية أو أدبية، أو لجماعة دينية أو حركة فقهية؛ لكن كيف كتب الإسلاميون كتبهم تلك، وفي أية ظروف وضمن أية تفاعلات وصراعات سياسية على السلطة؟

ألا ترتبط أشهر حركات التكفير في القرون الأخيرة بصعود ما يعرف بالإسلام السياسي، والخروج من تحت عباءة الإخوان المسلمين؟ ألم تخرج من تحت نفس العباءة جماعات الجهاد والجماعة الإسلامية المعروفتان بالعنف ضد المسلمين المصريين وضد الأجانب على السواء؟

ما هذا الإطار الثقافي الذي تفاعل معه أبناء وبنات هذه الجماعات بما فيها السلفييين الذين نبذوا كثيراً من مظاهر وعلاقات الحياة الحديثة، بل وحياة المجتمعات الإسلامية وقت ازدهار الخلافة نفسها في العصور الوسطى، وولوا وجوهم شطر زمن أبعد كانت التجمعات البشرية للمسلمين فيه عبارة عن أعداد محدودة من السكان في مدن صغيرة لا تتشابك فيها العلاقات والمصالح والأعمال كما حدث في عصور تالية؟

هل يمكن مراجعة الكتب والكتابات التي شكلت وعي الإسلاميين خلال سنوات العمل السياسي السري والعداء مع سلطة الدولة؟ هل رأيتم أو شهدتم أية مبادرة من الإسلاميين تراجع وتعدل تصوراتهم وكتاباتهم عن الحياة الاجتماعية وأنظمة السياسة والإقتصاد ومفاهيم الترابط المجتمعي في ضوء خروجهم للضوء، وبلوغهم أعلى المناصب في الدولة؟ هل سمعتم أن صفحة واحدة من "مشروع النهضة" الذي وصفه المتحدث باسم رئيس جمهورية مصر بأنه "مشروع فكري قيد الكتابة"؛ هل سمعتم أنها كتبت بالفعل؟

في السطور التالية أعرض نص مقال مميز يعد محاولة اشتباك حقيقة، ومحايدة، مع أحد منتجات بدايات عصر ما يعرف بـ "الحركة الإسلامية" التي انطلقت في السبعينات، مقال حول كتاب "قذائف الحق" الذي كان قد كتبه الشيخ محمد الغزالي وللأسف شكل وعي كثير من الإسلاميين بصبغة عدائية تجاه شركاء الوطن الأقباط. كتب هذا المقال زميلي الصحفي والروائي محمد عبدالعاطي، الذي صدرت روايته الأولى المميزة "ماذا حدث في اليمن؟" حديثاً، وقد استأذنته في نشره، على أن أعود للتعليق بعده:

