Thursday, June 21, 2018

زيارة إلى ما تبقى من أساطير الأصليين في كندا


لوحة "هجرة" لنورفال موريسمو أو (بيكاسو الشمال) - 1973

تقديم:
اليوم (21 يونيو) اليوم الوطني للسكان الأصليين في كندا. وكنت قد كتبت هذا الموضوع لمجلة دبي الثقافية قبل أن تُغلَق، ولا أعلم إن كان نُشر أم لا.
وتفيد المراجع أن عدد المحميات أو التجمعات التي كان يعيش فيها سكان كندا الأصليون تجاوز الـ 3100 في السابق، وأنها امتدت على مساحات تبلغ أضعاف ما تشغله الـ 1763 محمية التي تبقت ويعيش بها بعض منهم حتى الآن محاولين الحفاظ على تراث وثقافة ونمط حياة يستند إلى قيم أكثر إنسانية من تلك التي تحرك الرأسمالية الغربية، وأكثر توافقاً مع دورات الطبيعة.

يبلغ عدد السكان الأصليين في كندا أكثر من مليون وستمائة ألف شخص (1673785) منهم 977230 من الهنود الحمر، و587545 من الميتز، وهم أوروبيون جاءوا مشياً عن طريق القطب الشمالي قبل أكثر من ألف وخمسمائة عام، أي قبل اكتشاف كريستوفر كولومبس الطريق البحري إلى الأمريكيتين، وقد استوطنوا واختلطت أعراقهم بالهنود الحمر منذ قرون قبل هجرات الأوروبيين في عصر ما بعد كولومبس. هذا الموضوع عن بعض الأعمال الفنية والمشغولات اليدوية في متحف أونتاريو الملكي للهنود الحمر.
من بين الـ 977230 اختار 673660 تسجيل أوراقهم بهوية "سكان أصليين"، ويعيش نصفهم تقريباً في تجمعاتهم الخاصة، وليس في المدن الكندية ذات الطابع الغربي.
(ملحوظة: بعض الأرقام قد تتطلّب التحديث مع مرور الوقت). 




في مدخل الجاليري الخاص بسكان كندا الأصليين داخل متحف أونتاريو الملكي تتصدر لوحة هجرة للفنان موريسمو نوفال، مصحوبة بعبارة: نحن لا نعرف كيف وصل الأمريكيون الأصليون إلى هذه الـ (كندا). ربما جاءوا تدريجياً كمجموعات عبر مضيق بيرنغ الذي يصل ألاسكا بشمال شرق آسيا. هناك الكثير من الأساطير حول هجرتهم كمجموعات من العائلات معاً، أو فرادى؛ هذه اللوحة تحاول استعادة تلك الأسطورة.

الاسم الأصلي للفنان نورفال موريسيو في لغته الأصلية يعني "طائر الرعد النحاسي"، ويعتبر طائر الرعد من أشهر المخلوقات الأسطورية في ثقافة الأمركيين الأصليين، وهو طائر أشبه بالنسر يمكنه إطلاق الرعد، ولا يخشى سوى عدواً واحداً هو وحش الماء. لذلك ليس غريباً أن يكرّس موريسيو فنه للأساطير واسمه كذلك، لكن من الهام الإشارة إلى أن مكانة موريسيو الفنية التي جعلت لوحته تتصدر أهم الجاليريهات عن الهنود الحمر في شمال أمريكا منحته لقباً آخر منذ سبعينات القرن الماضي هو: بيكاسو الشمال.

الهجرة محور أساسي في تشكّل ثقافة الهنود الحمر وفي توثيق تاريخهم، وصولاً إلى مرحلة اضمحلال وأفول هذه الثقافة بفعل مجيء هجرات واسعة من أوروبا، وهو ما تحاول مقتنيات الجاليري أن تعكسه.

لكن هناك الكثير من السياسة في خلفية وصول هذه المقتنيات الأصلية من هؤلاء السكان الأصليين إلى المتحف قد لا تُظْهِرُه المقتنيات نفسها بوضوح، كما يقول أرني براونستون المشرف على الجاليري والمتخصص في تراث جماعات الهنود الحمر الذين عاشوا في البراري.

من ناحية أخرى هناك الكثير من السياسة أيضاً في محاولة الحفاظ على بقايا هذه الثقافة الآن من خلال الفن.


