Tuesday, August 14, 2012

التراجع عن كل هذه الأخطاء مجرد صواب واحد






غبار الثورة يهدأ، لكن قوة الدفع نحو التغيير مستمرة.

خضنا تجارب تزن عقوداً خلال عام ونصف، بعد حرمان طويل، أخطأنا –نحن البسطاء الذين نمارس حق التعبير لأول مرة- ولكن أصبح لدينا إرثاً كبيراً نتعلم منه.

كنت أقلب بين صفحات أرشيفي، ووجدت هذه المقالة للدكتور عمرو حمزاوي، عن مراجعات الجماعتين الإسلاميتين اللتين استخدمتا العنف ضد المصريين وغير المصريين على أرض مصر، منشورة في الأحد 19 ربيع الثاني 1431هـ - 04 أبريل 2010م، على موقع جريدة "المصري اليوم"، بعنوان "حول أهمية مراجعات الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد"، وقد راعني بعد الثورة أن أجد امتدادات وممثلين لهاتين الجماعتين في البرلمان المصري الذي تم انتخابه، وقد نالوا ثقة المجتمع في العمل كمشرعين يشاركون في إصدار القوانين له.

التوبة الندم، كما تعلمنا، لكن هل تكفي توبة بعد توبة لإقناع الناس بتولي مسئولية جسيمة مثل التشريع؟

 أليس من حق من سفكت دماؤهم، أو خافوا من مصير محكوم بالدم يقرره مجهولون قفزوا على سقف التاريخ كقراصنة وفرضوا منطقهم وصوتهم بالقوة، أليس من حق هؤلاء أن نراعي ضمائرنا ونحمي المجتمع ممن سبق وارتكبوا جرائم في حقه؟

 أترككم مع المقال الذي كان قد ترك في نفسي أثراً إيجابياً قبل الثورة، مثلما فعل مع حمزاوي، فتحمس وكتب، وأواصل تعليقي على المقال بعد إطلاعكم عليه الآن، بعد أن هدأ غبار الثورة قليلاً:

حول أهمية مراجعات الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد
د.  عمرو حمزاوي

هذا اعتراف متأخر بأهمية مراجعات الجماعة الإسلامية، وبعض الفاعلين فى جماعة الجهاد، بكونها لم تتوقف عند نبذ استخدام العنف ونزع الشرعية عنه، بل طوّرت، ولو بطرق مختلفة، عددا من الأفكار والآراء الجديدة التى تتمحور حول النشاط الجهادى اللاعنفى. فقد أمضيت الأيام الماضية فى قراءة مفصلة لمراجعات الجماعة الإسلامية، ولوثيقة ترشيد الجهاد لسيد إمام الشريف، ويعنينى قبل الخوض فى تحليل مفصَّل لبعض أفكار وآراء المراجعات، صياغة ملاحظات ثلاث لفهم المراجعات:

الملاحظة الأولى: على الرغم من أنّ الكثير من أصوات نهج المراجعة البارزة فى الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد كانوا أو مازالوا بالسجون المصرية، إلا أن ذلك لا يُقلِّل من صدقيّة نبذهم العنف أو دحضهم التطرّف كوسيلة لتغيير المجتمع والسياسة. صحيح أن العديد من هؤلاء القادة من دعاة نهج المراجعة دخلوا فى حوار مع قوى الأمن، وتبادل بعضهم الأفكار مع علماء الدين والمثقفين المقرَّبين من النظام المصرى، إلا أنّ أفكارهم وآراءهم الجديدة تطوّرت بشكل حقيقى ولا ينبغى أن تُختزَل بتفسيرات مغالية فى التبسيط أو بالنزعة التآمرية.

الملاحظة الثانية: على الرغم من أنّ الجهاديين تحدّوا تاريخيا هيمنة جماعة الإخوان المسلمين داخل الطيف الإسلامى، وأدانوا إيديولوجيتها الإصلاحية والتدرجية، فإنه من الواضح أن المراجعات الجهادية استُلهِمَت دينيا وسياسيا من جماعة الإخوان. فالعديد من أفكار الجهاديين وآرائهم المُنقَّحة حول المجتمع والسياسة والدولة، والعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين مُستَوحاة بشكل ملحوظ من أيديولوجية جماعة الإخوان وخطابها المعاصرَين.

