غبار الثورة يهدأ، لكن قوة الدفع نحو
التغيير مستمرة.
خضنا تجارب تزن عقوداً خلال عام ونصف، بعد
حرمان طويل، أخطأنا –نحن البسطاء الذين نمارس حق التعبير لأول مرة- ولكن أصبح
لدينا إرثاً كبيراً نتعلم منه.
كنت أقلب بين صفحات أرشيفي، ووجدت هذه
المقالة للدكتور عمرو حمزاوي، عن مراجعات الجماعتين الإسلاميتين اللتين استخدمتا
العنف ضد المصريين وغير المصريين على أرض مصر، منشورة في الأحد
19 ربيع الثاني 1431هـ - 04 أبريل 2010م، على موقع جريدة "المصري
اليوم"، بعنوان "حول أهمية مراجعات الجماعة الإسلامية وجماعة
الجهاد"، وقد راعني بعد الثورة أن أجد امتدادات وممثلين لهاتين الجماعتين في
البرلمان المصري الذي تم انتخابه، وقد نالوا ثقة المجتمع في العمل كمشرعين يشاركون
في إصدار القوانين له.
التوبة الندم، كما تعلمنا، لكن هل تكفي توبة بعد توبة
لإقناع الناس بتولي مسئولية جسيمة مثل التشريع؟
أليس من حق من سفكت
دماؤهم، أو خافوا من مصير محكوم بالدم يقرره مجهولون قفزوا على سقف التاريخ كقراصنة
وفرضوا منطقهم وصوتهم بالقوة، أليس من حق هؤلاء أن نراعي ضمائرنا ونحمي المجتمع
ممن سبق وارتكبوا جرائم في حقه؟
أترككم مع المقال
الذي كان قد ترك في نفسي أثراً إيجابياً قبل الثورة، مثلما فعل مع حمزاوي، فتحمس وكتب،
وأواصل تعليقي على المقال بعد إطلاعكم عليه الآن، بعد أن هدأ غبار الثورة قليلاً:
حول أهمية مراجعات الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد
هذا اعتراف متأخر بأهمية مراجعات
الجماعة الإسلامية، وبعض الفاعلين فى جماعة الجهاد، بكونها لم تتوقف عند نبذ
استخدام العنف ونزع الشرعية عنه، بل طوّرت، ولو بطرق مختلفة، عددا من الأفكار
والآراء الجديدة التى تتمحور حول النشاط الجهادى اللاعنفى. فقد أمضيت الأيام
الماضية فى قراءة مفصلة لمراجعات الجماعة الإسلامية، ولوثيقة ترشيد الجهاد لسيد
إمام الشريف، ويعنينى قبل الخوض فى تحليل مفصَّل لبعض أفكار وآراء المراجعات،
صياغة ملاحظات ثلاث لفهم المراجعات:
الملاحظة الأولى: على الرغم من أنّ الكثير من أصوات نهج المراجعة البارزة فى الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد كانوا أو مازالوا بالسجون المصرية، إلا أن ذلك لا يُقلِّل من صدقيّة نبذهم العنف أو دحضهم التطرّف كوسيلة لتغيير المجتمع والسياسة. صحيح أن العديد من هؤلاء القادة من دعاة نهج المراجعة دخلوا فى حوار مع قوى الأمن، وتبادل بعضهم الأفكار مع علماء الدين والمثقفين المقرَّبين من النظام المصرى، إلا أنّ أفكارهم وآراءهم الجديدة تطوّرت بشكل حقيقى ولا ينبغى أن تُختزَل بتفسيرات مغالية فى التبسيط أو بالنزعة التآمرية.
الملاحظة الأولى: على الرغم من أنّ الكثير من أصوات نهج المراجعة البارزة فى الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد كانوا أو مازالوا بالسجون المصرية، إلا أن ذلك لا يُقلِّل من صدقيّة نبذهم العنف أو دحضهم التطرّف كوسيلة لتغيير المجتمع والسياسة. صحيح أن العديد من هؤلاء القادة من دعاة نهج المراجعة دخلوا فى حوار مع قوى الأمن، وتبادل بعضهم الأفكار مع علماء الدين والمثقفين المقرَّبين من النظام المصرى، إلا أنّ أفكارهم وآراءهم الجديدة تطوّرت بشكل حقيقى ولا ينبغى أن تُختزَل بتفسيرات مغالية فى التبسيط أو بالنزعة التآمرية.
المصالحة مع المجتمع لا تبدأ من البرلمان، هي درب طويل
بالفعل، وهناك عدالة ننشد تطبيقها على من أباحوا لأنفسهم حق انتهاك الإنسان واعتقاله
وتعذيبه، فكان لهم دور مؤثر بين مجموعة عوامل أخرى في تشكيل وعي وقناعات من آمنوا
بالعنف، لكن بالمقابل التعاطف مع من
تعرضوا للعنف والاعتقال، التعاطف مع جانب من الجوانب الإنسانية لدى ضحية، لا يعني
السكوت على جرائم مرتكبها، فما بالنا وقد ذهب الأمر وسط غبار الثورة إلى رفع من
ارتكبوا الجرائم إلى مصاف الحكمة والقيادة وانتخابهم برلمانياً من قبل عشرات
الآلاف ( وهو أقل عدد من الناخبين في أي دائرة برلمانية) ليكونوا قيادة مشرفة على
التشريع رقيبة على الأداء العام، ومتحدثة باسم الجموع.
