Thursday, July 3, 2014

فواصل بين تقلبات المزاج السياسي

 
 
المزاج السياسي في مصر متقلب جداً، وحاد في انقلابه على نفسه، لذلك نحتاج من فترة لأخرى وضع نقاط وفواصل بين الكلمات والعبارات التي تتسابق على ألسنتنا لتصف تطورات الوضع السياسي داخل وعينا. أهمية علامات الترقيم هذه هي منع انزلاق المعنى، وسيلانه، وبالتالي انحرافات وعينا؛ مثلاً: يجب التفرقة بين 30/6 وبين التفويض 26/7، باعتبار الأخير هو بداية العمل المنفرد لرجوع نظام مبارك الأمني، وأن 30/6 كانت تحالفاً وفشل، وأنه كان واسعاً بقدر الصورة التي ضمت مشهد الإعلان عن خارطة الطريق، وبقدر الحجم الذي مثله حضور البرادعي، وكلمته، وكلمة "الفريق أول وقتها" السيسي، وكذلك رجال الدين.
 
يجب وضع نداء السيسي من أجل الحصول على تفويض بمحاربة الإرهاب في 26 يوليو الماضي مقابل الظهور الهام للمرشد العام للإخوان المسلمين د. محمد بديع على منصة "رابعة" في نفس الفترة، وقبل إلقاء القبض عليه بأسابيع قليلة. الكلمة التي ألقاها بديع هامة جداً، حيث تحدث فيها وهو ينظر إلى الطائرة الهليكوبتر التابعة للجيش التي كانت تراقبه، تحدث عن الاتفاق الذي دار بينه وبين اللواء العصار (عضو المجلس العسكري الحاكم وقت الاتفاق) على اقتسام السلطة بين الجماعة والجيش، وأن العصار هو الذي صعّد من درجة العرض لتكون تولي الجماعة السلطة كاملة، وأن الإخوان المترددين لم يطلبوا ذلك.

هذا الكلمة المباشرة عن الاتفاق مقابل نداء السيسي لتفويضه في تشكيل نظام يحارب الإرهاب، ليست فقط نقطة تحول في العلاقة بين القوتين (الجماعة والجيش)، إنها نقطة الضوء التي تشرح بالضبط أن محصول الإخوان الانتخابي لم يكن بمجهودهم فقط، وأن دعم الجيش للإخوان في الانتخابات هو ما أدى لزيادة أسهمهم ونتائجهم في الانتخابات التي منحتهم "الشرعية"؛ نقطة الارتكاز في خطابهم السياسي المعارض حالياً، بل ربما تكون هذه "الشرعية" أحد نقاط الارتكاز في الصعود الكبير لليمين الأكثر تشددا ممثلاً في تيارات التكفير والتدمير، مثل "داعش" وغيرها، ليصبح التكفير والتدمير محوراً رئيسياً في حركات الإسلام السياسي، وليس هامشياً كما كان الوضع قبل 25 يناير.
 
من الضروري تقييم محصول الإخوان في الانتخابات البرلمانية وحصول تحالفهم الانتخابي على حوالي 40 بالمائة باعتباره ليس فقط ثمرة للتوافق السياسي بينهم وبين الجيش، ولكن باعتباره أيضاً نتيجة للمزاج الانتخابي السائد وقتها، وهو مناخ توافقي وليس انتقامياً كما كان الوضع في الجولة الثانية من الانتخابات التي أتت بمرسي.
 بل إن المزاج في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة عام 2012 كان محكوماً بنزعة أبعد ما تكون عن الحالة الانتقامية، كان مدفوعاً بنزعة تلوين المجال العام بصبغات وتدريجات متنوعة، وملء المجال العام بالكامل بكل ألوان الطيف السياسي، وهي نزعة قد لا تكون توافقية، لكنها بنّاءة، ومشغولة بالذات أكثر من المنافسة، ناهيك عن الإطاحة بالآخر.
 
أهمية مثل هذه التمييزات هو عدم الاستسلام للدوران حول النفس مرة أخرى، وعدم دفع المزاج العام نحو الانقلاب على نفسه مرة أخرى، والدوران 360 درجة كل عام أو عامين؛ فقد تبين أن كل دورة ينقلب فيها على نفسه يعود أكثر تطرفاً.
 
الأهمية الثانية أن محاولات البعض استعادة، أو التلويح بفتح الباب، للتنسيق مع خصوم النظام الأمني الفاشي من بعض التيارات الإسلامية، ليست مجرد محاولة يائسة، إنها أسوأ من ذلك بكثير، لأنها لا تفهم أن "الإسلام السياسي" تغير كثيراً مؤخراً، بل وربما تماماً، عن ذلك الذي كانه منذ 4 سنوات.
 هذا أمر يعود إلى أيديولوجيا الإسلام السياسي، وطبيعة التوازنات بين أجنحة هذا التيار الديني ونزعته الرجعية. تكفي الإشارة إلى أن أيمن الظواهري ينُظَر إليه من المتشددين حالياً على أنه رومانسي متساهل!!
 
في مثل هذه الأيام من يوليو الماضي، شاع تعبير لوصف ما فعله الجيش من استدراج للإسلاميين للسلطة بأنه تطبيق لمقولة "أعط حبلاً لخصمك الغبي وسيشنق به نفسه". هذه المقولة تنطبق حالياً على النزعة الفاشية التي تدفع التيار الأمني للاستحواذ على كل النظام السياسي الذي يحاول منذ 30/6 التشكل، وفي كل موجة تمدد واستحواذ أمني بعد التفويض لا يفعل سوى لف الحبل على نفسه أكثر فأكثر. إنه يفعل بالضبط عكس ما منحه وجوده، إنه يتخلص مِن كل مَن منحوه القوة للصعود والوجود. مشهد وحدة النسيج الوطني الذي جسدته صورة الإعلان عن خارطة الطريق يتمزق كل يوم، بل تحول إلى مشهد دموي خانق مع انتخاب السيسي بمشاركة جماهيرية ليست حقيقية، وفي ظل تقييد وسجن وكتم أفواه.
 مع كل فراغ يتزايد نتيجة تمزيق صورة التوافق، وكل هتك لنزعة بناء الدولة التي جسدها الإعلان عن خارطة الطريق يسعى النظام الأمني لتشديد قبضته أكثر وأكثر لملء الفراغ، فيزيد من اعتصار وتدمير الصورة.
 
 
 

No comments:

Post a Comment