الملاحظة الثالثة: على الرغم من أنّ الجماعة الإسلامية والشرائح المؤيِّدة للمُراجعة من جماعة الجهاد أكّدت التزامها باللاعنف، فإن التزامها بالمشاركة السلمية فى المجتمع والسياسة المصرية لم يتمّ التحقّق من صحّته بعد. فالعنصر الأكثر فاعلية من المراجعة الجهادية ظلّ بلاغيا، إذ تمّ التعبير عنه فى التصريحات ولم يتحوّل إلى أفعال. وثمة عوامل عدة تساعد على تفسير النقص الحالى فى النشاط الجهادى اللاعنفى.

فعلى الرغم من أن نظام الحكم فى مصر قد رحّب بنبذ العنف ــ وشجّعه ــ فإنه ظلّ متردِّدا فى السماح للجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد أو فى التسهيل لهما لدخول حيّز النشاط اللاعنفى الدينى والاجتماعى والسياسى. لا بل هو، فى الواقع، عامَلَ نهجَ المُراجعة بروحية أمنية، مركِّزا بشكل حصرى تقريبا على ضمان ألا تلجأ الجماعتان إلى العنف مرة أخرى، ومتجاهلا الحاجة إلى دمج قادتهما وناشطيهما اجتماعيا وسياسيا. علاوة على ذلك، تمّ إضعاف القوة التنظيمية وجمهور أنصار الجماعتين أثناء مواجهاتهما العنيفة مع الدولة، ولم يتمكّن أىّ منهما من استعادة مصادر القوة هذه.

بدأت المراجعات الجهادية أساسا بوصفها اعترافا بأن العنف والتطرّف فشلا فى تغيير المجتمع والسياسة المصريين. وأصدرت الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد وثائق تُنقِّح بشكل ملحوظ الأسسَ الإيديولوجية والدينية التى كانتا قد تشبّثتا بها كأساس لتبرير استخدام العنف. فقد تمّ تلطيف مفاهيم التكفير (اتّهام المسلمين الآخرين بالكفر)، والحسبة (واجب المسلمين بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكَر)، وحتى الجهاد نفسه، وأُعيدَ تعريفُها وفقا لاتجاهات لاعنفية.

تطرح الجماعتان تحليلا عقلانيا فى وثائقهما يزن الفوائد والنتائج المترتِّبة على الأنشطة الجهادية بالنسبة إلى الأفراد والمجتمعات. فى أساس هذا التحليل للمضار والمنافع ثمة مفهومان اثنان: استعداد جهادى مُتأّخِّر للتمييز مابين المقاصد الأساسية والثانوية للأمة الإسلامية والأفراد المسلمين، وواجب الجهاديين الناجم عن ذلك فى إعطاء الأولوية إلى الأوّل على التالى.

وعلى غرار التفسيرات الدينية التقليدية، تحدّد وثائق المُراجعة الجهادية حماية دين وروح وعقل وأسرة ورخاء كلّ مسلم باعتبارها مقاصد جوهرية. أما المقاصد الثانوية، فتشمل المحافظة على مستويات عالية من الأخلاق الدينية، وتطبيق الشريعة فى جميع مشارب الحياة، وأسلمة السياسات العامة والقرارات الرسمية. ولذلك، فإن أصوات المراجعة الجهادية أوضحت أن محاولات الحفاظ على مستويات عالية من الأخلاق الدينية ينبغى ألا تتمّ على حساب أرواح المسلمين، وأن المواجهات مع الأنظمة الحاكمة التى لا تُطبِّق الشريعة لا ينبغى أن تأتى على حساب المصلحة الأساسية لحماية سلام الأمة وازدهارها.

يتجلّى تحليل الأكلاف والمنافع الجهادى بوضوح فى إعادة تحديد قادة المُراجعة لمعايير القيام بالجهاد. ففى وثائق المُراجعة الخاصة بها، تعترف الجماعة الإسلامية بأنها سلكت طريق الجهاد العنيف لسنوات كغايةٍ وليس كوسيلة، وفشلت فى أن تأخذ فى الاعتبار الحصيلة المُدمِّرة التى كان يفرضها هدفها المستقيم ظاهريا على المجتمع المصرى. ويقوم فهم الجماعة الإسلامية المُنقَّح للجهاد على مبدأ أن سفك الدماء باسم الإسلام محظورٌ ما لَمْ يكن الجهاد العنيف مساعدِا على حماية وتعزيز الإسلام والأمة بما لا يدع مجالا للشك، وبأقلّ كلفة ممكنة. ويحدّد سيد إمام الشريف، من جماعة الجهاد، فى وثيقة المُراجعة الخاصة به، شروطا مُسبَقة محدّدة، فردية وجماعية، لخوض الجهاد العنيف، إلى درجة أنه يحرّمه عمليا.