"قبل يومين أو ثلاث نشرت خاطرة بمناسبة اختيار بابا جديد للأقباط وفي طياتها ترحمت على البابا السابق شنوده، ثم فوجئت بعدها ببعض أصدقائي من الإسلاميين يستنكرون ذكر الرجل -في جانبه التربوي والفلسفي- بخير، والبعض الآخر يرفض سؤالي الله عز وجل الرحمة له بحجة وجود فتوى تحرم ذلك، والحق أني حذفت التعليقين المشار إليهما خشية مزيد من صب زيت الاحتقان الطائفي على النار، خاصة في وقت نحاول فيه تعزيز الوحدة الوطنية لاجتياز هذه المرحلة المهمة من تاريخنا السياسي، وقد سألني أحد كاتبي التعليقين وقال معاتبا إن كنت قد قرأت كتاب قذائف الحق للشيخ الغزالي أم لا، فرددت عليه أني قرأته منذ أكثر من عشرين عاما، ثم انتهى الموضوع عند هذا الحد، أو بمعنى أدق انتهى على صفحة الفيسبوك  لكنه استمر يشغل عقلي ويثير لدي العديد من الأسئلة: ألهذه الدرجة لا يمكنني كمسلم أن أقول لعبد غير مسلم الله يرحمه، غفر الله له، إلى آخر هذه العبارات التي تدل على حب الخير للإنسان أيا كان دينه أو عرقه حيا كان أو ميتا؟ ألهذه الدرجة يظل كتاب ألفه صاحبه عام 1973 متحكما في نظرة أجيال متعاقبة من المسلمين لإخوانهم شركاء الوطن؟
الأمر الذي جعلني أعيد قراءة الكتاب مجددا لعل نضجي العقلي بعد عشرين سنة يكون عاملا مساعدا في تقييم هذا الكتاب ووضعه في إطاره الصحيح.
واضح من الكتاب أن الشيخ الغزالي ألفه على عجل حينما كان مدعوا إلى المغرب لإلقاء بعض الدروس الدينية، ويبدو أنها دروس المجلس الحسني التي اعتاد ملك المغرب الراحل الحسن الثاني تنظيمها في رمضان، لأن الشيخ الغزالي يتحدث عن أنباء تأتيه عبر المذياع تخبر ببوادر حرب بين العرب واليهود (حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر 1973). ومعنى هذا أن الغزالي لم يكن في بلده إبان تأليف الكتاب، وهذه اللفتة أذكرها لأني سأعود إليها بعد قليل.
بعد ذلك يبدأ المؤلف حديثا عن عظمة الكون واتساعه وعظمة الخالق وإبداعه ويستدل بالآيات القرآنية على صفات الله التي تتجلى فيها هذه العظمة كالعليم والقدير والمحيط...إلخ، ومنها ينتقل إلى مقارنة التصور الإلهي في الإسلام مع تصور التوراة والإنجيل وينقل نصوصا تتحدث عن إله يتعب ويستريح ويصارع ويكاد يصرع إلى آخره.
إلى هنا ويمكن قبول ما ذكر من باب علم مقارنة الأديان، وعلى اعتبار أن في الأمر متسع للقيل والقال مما يمكن للمتخصصين في الأديان الإبراهيمية الخوض فيه.
ومن هذا الفصل الذي سفه فيه الغزالي عقيدة اليهود والنصارى وانتصر لعقيدة الإسلام انتقل إلى التقرير الأخطر الذي من أجله ألف هذا الكتاب وبهذه السرعة التي سبقت الإشارة إليها ألا وهو تقرير / مخطط البابا الجديد الذي تولى البابوية منذ عامين فقط (البابا شنوده 1971) لإضعاف الإسلام والمسلمين وتقوية المسيحية والمسيحيين في مصر.
التقرير منسوب كما يذكر الغزالي إلى أجهزة الأمن المصرية والتي استطاعت أن تغرس جهاز تسجيل في كنيسة الإسكندرية وتسجل وقائع لقاء خاص ترأسه البابا شنوده بعد انتهاء القداس وانصراف العامة من المسيحيين وبحضور رجال الدين وبعض أثرياء الإسكندرية من الأقباط.
واضح أن الشيخ الغزالي لم يسمع بأذنيه هذا الكلام المنسوب للبابا شنوده لأنه يقول «ومبلغ علمي أن الخطاب مسجل بصوت البابا نفسه ومحفوظ، ويوجد الآن من يحاول تنفيذه» ص 77.
ومعنى هذا الكلام أن الشريط -في حال ثبوته- قد تم تفريغه من قبل أجهزة الأمن وإرساله للغزالي في المغرب للرد عليه. ومعروف ما للشيخ من عاطفة دينية مشبوبة وغيرة متأججة على الإسلام، ومعروف عنه كذلك سرعة غضبه ومضاء سيفه الذي ينافح به عن دينه حينما يشعر أن الخطر يتهدده.  ما أريد قوله إنه لا يجوز في واقعة خطيرة كتلك التي سربتها أجهزة أمنية معروف عنها أنها ليست فوق مستوى الشبهات (كانت أحد مسببات ثورة يناير)، وفي وقت اشتداد الصراع السياسي بين البابا والرئيس السادات أخذ هذا الكلام على محمل التصديق واليقين ما لم يثبت صحة نسبه إلى مصدره كلمة كلمة وحرفا حرفا. ولا يجوز أن يبقى كتاب له تأثير كبير هكذت على الإسلاميين وأحد محددات الصورة الذهنية عندهم عن شركاء الوطن دون أن تعلن الدولة في عهد الرئيس مرسي موقفها من هذا الكتاب. هل تؤكد الدولة صحة الاتهام الخطير الذي جاء فيه؟ إن كان الشريط عندها فلتضاهيه بنص ما هو منشور في الكتاب وتعلن الحقيقة على الملأ، وإن كانت معلومات الدولة المصرية في عهد مرسي أن الشريط ملفق والحادثة من ألفها ليائها مختلقة وأن الساسة استدرجوا الشيخ الغيور على دينه وخدعوه بما وضعوه بين يديه فلتعلن ذلك وليتم منع تداول الكتاب. الشيخ الغزالي يقول إن لجنة لتقصي الحقائق قد شكلت ونفت صحة الخطاب المنسوب للبابا شنوده لكنه يعود فيشكك في مصداقية تلك اللجنة بحجة أن رئيسها "شيوعيا كارها للإسلام" دون أن يصرح بأنه استمع بأذنيه إلى كلام البابا، والسؤال الكبير حقا: إذا كان الشريط موجودا كما أكدوا للغزالي فلماذا لم يستمع إليه قبل نشر الكتاب؟ ولم العجلة في نشره وهو مقيم في المغرب بعيد عن الوطن؟ وما الذي دفع نظام السادات لأن يسارع بإرسال ما يسمى تفريغا للشريط إلى هذا العالم الجليل؟"
 رسم للشهيدين مينا دانيال وخالد سعيد
لا أعرف لماذا يكره شيوعي "دين" الإسلام، فينحاز لـ "دين" المسيحية؟! لكن على كل؛ لدي عدة نقاط هي كالتالي:

