Saturday, March 9, 2013

الإسلام السياسي وورطة الحكم باسم الثورة


 
تشبع خطاب الإسلام السياسي منذ نشأته بنزعة الخصومة، لم يتجه كدعوة للتطور، وإنما لصد الحداثة كونها جاءت مع الاستعمار، ثم اتجه بعد ذلك لضرب حركة التحرر الوطني لأنها مضت في محاولة للتحديث متخذة من الجيش مؤسسة مركزية، وسعت إلى تحديث البنى الإقتصادية والاجتماعية، فاعتبرت حركة الإخوان أن استعانة ثورة يوليو بها مجرد غطاء مؤقت، ووقع الخصام بين الإخوان وبين مسعى التحديث.
 
بعد أن نالت تنظيمات الإسلام السياسي حق العمل العلني عقب ثورة 25 يناير اتجهت نزعة الخصومة صوب التيارات المدنية والحركات اليسارية، وائتلافات الشباب الباحث عن الحرية والعدالة الاجتماعية؛ والتي كان لها دور رئيسي في الدعوة للثورة، ودفعها نحو إسقاط مبارك، وعدم الاكتفاء بما تفاوض عليه الإخوان مع عمر سليمان، وما كانوا قد قبلوا به من تولية أحمد شفيق رئيساً للوزراء.

  كان تولي الإخوان السلطة الرئاسية، وانفراد الإخوان والسلفيين بكتابة الدستور مأزقاً كاشفاً للتناقضات الكبيرة بين مشروعهم وبين دوافع الثورة وتطلعات الثوار، وأيضاً أحلام الشرائح الاجتماعية التي انحازت للثورة وسعت للتغيير.
 

راهن الإخوان والسلفيون على تصعيد الشحن الأيديولوجي ضد خصومهم، ومهادنة الغرب، وهو عكس مسار الثورة الإسلامية في إيران على سبيل المثال، وهو توجه مغاير تماما لخطاب الهوية الذي تبناه الإسلام السياسي التركي بنسختيه المتشددة التي قدمها أربكان وقادت لانقلاب عسكري ضده، والمعتدلة التي جسدها أردوغان بتوافقه مع العلمانية وتركيزه على الإقتصاد.
 
النسخة (أو المسخ) المصرية لم تستطع أيضاً التشبه بنظيرتها الباكستانية، لأنها وصلت إلى كرسي السلطة في مصر على أكتاف الهتاف المضاد للعسكر، وهو توجه غير موجود في باكستان، التي يحظى العسكر فيها بتوافق شعبي يصل حد الإجماع، كون الجيش الباكستاني جوهري للدولة التي نشأت بعد معركة انفصالية عن الهند، ويكتسب هيمنته العليا من وجود الخطر الهندي المتفوق على باكستان، وهو ما يسهل على الإسلاميين المتشددين في باكستان تصدير الخصومة للخارج.

 في مصر لم يكن للإخوان أن يصلوا للسلطة لولا نزعة إسقاط الهيمنة العليا للمؤسسة العسكرية بشقيها الجيش والشرطة، لكن التعجيل بإنهاء الحكم الانتقالي العسكري في  مصر كان يتطلب منهم تعديلاً في توجهاتهم، وليس ترقيعاً مزيفاً في طريقة الأداء.

قطاع عريض من الناس لم يبلع التزييف، ويوماً بعد يوم يكشف المزيد من أبعاده، مع تنامي أطماع أتباع الإخوان في الاستحواذ على مفاصل الدولة، دون وجود مشروع حقيقي للنهوض بالبلد وتحديث مؤسساتها، أو حتى تلبية التوقعات الثورية الأساسية.
 
الثورة نفسها اندلعت كصدام بين الشعب والشرطة يوم عيدها (25 يناير). صدام كان يهدف حسب وثائق الداعين للتظاهر في ذلك اليوم (مراسلات وائل غنيم وأحمد ماهر مثلاً) إلى توجيه رسالة قاسية للنظام تعبر عن مدى العداوة والغضب الذي يشعر به الشعب تجاه مؤسسات القوة في البلد التي تستخدم لقمعه. لكن انحياز قطاعات شعبية عريضة كانت تعرف بالأغلبية الصامتة نقل الحدث لمستوى لم يكن متوقعاً، لمستوى ثورة، مستوى يوازي التغير الكبير في علاقات إنتاج المعلومات الذي كان قد تحقق على الإنترنت، وأسقط إعلام السلطة فعلياً قبل أن تنزل الثورة إلى الشارع.
 