ويؤكّد الشريف أن الأفراد المسلمين ممنوعون من اللجوء إلى الجهاد العنيف إذا ما فعلوا ذلك ضدّ رغبة آبائهم، وإذا كانوا مدينين لشخص ما، أو إذا كانت الأنشطة ذات الصلة تشكّل خطرا على حياة الجهادى أو أسرته. وعلى الصعيد الجماعى، يدمج الشريف مفهوم القدرة فى شروطه المُسبَقة المُنقّحة للجوء إلى الجهاد العنيف: إذا لم يكن الجهاديون يمتلكون قوة مماثلة لقوة أعدائهم (سواء أكانوا حكاما فى بلاد المسلمين لا يحكمون طبقا لتعاليم الإسلام، أم كانوا قوى أجنبية تحتلّ بلدانا إسلامية)، فهم ممنوعون من القيام بذلك. علاوة على ذلك، يصبح الجهاد غير شرعى إذا لم يكن المسلمون يمتلكون الوسائل المادية الكافية ــ المالية أو غيرها ــ للقيام به على نحو ناجح، أو إذا ما تَمَّ تنفيذ الجهاد عبر مخالفات، كقتل المدنيين الأبرياء أو السرقة.

وبإتباعها مسار الاعتدال نفسه، تفرض المُراجعة الجهادية قيودا على ممارسة التكفير والحسبة. ومعروف أنه، قبل نبذ العنف، برّرت الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد عددا لا يُحصى من أعمال العنف ضدّ المسلمين وغير المسلمين من المدنيين فى مصر، عن طريق الحكم على أولئك الأشخاص بأنهم كفّار، وفقا لفهم متطرّف لما يشكّل جوهر الإسلام الحقيقى. وفى وثائق المُراجعة، ممارسة التكفير هذه محظورة بصفتها نوعا من الشرّ الذى ينفى العدالة، ويؤدّى إلى الفتنة داخل المجتمع الإسلامى، ويُعطِّل السلم الاجتماعى مابين المسلمين وغير المسلمين من المدنيين (أهل الكتاب، أى المسيحيين واليهود فى المقام الأول)، وبالتالى يغلق الباب أمام أى حل توفيقى بنّاء مابين مختلف فئات المجتمع.

وعبر التراجع عن ممارسة التكفير بالنسبة إلى بنى جلدته المسلمين، يجدّد نهج المُراجعة الجهادى النصّ على أن إيمان الشخص مسألةٌ خاصةٌ لا يعرفها إلا الله، ولا يمكِن أن يقرّرها السلوكُ الخارجى ولا يمتلك الأفراد المسلمون سلطة دينية للحكم على الآخرين بوصفهم كفّارا. فالاتّهام الخطير بالتكفير يوجّهه فقط علماء دين مؤهَّلين، فى الظروف القصوى ووفقا للقوانين الملزِمة لمجتمع بعينه. وحتى قبل النظر فى معاقبة أولئك الذين حُكِم عليهم بأنهم كفّار، فإنهم يجب أن يُعطوا الفرصة الكافية كى يفهموا تعاليم الإسلام ويعودوا إلى حظيرة الإيمان. وتصل هذه القيود إلى حدّ كونها حظرا فعليا لتكفير المسلمين.

فى الوقت نفسه، أُعيد تعريف مفهوم الحسبة أيضا فى المُراجعات الجهادية لتبرير التخلّى عن العنف والشروع فى عملية التحوّل نحو الاعتدال داخل الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد. فالجهاديون أساءوا لفترة طويلة استخدامَ الحسبة التى تُفسَّر فى التعاليم الإسلامية التقليدية على أنها وسيلة لحماية المجتمعات المسلِمة من الداخل. لقد حاولت الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد الاضطلاع بدور شرطة الآداب فى مصر، واعتُبِرَتا أنهما مؤهَّلَتان لتحديد أفعال الشرّ وتصحيحها فى إطار نظام العدالة الخاص بهما.

وفى عقدى الثمانينيات والتسعينيات، مارست الجماعتان مفهوم الحسبة وفقا لفهمهما المطلَق لمبدأى الصواب والخطأ، وحاولتا أن تعاقبا بعنف أولئك الذين اعتبَرَتا أنهم يَعْتدون على الإسلام. وشملت أعمال العنف التى ارتكبتها الجماعتان هجمات على النساء السافرات، واعتداءات على الفنّانين والأماكن الفنية، وتحطيم أجهزة التليفزيون، وتدمير محال بيع أشرطة الفيديو أو تأجيرها، وتخريب أماكن الدعارة أو تعاطى المشروبات الكحولية وتدميرها، وإنزال العقاب البدنى بالذين يشربون الكحول، ويصلّون بطريقة غير مقبولة بالنسبة إلى الجهاديين، أو ينتهكون مدوّنتهما الأخلاقية الصارمة.

