Monday, March 25, 2013

دورة العنف.. الرصيد لا يسمح

متظاهرة في المقطم يوم الجمعة 22 مارس 2013
 
لم تستطع الجماعة التي نزلت إلى الميدان "ضبطه" وتوجيهه نحو سياسات قادتها. لم تستطع حشودها أيضاً أن تسرق الأضواء وتستحوذ على الثقل الجماهيري عندما اتجهت لساحات جديدة للتظاهر واستعراض الجماهيرية. بعدها، لم تنجح في لعب دور "الجماهير المؤيدة" للقرارات عند الاتحادية، بل إن صورتها تعرضت لمحو كامل مع اتجاه حشود كبيرة لنفس المكان تعترض على الإعلان الدستوري المشئوم.

 كانت المصلحة السياسية وراء التصعيد باستخدام شباب هذه الجماعة في فض الاعتصام حول الاتحادية بالعنف نقلة تهدف إلى ما هو أكثر من تنفيس الغضب والتعبير عن الإحباط من تفوق المنافس. العنف في حد ذاته وسيلة لتنفير الناس من الالتفاف حول المظاهرة.
 ثمة لذة وإبداع وترفيه وتفاعل اجتماعي وثقافي يستخدمه هؤلاء المتظاهرون الذين تتزايد أعداد مؤيديهم في كل مرة، ثم فنون للتظاهر والتعبير يتم تبادلها وتنميتها، وقد تم اكتشاف كلمة السر وراء إفشال ذلك، الكلمة التي لم يمتلكها المجلس العسكري، الذي كان قد سبق واستخدم العنف الرسمي المنظم فكان رد الفعل الشعبي مزيداً من الاحتشاد يشارك فيه عامة من الناس لايواظبون على التظاهر، ولا يشاركون في اعتصامات، لكنهم يظهرون كرد فعل مؤيد لمن يقومون بذلك. أما عنف الجماعة، العنف المدني المنتخب، فيدعو الناس للعودة للبيوت ومراقبة الموقف عبر الشاشة.
إنه يمنع ذلك التواصل الثقافي، تلك الفنون الجميلة، التي تتشكل ما بين الهتاف، والجرافيتي، والغناء، والمبادرات السياسية والمناقشات، وأهم من ذلك التواصل مع ذلك الذي يشاركك الوطن ويريد أن يبنيه معك، العنف يقتل الثقة في شركاء المجتمع. العنف يرخي ستائر الظلام. العنف يعزز الانحياز الأعمى. العنف جيد للرجعية.
لكن الجماعة، التي اكتشف ذلك بقدر لا يخل من الصدفة، وإن كانت ليست صدفة كاملة، تدفع كلفة كبيرة من جراء هذا العنف. خسائر بشرية بين فقد وإصابة، خسائر معنوية تذهب برصيد معظمه "حسن الظن" لدى بعض الناس الذين كانت الجماعة قد بنت لديهم قدراً من الثقة خلال رحلة معارضتها لمبارك. خسارة كبرى في مفهوم الدعوة، تكاد أن تجفف منابع كسب المزيد من الأتباع، وهؤلاء مهمون، لأنهم يدفعون المال والجهد لتعزيز بناء الجماعة، إنهم ليسوا مجرد صوت انتخابي مؤيد خسائر سياسية أخرى تعيد تقييم وزن الجماعة في نظر الجيش، وفي نظر الولايات المتحدة.
بعد عدة مصادمات مارست الجماعة فيها العنف بقسوة تكاتف من سبق وضربتهم مع من تهددهم، فانتهت أسطورة قدرتها على "ضبط" الشارع بهزيمة في مواجهة هي التي افتعلتها، وبدأتها. لقد تحولت إلى جهاز شرطة جديد يتحرك في بيئة لديها الاستعداد لأن تبادله العداء لو منحها المبرر باستخدامه العنف. لقد أصبح لديهم أسوأ أنواع الأعداء: عدو لا تعرفه.
الجديد أن ثمة أناس في الجماعة تطالب الرأس باستخدام أدوات السلطة ليحصل لها على شيء من الثأر للهزيمة، تلك السلطة التي دفعه هؤلاء كثيراً (من المال وغير المال) لتوصله ليها.
 