نزعة الخصومة التي لا يستطيع قادة اليمين الديني المتشدد التخلي عنها، لأنها تفقدهم الولاء الأيديولوجي لدى أتباعهم، مضت كلها في اتجاه مضاد لمن أشعلوا الثورة! أو من كانوا وقودها وعصبها، وأداتها في التعبير!

 حاول الإخوان اختزال الثورة في إسقاط مبارك والاستحواذ على البرلمان، لكن شباب الثورة مضوا في تطوير ثورتهم بإسقاط أحمد شفيق كرئيس للوزراء، ثم محاكمة مبارك، ثم المطالبة بحقوق فئوية ونقابية وعمالية، ونقابات مستقلة (حصلوا عليها من المجلس العسكري ثم ألغاها دستور الإخوان)، ثم المطالبة بتسليم السلطة من المجلس العسكري، وسياسات إصلاح إقتصادي جذري لتحقيق العدالة الاجتماعية، وآليات للعدالة الثورية ضد الجرائم التي تعرض لها الثوار (القصاص). لكن ذلك كثير كثير على مضمون وقدرات النسخة المصرية من الإسلام السياسي.
 
لا تستطيع تبرير التنازل عن أحلام هذه الثورة ومطالبها وتطلعاتها والقيمة الإنسانية والتضحيات التي ملأت مسارها معتمداً على شماعة خصوم الداخل؛ ومعظمهم ممن أعطوا للثورة أرواحهم وعيونهم، وأجسامهم!

من أسوأ المحاولات لعمل رواية رسمية تفسر الأحداث، وإشاعاتها بين الناس، محاولة تلبيس التيارات السياسية المدنية من يساريين وليبراليين أسباب فشل السلطة الحالية في النهوض بالبلد. هذه التيارات وشبابها هم من أعاد نبضهم السياسي الحركة للشارع الذي كان صامتاً، وتجاوب مع تضحياتهم  جموع من البسطاء ومن شرائح وسطى اقتنعوا بالجانب الحقوقي في نشاط هؤلاء.

 الثورة حقوقية لأن الشعب استجاب ونزل يبحث عن حقوقه، لا لأن الحقوقيين أشعلوا ثورة. هم فقط سهلوا التعبير عن أصحاب المطالب من شرائح الشعب البسيطة.
 
مطلب الإخوان ليس من الثورة في شيء، وأسلوب الرشوة السياسية للأصدقاء وحشد العداء الأيديولوجي لخصوم الداخل قاد البلد إلى نزاع أهلي أكثر من مرة في أشهر قليلة، ولا ينقص هذا النزاع والمصادمات حتى تتحول لحرب أهلية سوى اقتصاد هذه الحرب (والعياذ بالله)، ومثل هذا الإقتصاد يتطلب تمويلاً خارجياً وانهياراً للجيش، وهما عاملان لا يبدو أنهما سيتوفران، لكن الوصول بالوضع السياسي إلى الحافة يبدو سياسة ممنهجة، أو أنها سياسة اكتشف اليمين الديني المتشدد أنها النتيجة الواقعية لسياسات العداء ونزعة الخصومة والإقصاء الداخلي التي لا يملك غيرها ليضمن ولاء الأتباع، فقرر التعايش معها والإفادة منها زاهداً في توسيع مساحة الرضا الشعبي عنه بأساليب غير الرشوة، واستغلال ضعف الشرائح الأكثر احتياجاً.
 
الخروج من دوامة هذه الحلقة المفرغة لن يحدث بواسطة توجه مستنير انفتاحي من داخل تيار اليمين المتشدد بعدما عاد أبوالفتوح لحظيرته، وانكشفت تمثيلية حزب الوسط كمسمَّى يستخدمه الإخوان ستاراً لجذب من أثرت فيهم الدعاية السلبية ضد الإخوان لكنهم في الأصل يميلون للتيار الديني.
 
الخروج من دوامة هذه الحلقة مرهون بوعي الشعب وحركته الجماهيرية لوقف هذه الدوامة التي تمتص كل رصيده سواء من الماضي القريب للدولة المصرية، أو رصيد الشعب من المشاعر الوطنية، أو رصيده من الحلم الذي ولد مع الثورة.


هامش: الإسلام السياسي ونزعة الخصومة-1
http://ahmed-gharib.blogspot.ca/2012/12/blog-post_17.html
 
 
 

No comments:

Post a Comment