ما كنا نقبله كخطوة عقلانية وإجتماعية في طريق التصحيح والاندماج
مع المجتمع ومصالحه العامة تحت حكم مبارك، ليس مقبولاً الآن بعد أن سقط مبارك،
وغاب عهده.
من ارتضى عقله
وضميره أن يبحث عن السلاح ويمسك به ويستخدمه ضد مصري مثله، شريك له في الأرض
والحقوق، لمجرد أن هذا المصاب بجنون العظمة قد توصل لتفسير ما يبيح له القتل
والانتهاك والترويع، لا يمكن أن تصنع تراجعاته عما كان قد منحه لنفسه سوى صواباً
واحداً، أما خطيئته في ميزان الدنيا، ووفق المعايير الاجتماعية والثقافية فهي جملة
من الأخطاء، ثقيلة الوطأة ومؤلمة؛ تتطلب عزلاً، ونقداً مستمراً لمسلكه، وتراجعاً
منه بقبول واعتراف "طوعي" بأنه يحتاج إلى تأهيل، لا أن يترشح للبرلمان!
وينتخبه الناس!!
لقد تمت هذه المراجعات تحت سقف الدولة الأمنية التي كان
حبيب العادلي وأجهزته يلعبون فيها دور العصا الغليظة، تمت تحت سقف الخوف والرعب،
ولم يعد لها نفس القدر من الاحتفاء والأهمية التي قام عليها مقال د. عمرو حمزاوي -وكنت
من المحتفلين المستبشرين به- لقد مضى عام ونصف، لكن في الميزان الحقيقي هو بمثابة
عقود من التحول والتفاعل. وقد أصبح المجال السياسي مفتوحاً الآن للعمل، بل وسمح
بوصول ممثلي هذه الأفكار إلى البرلمان، هذا المجال لم يعد يؤمن بالخوف، ولا يحتاج ولن
يحتاج لهذه الأساليب مرة أخرى، لقد أصبح المواطن المصري مالكاً لقراره، مدعواً
للتعبير عنه، ولا يمكن أن يتنازل عن حقه في عزل هؤلاء الذين أباحوا جسده وممتلكاته
العامة، لمجرد أنهم عرفوا أنهم مخطئون، هناك عزل سياسي مطلوب تحقيقه، عزل يدعو
إليه ويطبقه في صندوق الانتخاب كل صاحب وعي وضمير وخوف على بلده، عزل يكون بمثابة
ضغط إجتماعي وسياسي على هؤلاء حتى يواصلوا درب التوبة الحقيقي الذي يبدأ بالندم
ليمضي قُدماً نحو تصحيح الخطأ.
هناك عزل ثقافي وفكري، فلا يمكن أن نعيد كتابة تاريخنا بصدق
دون أن يتضمن إشارة واضحة وقوية إلى قراصنة السياسة والتاريخ، قراصنة القيم، الذين
منحوا لأنفسهم حق تكفير الناس، وحق إصدار العقوبة عليهم، وأيضاً حق تنفيذها
بالقوة، مستهينين أيضاً بالضرر الذي يخلفه هذا التطبيق على أبرياء آخرين قد يكونون
في موقع الحدث الذين اختاروه هم لتطبيق ما توهمته عقولهم.
العزل تطهير ليس
فقط لهؤلاء بل لأبناءنا، وما نورثه لهم، ومستقبل مجتمعنا، لا يصح أن نترك أبناءنا
دون تعليمهم حقيقة خطأ هؤلاء، وجسامة ما يمكن أن يترتب على هذه الحالة التي شهدت فشلاً
كلِّياً من قبلهم في
استخدام العقل.
العزل والتطهير يكون بفحص مناهج جماعة الإخوان المسلمين التثقيفية والتعليمية، والتي تُعرف بأنها الجماعة الأم لكل هؤلاء، نريد تطهير مناهج هذه الجماعة من الأخطاء التي ينتج عنها منشقون، يتحولون إلى مجرمين يستبيحون العنف، نريد أن نرصد أين جذر الخطأ، ليتم تطهيره.
استخدام العقل.
العزل والتطهير يكون بفحص مناهج جماعة الإخوان المسلمين التثقيفية والتعليمية، والتي تُعرف بأنها الجماعة الأم لكل هؤلاء، نريد تطهير مناهج هذه الجماعة من الأخطاء التي ينتج عنها منشقون، يتحولون إلى مجرمين يستبيحون العنف، نريد أن نرصد أين جذر الخطأ، ليتم تطهيره.
العزل ليس فقط عدم انتخابهم للبرلمان في سنوات مقبلة، على أقل
تقدير، بل بفضح الشر الكامن في الطريق الذي سلكوه، ومطالبتهم بالتوبة الحقيقية عن
طريق الاعتراف الحقيقي الحر بالخطأ، ومقاومة تكراره بأنفسهم.