من أعمال بول كين 1849


في الجاليري أيضاً مجموعة متكاملة من صور الفنان بول كين وهو من أوائل الفنانين ذوي الأصول الأوروبية الذين اهتموا برسم عالم السكان الأصليين. وتجمع لوحاته ما بين فن البورتريه والمناظر الطبيعية التي توثق نمط حياة الهنود الحمر قبل أن يندثر هذا النمط في كندا خلال النصف الثاني من القرن الـ 19. كما تتضمن رسوماته الصيد البحري والبري، وتصوير الشلالات المتنوعة التي تنتشر بفضل العدد الكبير من البحيرات، وأشهرها شلالات نياجرا، وهي أعمال تستفيد من خبرة الرسم الأوروبي لكنها تصوّر مناظر شديدة الأصالة ما يجعلها وثيقة فنية بامتياز.


.قتْل ثقافة حية
تاريخياً بدأت إزاحة الرجل الأبيض للهنود الحمر من أماكنهم الأصلية في كندا منذ القرن الـ19، عندما توسع اقتصاد الأوروبيين، وتم تأسيس دولة كندا (1870) وحصولها على الاستقلال من الإمبراطورية البريطانية، فحدثت إزاحة لهم - كما يقول براونستون- “من الشرق إلى الوسط والغرب ضيّقت مصادر الرزق عليهم، وبحسب المعاهدة المبرمة مع زعماء قبائل الأصليين عام 1873 أصبح الأوروبيون ملزمين بتزويدهم بالغذاء والطعام لأنه تمت إزاحتهم عن أماكن الصيد التي يعرفونها".


من ناحية أخرى كانت هناك أعداد كبيرة من الجاموس تعيَّش الأصليون على صيده، لكن قام الأوروبيون بصيد أعداد هائلة منه "نتيجة الاعتماد على الجلود في صناعات عديدة خلال القرن التاسع عشر (قبل البلاستيك). فأدى الصيد المكثف إلى تناقص الجاموس ونقص المصادر الغذائية للأصليين، ووجد الأوروبيون أن أفضل الطرق هي دمج الهنود الحمر في الاقتصاد الغربي الحديث ليعتمدوا على أنفسهم في الرزق".
لكن لأغراض سياسية لم يعلّم الأوروبيون الهنود الحُمر الزراعة، والسبب غالباً الرغبة في عدم تمكينهم من حرفة تربطهم بالأرض. ومن جانبهم -كما يوضح براونستون- “الأصليون احتفاليون، يحبون الموسيقى والرقص، وقد فكّر الأوروبيون أنه إذا تم إبعاد الهنود الحُمر عن هذه الاهتمامات الفنية الخاصة بهم سيمكنهم الاهتمام بالإقتصاد الجديد من السيطرة على المنطقة وعاداتها، ويكون دمجهم أسهل في الثقافة الغربية".
وقد اعتمدت عملية تحويل الاهتمام الثقافي للهنود الحُمر على التبشير لسهولة تمويله من الكنائس في أوروبا، وتم التركيز على التبشير بين أطفال الهنود الحُمر بكثافة، وكانت الحكومة الكندية سعيدة للغاية بهذه العملية لأنها غير مضطرة للإنفاق على تعليم هؤلاء الأطفال كما تلزمهم بذلك المعاهدة التي انزاح الهنود الحمر بموجبها طوعاً من شرق كندا باتجاه البراري في وسط القارة".

في هذه الأجواء جاءت مقتنيات المتحف عن الهنود الحمر؛ مثلاً بعض المعاطف الثقيلة التي تبادلها زعماء الهنود الحمر مع تجار أوروبيين تعود إلى طقس احتفالي تواصل فيه الطرفان بنجاح، وسط تعذّر التواصل الثقافي بين أبناء عالمين مختلفين.


الباحث أرني براونستون



 كان الأصليون يقدّرون تبادل الأشياء الشخصية بشكل احتفالي كتعبير عن المودة، بينما يريد التجار الأوروبيون التواصل التجاري معهم وسط تعثر الاتصال لغوياً من ناحية، ونتيجة عدم تفهم العادات من ناحية أخرى. فاكتشف الأوروبيون أن زعماء قبائل الهنود الحمر يحبون تبادل المعاطف تعبيراً عن الود والسلام، ومن ناحيتهم اعتبر البيض ذلك نوعاً من المبادلة التجارية. هكذا وصلت إلى المتحف مجموعة من المعاطف ومعها صور للزعماء يرتدون المعطف الأوروبي دليلاً على الصداقة!
الجانب الطقسي الاحتفالي كان عسيراً على فهم التجار الأوروبيين في بداية التواصل بين الطرفين، فالتجار اهتموا بالأعمال، بينما اهتم الأصليون بالطقوس ومنها الرقص والموسيقى التي يتم من خلالها التواصل الاجتماعي، وكانت إحدى أهم الطقوس نجاحاً بين الطرفين عندما يتبادل زعيم القبيلة معطفه مع تاجر أوروبي، لذلك توجد مجموعة غير قليلة من معاطف الهنود الحمر بين مقتنيات المتحف -كما يوضح براونستون- وكذلك توجد صور التقطها الأوروبيون لزعماء قبائل الهنود الحمر يرتدون معاطف أوروبية وهم يبتسمون تعبيراً عن الرضا لنجاح الطقس الاحتفالي من وجهة نظرهم.
أما معاطف السكان الأصليين فقد وصل بعضها إلى المتحف لأن التجار الأوروبيون أعادوا بيعها للأثرياء الذين حافظوا على الكثير منها.