فى وثائق المُراجعة، يُصحِّح الجهاديون ما أصبح سوء تفسير فظيع للحسبة مسئول عن العنف والتوتّرات الاجتماعية فى مصر. وتعيد وثائق المُراجعة، أولا وقبل كل شىء، تعريفَ الحسبة وفقا إلى اتّجاهات لاعنفية: واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المُنكَر يعنى تصحيح الأخطاء بالوسائل السلمية مثل الدعوة، وتقديم المشورة والنصيحة ــ وفى حالات نادرة ــ تذكير المسلمين بعقاب الله. وعلى غرار التكفير، يجب أن تفوَّض ممارسة الحسبة إلى السلطات المختَصّة، وهى، فى هذه الحالة، الدولة المصرية. وكما الحال مع المفهوم المنقَّح للجهاد، يجب أن تسبق شروطٌ محدَّدةٌ وتحليلٌ للمنافع والأكلاف اتّخاذَ قرار من قبل أحد المسلمين باللجوء إلى الحسبة: إذ يجب أن يكون الفرد قادرا بلا شك على التمسّك بالتعاليم الإسلامية من دون إلحاق الأذى بنفسه أو عائلته، ومن دون المخاطرة بحدوث طفرة فى الخوف والإثارة، أو المزيد من العنف داخل المجتمع الإسلامى.

إن إعادة تعريف مفاهيم الجهاد والتكفير والحسبة نظرا إلى الاقتناع بضرورة إيجاد سبل لتجاوز استخدام العنف، سمحت للجماعة الإسلامية، وإلى حدّ أقلّ لشرائح تؤمِن بالمُراجعة من جماعة الجهاد، بالبدء فى إصلاح علاقاتهم المجتمعية. وبالتالى وصلت المواجهة مع التيار الرئيس فى المجتمع، والذى كانت الجماعتان تعتبرانه فى السابق كافرا، إلى نهايتها مع التخلّى عن التكفير والنهج اللاعنفى تجاه الحسبة. كما أن وجهات النظر الخاصة بنهج المُراجعة فى شأن معاملة غير المسلمين فى مصر، غيّرت أيضا الديناميكيات الاجتماعية بالنسبة إلى الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد. وقد أعربت الجماعة الإسلامية مرّات عدة، على مدى السنوات القليلة الماضية، عن احترامها لحياة المسيحيين واليهود ومصالحهم الأساسية، وعن عزمها على عدم إلحاق الأذى بهم طالما أنهم اختاروا على نحو متبادَل العيش فى سلام مع المسلمين.

وفى وثائق المُراجعة الخاصة بالجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، ثمة عدد من المقاطع التى تشرح بالتفصيل وجوب ضمان سلامة المسيحيين واليهود، على الرغم من أن مصطلح أهل الذمّة، الذى ينصّ على حقوقهم وواجباتهم فى البلدان الإسلامية، لا ينطبق إلا على الدول التى تحكمها الشريعة. وقد تمثّل التأثير النهائى لذلك فى التخفيف، وإن قليلا، من التوتّر الذى أحدثه الجهاديون فى النسيج الاجتماعى فى مصر، من خلال العنف المُوجَّه ضدّ المسلمين وغير المسلمين، وتدشين سير الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد على الدرب الطويل نحو المصالحة مع المجتمع.

*نقلا عن "المصري اليوم" المصرية



المصالحة مع المجتمع لا تبدأ من البرلمان، هي درب طويل بالفعل، وهناك عدالة ننشد تطبيقها على من أباحوا لأنفسهم حق انتهاك الإنسان واعتقاله وتعذيبه، فكان لهم دور مؤثر بين مجموعة عوامل أخرى في تشكيل وعي وقناعات من آمنوا بالعنف، لكن بالمقابل التعاطف مع  من تعرضوا للعنف والاعتقال، التعاطف مع جانب من الجوانب الإنسانية لدى ضحية، لا يعني السكوت على جرائم مرتكبها، فما بالنا وقد ذهب الأمر وسط غبار الثورة إلى رفع من ارتكبوا الجرائم إلى مصاف الحكمة والقيادة وانتخابهم برلمانياً من قبل عشرات الآلاف ( وهو أقل عدد من الناخبين في أي دائرة برلمانية) ليكونوا قيادة مشرفة على التشريع رقيبة على الأداء العام، ومتحدثة باسم الجموع.