 
في الحقيقة لم يبق من أدوات السلطة في فرض الأمر الواقع بالقوة إلا القضاء، وقد استطاع مرسي اختراقه عندما تمكن من تعيين نائب عام يخدم سياساته وينحاز لتوجهاته، ونظراً لوجود خلخلة في بنية النظام القضائي، يكاد النائب العام أن يكون بمثابة الحاكم التنفيذي في ساحة القضاء، لأنه يؤثر كثيراً في طريقة توجيه العملية القضائية صوب تحقيق غايتها وهي العدالة، لكن تأثيره ليس مطلقاً، أو هكذا يبدو الأمر حتى الآن.
لم يبق إلا القضاء لأنه في الطريق نحو إخضاع الجماهير تمردت مدن القناة، فاستنجد مرسي بالجيش لتطبيق الطوارئ، إلا أن الأمر انقلب إلى فرح شعبي شارك فيه جنود الجيش نفسه، فثبت أن العيب في السياسات وليس في وسيلة "الضبط"، وثبت أيضاً ما يستدعي إعادة الموازين بين القوى السياسية، فقد سلم الجيش السلطة لمن يفترض أنه يتمتع بتأييد شعبي، أما وإنه يحتاج إلى استخدام الجيش كشرطة محلية، فذلك يتطلب إعادة تقييم الموازين بالكامل.

فيديو يبين استعدادات ميليشيا الجماعة لمهاجمة المتظاهرين
كم دورة من العنف شهدتها مصر تحت حكم محمد مرسي منذ إعلانه الدستوري المشئوم؟
لقد تآكل ما يمكن اعتباره رصيد مرسي وجماعته، وتآكلت سلطة الرئاسة، وهي كما سلطة مبارك الأصل الذي تستمد منه كل سلطات النظام شرعيتها، فلا برلمان يؤبه له، ولا حتى للقضاء مكانته الاعتبارية فوق الجميع، كون مرسي نفسه قد وضع نفسه وبرلمانه والجمعية التي كتبت دستوراً يناسب هوى تياره السياسي فوق القانون لفترة من الوقت، وعزز سلطته بإخضاع النائب العام له. لقد نزل مرسي بمكانة القضاء درجة عن تلك التي كان قد وصل إليها مبارك، ففقد القضاء الخصوصية التي ظل يحافظ على مسحة منها، حيث أفسح مبارك مساحة في القضاء لممارسة المعارضة والطعن على قرارت الرئيس والحكومة.
في ظل هذا التآكل الشديد في الرصيد تحاول الجماعة خصم شيء من رصيد المعارضة، بأن تشير إلى متهم بالشراكة معها في العنف، خاصة أن المعارضة السياسية تتمدد حزبياً، وتبني رصيداً ناشئاً يدرب الناخبين على التصويت لها في الأطر الانتخابية الأولية كمجالس الطلاب، والنقابات.
لا توجد معارضة سياسية رسمية متورطة في العنف، هي فقط ترفض سياسات الإخوان في الاستحواذ على مفاصل النظام السياسي الذي لا يريد أن يتشكل، لكنه يحتاج لعدة أطراف من أجل تشكيله. والإخوان بقيادتهم الحالية التي لاتزال تعيش تحت تأثير نشوة التمدد الجماهيري خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، لا ترى في المعارضة سوى "نخبة" كما كانت تراهم في ذلك العقدين اللذين شهدا انحساراً لمفاهيم اليسار والليبرالية، واستسلاماً لفشل التحديث أصاب توجه نحو الدولة المدنية بالشلل وقتها.
اتهام المعارضة بممارسة العنف ملفق، واتهامها بأنها "تسكت عن العنف" وتوفر له غطاءً سياسياً مجرد خطاب طفولي، فليس دورها أن تدين ما يضايقك، وإنما تقديم سياسات بديلة.
لكن وسط كل الخسائر التي تسبب فيها مرسي لنفسه ولجماعته تمكن "العنف" من تنفير قدر من الناس من التظاهر.
سيكون تحدياً أمام المعارضة حشد الناس في "مليونية" قادمة، سيكون التحدي في صياغة هدف وغاية الاحتشاد، لا شك أنها لابد وأن تنطلق من التحرير، ولاشك أن احتشاد الجماهير هذه المرة بعد أن تعرى الغطاء الجماهيري للجماعة نتيجة إساءتها استخدامه له، وخياناتها لثقة الجماهير في لعب دور سياسي يحقق الاستقرار، سيكون لهذا الحشد ميزان جديد إذا ما واجه الديكتاتور الذي حقنته جماعته بالشر.
 

No comments:

Post a Comment