حزام من الصوف المطرّز يصوّر التقاء طائرين - 1890



خنق الطقوس.
وعندما انتقل الأصليون إلى مناطق جديدة أقاموا في "محميات" عينت الكومة سلطة عسكرية لإدارتها. وكانت السلطات تمنع الهنود الحُمر من ممارسة عاداتهم وطقوسهم الاحتفالية داخل المحميات لتغلق الباب أمام امتداد الإرث الثقافي لهذه الجماعة البشرية؛ فلم تستطع فنون هؤلاء السكان الوصول إلينا إلا نتيجة أن بعض القادة العسكريين كانوا أكثر تفهماً للحاجات الإنسانية وأكثر تسامحاً في تطبيق القوانين التعسفية، فسمحوا بشكل شخصي لبعض الهنود الحمر بعمل آلاتهم الموسيقية، والأدوات التي يحتاجونها لطقوسهم الأخرى.
وهنا يوضح براونستون أن ما نراه من أعمال فنية لم يكن سوى أدوات طقسية يمارس من خلالها الهنود الحُمر صلواتهم وطقوسهم الاحتفالية، بما فيها تدخين التبغ، حيث كان الأصليون يعتقدون أن الدخان الذي ينفثونه نوعاً من الصلاة أو الرسالة التي يرسلونها إلى الخالق!


النجمة المغربية. أما تفاعل هؤلاء القبائل مع بعضهم البعض فقد أثمر مجموعة من سروج الخيول ذات الأشكال الجميلة. كان الأسبان قد عرّفوا السكان الأصليين على الخيول، وتحديداً قبائل الأزتك، الذين نشروا الاهتمام بالخيول بين قبائل الهنود الحمر الأخرى في مناطق شمال القارة، فتجد سرجاً عليه شكل تجريدي مستلهم من شكل النجمة المغربية التي اجتلبها الأسبان إلى أمريكا، ونشرها الأزتك بين قبائل الأصليين الأخرى.
ونتيجة تساهل بعض المسؤولين الأوروبيين في تنفيذ أوامر منع ثقافة الهنود الحُمر خلال النصف الثاني من القرن الـ 19 كانت النساء تصنعن الملابس التقليدية خلال الشتاء ليرتديها الجميع في الربيع، وخلال احتفالات العيد الوطني لكندا (1 يوليو) من كل عام، حيث يُسْمَح للجميع بارتداء الملابس التقليدية، ويُسْمَح للأطفال بلعب ألعابهم التقليدية إلى جانب لعب الكرة مع الأطفال الأوروبيين"
تصاميم الأحذية والملابس ذات أشكال هندسية – كما يشير براونستون- ويعتقد الأنثربولوجيون أن لهذه الأشكال معانٍ عميقةٍ في ثقافة الأصليين، مثلاً المثلث هو تجريد للخيمة. كما تستلهم بعض الأشكال أشياء يرونها في الطبيعة كأنياب الحيوانات وشكل الضفدع، حيث تنتشر الضفادع بكثرة حول البحيرات المتناثرة في أنحاء كندا.”

وقد لاحظ أنثربولوجيون أن الكثير من المعاني لا يعبر عنها الأصليون بألفاظ منطوقة، بل باللغة البصرية فقط، مثل الشكل التجريدي لالتقاء طائرين، والذي تبينه صورة حزام من الصوف.

وتمتلئ أساطير الهنود الحمر وبالطبع رسوماتهم بالحيوانات، فقد كانوا يعتبرون أن العلاقة مع الحيوان صلة مع الخالق، ولذلك يحمل كل حيوان أسطوري رمزاً ومعنى.

داخل الجاليري أيضاً مجموعة من أدوات الزينة والتجميل والتي كان يهتم بها رجال الهنود الحُمر أكثر من النساء، بحسب براونستون. فقد كان الرجال يرتدون الأقراط أكثر من النساء، ويهتمون برسم الحاجبين، بينما اقتصر تجميل المرأة على تزيين الشعر وعمل الضفائر

No comments:

Post a Comment