ما كنا نقبله كخطوة عقلانية وإجتماعية في طريق التصحيح والاندماج مع المجتمع ومصالحه العامة تحت حكم مبارك، ليس مقبولاً الآن بعد أن سقط مبارك، وغاب عهده.


 من ارتضى عقله وضميره أن يبحث عن السلاح ويمسك به ويستخدمه ضد مصري مثله، شريك له في الأرض والحقوق، لمجرد أن هذا المصاب بجنون العظمة قد توصل لتفسير ما يبيح له القتل والانتهاك والترويع، لا يمكن أن تصنع تراجعاته عما كان قد منحه لنفسه سوى صواباً واحداً، أما خطيئته في ميزان الدنيا، ووفق المعايير الاجتماعية والثقافية فهي جملة من الأخطاء، ثقيلة الوطأة ومؤلمة؛ تتطلب عزلاً، ونقداً مستمراً لمسلكه، وتراجعاً منه بقبول واعتراف "طوعي" بأنه يحتاج إلى تأهيل، لا أن يترشح للبرلمان! وينتخبه الناس!!

لقد تمت هذه المراجعات تحت سقف الدولة الأمنية التي كان حبيب العادلي وأجهزته يلعبون فيها دور العصا الغليظة، تمت تحت سقف الخوف والرعب، ولم يعد لها نفس القدر من الاحتفاء والأهمية التي قام عليها مقال د. عمرو حمزاوي -وكنت من المحتفلين المستبشرين به- لقد مضى عام ونصف، لكن في الميزان الحقيقي هو بمثابة عقود من التحول والتفاعل. وقد أصبح المجال السياسي مفتوحاً الآن للعمل، بل وسمح بوصول ممثلي هذه الأفكار إلى البرلمان، هذا المجال لم يعد يؤمن بالخوف، ولا يحتاج ولن يحتاج لهذه الأساليب مرة أخرى، لقد أصبح المواطن المصري مالكاً لقراره، مدعواً للتعبير عنه، ولا يمكن أن يتنازل عن حقه في عزل هؤلاء الذين أباحوا جسده وممتلكاته العامة، لمجرد أنهم عرفوا أنهم مخطئون، هناك عزل سياسي مطلوب تحقيقه، عزل يدعو إليه ويطبقه في صندوق الانتخاب كل صاحب وعي وضمير وخوف على بلده، عزل يكون بمثابة ضغط إجتماعي وسياسي على هؤلاء حتى يواصلوا درب التوبة الحقيقي الذي يبدأ بالندم ليمضي قُدماً نحو تصحيح الخطأ.

هناك عزل ثقافي وفكري، فلا يمكن أن نعيد كتابة تاريخنا بصدق دون أن يتضمن إشارة واضحة وقوية إلى قراصنة السياسة والتاريخ، قراصنة القيم، الذين منحوا لأنفسهم حق تكفير الناس، وحق إصدار العقوبة عليهم، وأيضاً حق تنفيذها بالقوة، مستهينين أيضاً بالضرر الذي يخلفه هذا التطبيق على أبرياء آخرين قد يكونون في موقع الحدث الذين اختاروه هم لتطبيق ما توهمته عقولهم.

 العزل تطهير ليس فقط لهؤلاء بل لأبناءنا، وما نورثه لهم، ومستقبل مجتمعنا، لا يصح أن نترك أبناءنا دون تعليمهم حقيقة خطأ هؤلاء، وجسامة ما يمكن أن يترتب على هذه الحالة التي شهدت فشلاً كلِّياً من قبلهم في
استخدام العقل.

العزل والتطهير يكون بفحص مناهج جماعة الإخوان المسلمين التثقيفية والتعليمية، والتي تُعرف بأنها الجماعة الأم لكل هؤلاء، نريد تطهير مناهج هذه الجماعة من الأخطاء التي ينتج عنها منشقون، يتحولون إلى مجرمين يستبيحون العنف، نريد أن نرصد أين جذر الخطأ، ليتم تطهيره.

العزل ليس فقط عدم انتخابهم للبرلمان في سنوات مقبلة، على أقل تقدير، بل بفضح الشر الكامن في الطريق الذي سلكوه، ومطالبتهم بالتوبة الحقيقية عن طريق الاعتراف الحقيقي الحر بالخطأ، ومقاومة تكراره بأنفسهم.

No comments:

Post a Comment