1.      نحن بحاجة لحركة تنوير جديدة، لموجة عصرية كتلك التي انطلقت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين وأثمرت كتابات أصبحت رصيداً كبيراً في المكتبة الإسلامية، وهي ما تعرف بإسلاميات طه حسين والعقاد ومحمد حسين هيكل، وآخرين. لقد تمددت الكتب الشعبية التي تباع بأسعار زهيدة أمام المساجد منذ السبعينات على بساط الرغبة القوية لدى قطاعات عريضة من الشعب في المعرفة عن الدين الإسلامي، وانعزلت الحركة الثقافية عن تلك التطلعات، والتي تتجد موجاتها كل فترة، وكانت موجة أربعينات القرن العشرين مثلاً ذات نزعة أدبية وجمالية، تتطلع لكتابة السير والتراجم عن أعلام الإسلام ومشاهيره ومحطاته الكبرى في وقت ترزح بلاد المسلمين كلها تحت الاستعمار. بينما ملأ كتَاب "الحركة الإسلامية" ظمأ البسطاء إلى تفسير يرضي عواطفهم المجروحة من الهزيمة؛ هزيمة 67 والهزيمة الأكبر لتنمية حياتهم وانتشالهم من الفقر ومن حالة انعدام العدالة، والهزيمة الكبرى أمام انعدام المساواة الذي بلغ حد التناقض والعداء بين الريف والمدينةمن جانب وبين بلادنا وبلاد الغرب من جانب آخر. كانت الأرضية مستعدة لتوجيه مشاعر "العداء" وقد تفاعلت كتابات "الحركة الإسلامية" مع هذا المطلب وشكلت مسارات العداء بما يحقق الاتساع الجماهيري لها، ويخصم من سلطة الدولة، ويعيد تشكيل الروابط وفق منطق الولاء لا الانتماء، ومعروف أن الولاء يغذي الرابطة تجاه جماعات الحركة الإسلامية، أما الانتماء فيعزز الرابطة تجاه الدولة.

