Monday, April 22, 2013

ذو الجلباب الأبيض




ليس معروفاً على وجه التحديد ما عنصر الجذب في تلك الصورة لتثير كل ذلك الخيال!

 هل هو غرابة الزي عن موضع التقاط الصورة، كوبري 6 أكتوبر أحد أيقونات المدنية في العاصمة المصرية، أو أنه غرابة حركة العنف التي سجلتها الكاميرا، أو أنه جوهر الشخصية الذي انكشف في لحظة ما، فأمسكت به العدسة وأصبح عسيراً على الشاشات أن تفلته دون أن تمارس – كرد فعل- كل أساليبها في الدفاع عن النفس، من زوم وتكبير وحذف وتظليل وإضاءة وتركيب، وغير ذلك من أدوات الفوتوشوب التي تجلو معنى الصورة وهي تمارس ما يعرف بالتحريف بواسطة برنامج تحرير الصور!

الصورة من "عركة" نشبت بين موالين للإخوان احتشدوا عند دار القضاء العالي مطالبين بتطهير القضاء يوم الجمعة الماضي، وهو حشد وصفت غايته بالتضليل حتى من أقرب حلفاء الإخوان (السلفيون)، فليست مشكلة القضاء بالعائق الأكبر في موضوع العدالة الغائبة في مصر، ولا في صراع الطعون وتوجيه اللكمات السياسية من خلال رفع القضايا على الخصوم، الجزء المعتم من عملية العدالة لايزال في قبضة السلطة التنفيذية أولاً، والتي انتقلت ليد الإخوان أنفسهم، وما العيب في القضاء إلا ذريعة لتحقيق مكسب سياسي بفرض درجة من الهيمنة على السلطة القضائية، كما أنه وسيلة للفت الانتباه عن تقاعس السلطة التنفيذية في إصلاح أدائها للجزء الخاص بها في موضوع العدالة.

الوعي بموضوع التضليل السياسي ذلك لم يكن واضحاً بدوره لدى من تحرشوا بحشود الإخوان، قد يكون الأمر مجرد حلقة في دورة مفرغة من الانتقام تدور الآن بين الإخوان وبين من تعرضوا للعنف من إخوانجية كانوا قد هاجموا متظاهرين ومعتصمين عند الاتحادية، مفتتحين دورة عنف تكررت مشاهدها في المقطم والعباسية، تقول بعض الشهادات أن الإخوان أنفسهم تضرروا منها ربما أكثر من خصومهم، ويظل البادئ أظلم!

لكن التحريف الواعي لتلك الصورة استوقفني، فقد تناولت موضوع "فن الجماهير"1 مع انفجار سيل الجرافيتي الذي أحدثته الثورة، ومعه فنون أخرى يبدعها مجهولون أو مغمورون أصبحت صوت الثورة، ثم تناولت سقوط الإعلام الرسمي بواسطة الثورة ومواقع التواصل الاجتماعي في معالجة أخرى لمعنى "حزب الكنبة"2، ولم أفكر في الرجوع للموضوع، كنت قد اقترحت على صديقي العزيز الناقد السينمائي أحمد يوسف التفكير في عمل مشترك نرصد فيه ملامح من الجرافيتي ومن اسكتشات كومديانات الثورة وكذلك أغانيها، لكن الاقتراح لم يتطور.


وثَّقت الثورة صور العنف بكثير من الألم، وهو ما حاولت كشفه عملية "التحريف" بالفوتوشوب لصورة قاذف الحجارة الذي يرتدي جلباباً أبيض ناصعاً ويعتمر طاقية بنفس اللون. الألم لم يغب عن كل صور الثورة، الدماء على الشوارع بكل الأساليب، وعيون النبلاء المفقوءة، لكنه تراكم طبقات، حتى جاء قاذف الحجارة بحركته التي تخدش توقعاتنا التقليدية عن شيخ يرتدي جلباب يوم الجمعة من صورة تتسم بالسماحة ليكحت شيئاً من تلك الطبقات، موجها أبصارنا نحو أيقونة جديدة لمرتكبي العنف.

صاحب الجلباب الأبيض ليس قناصاً، وليس عسكرياً يسحل فتاة، وليس من فرقة جنود تبطش لتحرر صينية الميدان – لو تذكرون- إنه وجه جديد ليس فقط على هذه الدرجة والنوعية من العنف، إنه وجه جديد على المدينة؛ على هذه الرقعة تحديداً من المدينة. هنا ألم لم يكن ليمر دون تثبيت الصورة وتكبيرها.

في الصورة أيضاً تناقض كان عصياً التقاطه بعدسة؛ تناقض القيم الريفية والمدنية الذي تعيشه الثورة؛ قيم العزوة والمكر والاستقواء بالغلبة، ووضع اليد من أجل مساومات تسعى للمحافظة على القديم، وترسيخه وزيادته، تلك المنظومة الأعم التي يسرت تفاهمات المتدينين والجيش الذي تغلب عليه الأصول الريفية. في مقابل قيم التحديث والشبابية التي تتسم بالمرونة وانفتاح الخيال؛ بالضبط كما فعل محرر الصورة ببرنامج الفوتوشوب تاركا لخياله العنان، وهو بالمناسة قد يكون أكثر من محرر ومحررة، كما أن برامج تحرير الصور عديدة أشهرها الفوتوشوب.

في كل الصور سؤال: من أنت؟ في كل تركيبة تقريباً شعرت بهذا السؤال؛ من أنت لتغزو عالمي بكل هذه الجرأة؟ من أنت لتقتحم خيالي، من أنت لتفرض نفسك على عالمي؛ سواء كان عالم البوكيمون أو الألعاب الرياضية التي أروي بها أحلامي وأنا أتابع نجوم اللعبة الرياضية، أو أرسم في ذهني أيقونة لتمثال الحرية؟

ألست تشبهني؟ أليس بينك وبين "عمرو حمزاوي مثلاً" شبهاً؟ هل يمكن أن أشبههك؟ هل اقتحمت عالمي لتضعني في قالب وتصنع منِّي نسخة تشبههك؟ هل جننت؟

كل نسخة تحريف في هذه الصورة، بواسطة برامج تحرير الصور، سؤال لا يطمع في إجابة. إنه ألم يحرك الصورة.
هوامش:
1- للاطلاع على موضوع فن الجماهير: http://ahmed-gharib.blogspot.ca/2011/09/blog-post_4096.html
2- للاطلاع على موضوع حزب الكنبة: http://ahmed-gharib.blogspot.ca/2011/10/blog-post_30.html

No comments:

Post a Comment