Friday, April 12, 2013

شفيق والسادات وناصر.. كمان وكمان


 

Artist.INNERFIELDS , Brussels, Belgium- From Street Art Save My life

 

لعلها الثمرة الوحيدة حتى الآن؛ تلك الخصوبة الكبرى في فتح ملفات الوطن، والدين، والرئيس، وفكرة القيادة، وماذا نريد من الدولة، بل وكيف نستخدم ديننا، ونفهم تاريخنا.

لا أستهين بهؤلاء الذين ينشرون صورة للرئيس السادات على الفيسبوك ويكتبون جوارها مواقف ينسبونها إليه، وبعضها لم يحدث أو لم يتم بهذه الكيفية ولم يكن له علاقة بذلك الأداء البطولي الذي تحمله العبارة أو التعليق المنسوب للسادات. القصة بهذه الطريقة أقرب لبنية الأمثولة الشعبية، وهي دليل خصوبة أن الوعي الجمعي قلق، ونشط، يفتش في ملفاته، ويعيد صياغة وضبط زواياه.

لجمال عبدالناصر حظ طيب في عملية تقليب التربة هذه؛ ثمة جوع للقيادة!

لا تقلقني أيضاً فورة الاهتمام بالمرشح الرئاسي أحمد شفيق، فدوره السياسي لم يخرج عن سيناريوهين؛ إما أنه مجرد رهان فاشل للمؤسسة العسكرية كانت تأمل منه تقديم شخص يعيد إنتاج نظام مبارك، لكن لأن الرجل شخصية طاردة للكتلة الجماهيرية التي تنشد التغيير وضحت من أجله، اضطر الجيش بسبب ضعف أسهم أحمد شفيق لقبول البديل الإخواني، باعتباره البديل الوحيد الذي عرض إمكانية الترتيب والتأمين لمصالح الجيش وللمصالح الأمريكية.

أو أن شفيق مجرد كارت محروق تم الاستعانة به لتبرير البديل الإسلامي الذي كان موضع توافق بين أميركا والجيش، وتشهد الساحة الأفغانية حالياً ثمار هذا التوافق، فحتى أحداث الألغام التي كانت تصنفها القوات الأمريكية على أنها انفجارات غير متعمدة لألغام كانت قد زرعت في السابق وأدت لقتل أو إصابة جنودها دون قتال، حتى هذه توقفت تماماً، وأغلق ذلك الملف الذي كان يصنف تحت بند انفجارات عشوائية - وليس قتالاً- لتفادي مواجهة ضغوط الرأي العام في دول التحالف الغربي.

فشل سياسات الإخوان أقلق الناس على الدولة نفسها، وليس فقط على تخبط السياسات لفترة من الوقت، أو افتقاد البوصلة خلال فترة رئاسية يمكن تداركها عندما تتاح صناديق الاقتراع في المرة القادمة.

القلق التقى أيضاً مع عملية جرد مستمرة للمسكوت عنه والقضايا والتساؤلات المؤجلة، انخرط الوعي المصري في عملية الجرد هذه مستخدماً وسائل الإعلام التفاعلي، ومواقع التواصل الاجتماعي كقائد لمنظومة الإعلام الجديد بعد الثورة والتي لحقت بها الفضائيات، لكن الجرد أصاب أيضاً مستويات تحتية مثل دور الدين في حياتنا، وليس فقط دور رجال الدين، وهو دليل خصوبة الجرد.

دائماً ما طُرحت قضية الحكم والحاكم داخل قالب نمطي: علاقة الحاكم بالمحكوم؛ يكاد الأمر أن يكون ضارباً في التاريخ بكل مستوياته الفرعونية والقبطية والإسلامية، والأخيرة تستعذب وتستسيغ هذا الأسلوب في الطرح، حيث يسهل على الأتباع والموالين نشر حكايات عن تجول الحاكم أثناء الليل، وقيامه ببعض المبادرات التي تسند الضعفاء، فيهدأ الاحتقان الشعبي وتتشتت المعارضة.

فشل مبارك في الحفاظ على هذه العلاقة ارتبط بفشل إدارة وسائل النقل الجماعي الحديثة؛ أمر ضرب عمق شرعيته كقائد للطيران العسكري يوما ماً، غرق سفن، حوادث قطارات، سقوط طائرات، والأنكى أن الرجل لم يظهر مشاعر مقنعة بمشاركة ومواساة أهل الضحايا، والخوف على ضحايا محتملين.

ما يطرحه شفيق الآن هو تلك النبرة القوية التي توحي بقدرة خادعة على استعادة الأمن المفقود، لكن نظرته للشعب هي أنه لا يستحق الحرية. الرجل نفسه عاش وبنى نفسه داخل منظومة تحتقر الانتخابات وتدوس على رأي الصندوق، ولا تعمل على تحسين الأوضاع الاجتماعية للشرائح الضعيفة، بل تعتبرها عبئاً غير قابل للتوظيف من قبل أدوات الدولة لتحقيق إنتاج.

 حماقة الإخوان المسلمين ليست فقط في طمعهم في كل السلطة، ولا انقلابهم على من فتحوا لهم الطريق، ذروة الحماقة أنهم ظنوا أن العنف سيقضي على استعداد الناس المشاركة في مليونيات، وسيقيد عملية مواصلة التظاهرات الشعبية الداعمة لمطالب متعددة من السياسة إلى الإقتصاد. عنف الإخوان لتطفيش الناس من المليونيات أدى لعودة بعض القيمة لشفيق، للأسف، لكنها وهذ هو الجيد في الأمر لا تكفي وحدها لتوجيه الرأي العام القلق بشدة، والذي يناقش كل مستويات علاقة الإنسان بالدولة في وقت واحد.

ثمة قناعة أن منصب الرئيس شاغر حالياً، وأكثر من يؤمن ويتعامل مع هذه القناعة كحقيقة هو مكتب الإرشاد، لذا يحاولون أن يستحوذوا على كل ما هو ممكن من أدوات وعناصر التحكم، شركات، مناصب، قوانين مساعدة، أي شيء؛ إما التمكين أو امتلاك أوراق كثيرة للتفاوض للبقاء والمشاركة. الخروج من اللعبة هذه المرة يعني النهاية بالنسبة لهم، الخروج يعني طريق هلاك حقيقي وليس كما كان خروجهم بعد الصدام مع عبدالناصر.

إنها لحظة قلق حقيقية، من الطبيعي أن تقفز على سطحها صيغة "علاقة الحاكم بالرعية" فيفتش الوعي في ملفاته القديمة، ويستدعي آخر نسخة من ذلك القديم، شفيق، أو حتى جمال مبارك. هذا ليس نكوصاً بقدر ما هو كسل من منتجي الخطاب السياسي الجديد في الوصول لشرائح من هؤلاء القلقين، وربط الصيغة المعتادة بالنسبة لهم مع مستويات أخرى مفتوحة بالفعل للمناقشة.
 
جرافيتي من المحلة
 

No comments:

Post a Comment