2.       تتسم المرحلة الراهنة، عقب موجات الثورة التي استمرت عامين، بالجدلية، ويشكل الإعلام التفاعلي ( خاصة الفيسبوك والمدونات واليوتيوب تويتر) وشاشات الإعلام الخاص التي ركضت خلف صفحات الإعلام التفاعلي، تشكل كلها فضاء أساسياً لتفاعل واستيلاد الأفكار، وهو ما يعزز الرغبة والنزعة صوب كسر الهيمنة، سواء كانت هيمنة أسماء معينة من منتجي الثقافة والمعرفة، أو من المؤسسات. ببساطة يمكن لصفحة مميزة على الفيسبوك يحررها مجموعة شباب أن تؤثر أكثر من أوباما أو أي زعيم سياسي، أو حتى أكثر من صفحة "كلنا خالد سعيد" إحدى أيقونات الثورة المصرية. ويمكن لمقال على مدونة أن يؤثر مثل تأثير عمود لكاتب مشهور في صحيفة كبرى، بل إن تعليقات القراء كثيراً ما تكون أنضج من محتوى نص العمود، ولكم في مقالات الأستاذ فهمي هويدي منذ أزمة الإعلان الدستوري الإنقلابي في نوفمبر 2012 مثل واضح، حيث يتبارى المعلقون بلغة عربية أنيقة متقنة في دحض تبريرات الأستاذ هويدي وبأسلوب مختزل رشيق، أجد متعة شخصية –عن نفسي- في متابعته على صفحة جريدة الشروق!

3.      تختلف النزعة الجدلية الحالية كلية عن جولة الصراع التي شهدها عقد التسعينات مثلاً، والتي كانت مقالات الدكتور نصر حامد أبوزيد عن شركات توظيف الأموال إحدى أهم معاركها في تقديري، ومنها تدحرجت الأمور إلى تكفير أبوزيد بمباركة أجهزة الدولة التي كان قد انتقد تواطؤها مع مستثمري الإسلام السياسي فيما يعرف بـ "توظيف الأموال"، فتحركت قضية التقليب في كتاباته الأكاديمية لتكفيره وتفريقه عن زوجته. كانت تلك الجولة فردية وبدون جمهور، وتدور على خلفية اغتيال د. فرج فودة ومحاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ. المشهد الحالي مغاير تماماً لذاك المشهد الذي أصاب أيقونات ورموز وسط غياب الاهتمام الجماهيري بالحدث. المشهد الحالي شعبي جماعي، مليء بترقب الجماهير ومتابعتها، حتى لو كانت ترفع صوتها مرهقة من كثر الجدل؛ هي تتابعه وهذا صوتها أثناء المتابعة.

4.      ثمة مبادرات شبابية مثل "سلفيو كوستا" و"أزهريون بلا حدود" و"أزهريون مع الدولة المدنية"، وغيرها، تمثل قاعدة جديدة من الإسلاميين والمتعاطفين مع التوجه الإسلامي، إضافة إلى كثير من المستقلين ممن أطلقت الثورة طاقاتهم، وهم تواقون لرؤية جديدة حيوية عن الإسلام، تنطلق من العاطفة الدينية. ستشكل هذه  الجموع قاعدة أساسية للتفاعل مع موجة تنويرية جديدة تتفاعل مع التراث الإسلامي برؤية تعزز صورة المسلم الإيجابي التي أطلقتها الثورة، المسلم الذي يقول كلمة حق عن سلطان جائر، فيحاصر قصره ويعتصم ويشكل أطراً سياسية لحركته ويظل يبادر ويبادر، هذا الإنسان يحتاج إلى رصيد جديد من المعرفة الإسلامية يلبي احتياجاته تلك. تحتاج فتيات هذه القاعدة الجماهيرية إلى نظرة جديدة إلى المرأة لا تلف وتدور حول معاني وإيحاءات الشك في جسدها وسلوكها ومحاولة ضبطه، ثمة امرأة جديدة مبادرة تحتاج لرصيد معرفي يعزز من صورتها ومن النمط الذي جسدته المرأة المبادرة في الثورة، ويوصل صوتها الذي تتواطأ السلطات على قمعه. نحتاج لمعرفة جديدة بالإسلام عن نموذج إنساني للمسلم – مثلاً- ينتقل من البداوة إلى الحضارة، وينفتح على اللغات والثقافات الأخرى، وقد فعل ذلك تاريخيا بالفعل، بل كان احتفاءه بالمعرفة التي نقلها عن اليونانيين الجسر الذي احتفظت به البشرية بإرث الحضارة اليونانية، لكن ما الذي يرسخ ملمحاً لهذا النموذج الإنساني في تراثنا المعرفي المتداول عن تاريخ المسلمين مثلا؟ نحتاج إلى معرفة إسلامية ترسم أدواراً أخرى وعلاقات أخرى لصورة المسلم، غير تلك الصورة الجهادية، أو المتحفظة العدائية. نجتاج إلى تعزيز النموذج الإنساني النقدي، وتقليص مساحة النموذج الذي يسلم بالأمور للسلطة الدنيوية، أين الإنسان الرافض الناقد الذي يغير الأمور من حال لحال دون أن يجرم بالخطيئة؟

5.      الاشتباك مع الرصيد الفكري لتيار الإسلام السياسي ضرورة حيوية، هو بمثابة علاج جراحي لأتباعه الذين امتصوا هذا الرصيد المعرفي في ظروف من العزلة، وأنتجوا الرصيد نفسه ضمن ظروف مشوهة محكومة بأهداف إزاحة السلطة وكسرها حتى لو تطلب ذلك كسر الدولة. من تلقوا هذه التعاليم يعانون الآن أشد المعاناة بعدما انفتحوا عبر الثورة واضطروا لمحاورة الآخر بصفته شريك في الوطن. أفكارهم –مثلاً- عن الأقباط يناقضها كل ما فعله الأقباط خلال الثورة! أفكارهم عن من يسمونهم هم "الليبراليين والعلمانيين" تخلق عاطفة عدائية مناقضة للوطنية وتجافي الدور الوطني لهؤلاء والقيمة المعرفية لثقافتهم ورصيدهم من الإنتاج الفني والثقافي! أبناء الإسلام السياسي بحاجة الآن لتعريفات جديدة لا يستطيع رموزهم تقديمها، لأنه تغلب عليهم جميعاً النزعة التنظيمية التي غلبت على التيار الإسلامي على حساب المبادرة الفكرية، وقد قدمتُ تحليلاً لذلك في مقال "الإسلام السياسي.. الحاكمية.. والبطولة الغائبة"(1). وبينما يجد الإسلاميون أن من تقدموا الصفوف من بينهم بحكم القدرات التنظيمية، وأهمها الانضباط والطاعة، يتولون مناصب في الدولة ويبدو عجزهم واضحاً عن التصرف مع الواقع المتدهور للخدمات والسياسات، فيكررون ما تعودوا عليه خلال سنوات العمل السري بتمكين أهل الثقة، سينشأ فراغ فكري كبير بينهم وبين شرائح من الإسلاميين، ويبدو أن القيادات لا تنوي احتواء ذلك إلا بتوكيد النزعة الهدائية تجاه منتقديهم لأنهم عاجزون عن ملء الفراغ الفكري من داخل تنظيماتهم؛ هنا تأتي أهمية ملاقات هذه الشرائح القلقة بواسطة توجه إسلامي جديد، يكون صدى فكرياً –مثلاً- للمبادرات الشبابية السياسية التي اتخذت أسماء "سلفيو كوستا" و"أزهريون بلا حدود"، مع ضخ الكتاب المستقلين لمنتجات جديدة برؤية جديدة للإسلام، ولما يمكن أن يشكل قاعدة مناسبة للتنوير في الوقت الحالي غير تلك التي ظهرت في الأربعينات تحت الإحتلال وغلب عليها نوعية الاحتفاء بعظماء الماضي ومشاهيره.

هوامش: