Thursday, February 2, 2012

استقرار العنف


أحمد غريب

كل الطرق التي سلكها الشعب المصري أدت إلى العنف، رغم أن النوايا والتطلعات كانت تهدف إلى العكس!

هناك أنماط من الثورة شهدتها التاريخ، ونحن لسنا بدعاً، هناك النمط الإنجليزي الذي يبدو أن مصر تحديداً قد سلكت طريقه منذ صوتت أغلبية الشعب لخيار "نعم" مغلبين فكرة الاستقرار السريع، الذي منح المؤسسة العسكرية (دون أن يتضمن مضمون التصويت ذلك صراحة) نوعاً من التفويض الكامل، فلم يعقد المجلس العسكري لقاءات مع القوى الوطنية التي شاركت في الثورة، سوى مرة واحدة قبل الاستفتاء تحت مسمى (الحوار الوطني)، ولم يعقدها بعد الاستفتاء، بل انطلقت قوى الثورة المضادة لتمارس حضورها السياسي بواسطة إشعال الفتن الطائفية، وإشاعة الفوضى الأمنية، وحملات تخوين بعض الفصائل التي شاركت وضحت من أجل الثورة، وإطلاق اتهامات التخوين وتلقي أموال من الخارج.

لم يحاول المجلس العسكري الحاكم الاستماع، مجرد الاستماع، إلي طرف مخالف له إلا بعد أحداث "محمد محمود" بقبوله فكرة تولي البرادعي وزارة إنقاذ، وقد عرض الفكرة على القوى الحزبية التي كانت تستعد لبدء الانتخابات البرلمانية، ورفض قسم رئيسي منها هذه الفكرة، مكلفاً "العسكري" بالبحث عن رئيس وزراء مناسب غير البرادعي، وحل استقراري غير فكرة وزارة الإنقاذ. المصدر في ذلك هو أبو العلاماضي رئيس حزب الوسط الذي أعرب لجريدة الأهرام عن دهشته من هذا الخيار لبعض القوى الحزبية، دون أن يسميها.

يمكننا أن نفهم من هي هذه القوى الحزبية التي عارضت مشاركة جزء من السلطة مع ممثل للقوى السياسية التي لاتزال في الميدان، معتبرة أن الانتخابات البرلمانية كفيلة بالحل. هي لا شك إحدى القوتين الأكثر عدداً في البرلمان (الإخوان أو السلفيين) أو كلاهما.

لكن هل المسألة مجرد المشاركة في السلطة؟

بالطبع لا، إنها تتعلق أكثر بالتوجه السياسي الذي لايزال يدلل الفلول ويحمي من كانوا في السلطة قبل 25 يناير، ويحافظ على سياسات تحمي مكاسب القوى التي سادت قبل 25 يناير، ويتعلق الأمر أيضاً بالمطالب التي لم تنفذ والسياسات المرجوة التي لم يعلن أي فصيل سياسي له حصة رئيسية في البرلمان عن نيته تبنيها، بل يتم ضرب عرض الحائط بها رغم صراخ الجميع بها في الميدان وفي المسيرات.

 هذه المطالب لاتجد من ينفذها أو يتبناها، و"الإخوان" الذين يشكلون الأغلبية البرلمانية صريحون، ففي لقاء مع الأستاذ صبحي صالح تضمنه برنامج "من سيحكم مصر" للإعلامي أسعد طه على قناة الجزيرة، قال الرجل (مبتسما) رداً على سؤال حول المحاكم العسكرية: "لقد جربناها، والآن بعد الثورة رفع الحظر الذي كان مفروضاً علينا من الوصول للوظائف السيادية والكبرى في الدولة، ومنها القضاء"، الذي يعنيه هو شخصياً. هكذا يصعب على قوى سياسية تفكر بهذه الطريقة أن تتبنى مطالب عامة، أو تستفيد منها قوى أخرى تتألم لعدم تلبيتها، حتى لو كانت مطالب تمثل قطاعات شعبية عريضة نسبياً، فمن في السلطة، او من يمثلون دور الساتر الذي يحميها (البرلمان) يستسهلون خداع هذه القطاعات من الرأي العام من خلال إرباكها بدعاية إعلامية تستهدف مصداقية من يعبرون عن هذه المطالب وعن هذه الكتل.

للأسف أصبح الخيار الذي تقدمه السلطة بعد عملية تغيير تحسين وجهها بوجود برلمان شكلي: العنف، أو الاستسلام والتنازل عن المطالب الشعبية. فلم يصدر البرلمان أي قانون يعبر عن تصحيح أي وضع من الأوضاع التي كانت قائمة قبل الثورة!

 لم يتم إلغاء المحاكمات العسكرية، بل تم رفع الحصانة عن أحد النواب ليواجه المحكمة العسكرية!

 لم يصدر قانون واحد يصحح أياً من أوضاع الأجور أو الضرائب او طرق الإنفاق الحكومية غير المقبولة!

 هل يعقل أن الثورة لم يكن لها مبرر ولا يوجد في الأوضاع ما يحتاج إلى تصحيح؟!



 لقد أدت الخيارات الشعبية التي غلَّبت فكرة "الاستقرار السريع" إلى احتفاظ القوى المضادة أو غير المتحمسة للثورة بكل امتيازاتها، بل وبقوتها الضاربة التي تعمل بكفاءة متزايدة من محطة إلى أخرى نحو القضاء على مطالب التغيير ومن يمثلونها، وفي كل مرحلة تقوم بتصعيد العنف، أو تحمي تابعيها من عواقب ممارسة عنف ( مثل الضابط الشناوي قناص العيون، أو حماية الضباط الذين أمروا وأشرفوا على كشوف العذرية، وقبلهم حماية قتلة ثوار يناير من العقوبة) في كل مرة تحقق هذه القوى التي تحمي هؤلاء مكسباً أكبر هو "تخويف" البسطاء وذوي الدخل البسيط، وكثير من المصريين العاديين الذين كانوا قد اختاروا "الاستقرار" منذ البداية تقليلاً للأضرار، لكنهم لا يعرفون لماذا كلما ظنوا تحقق الاستقرار يقوم أصحاب السلطة بمزيد من العنف، مرة تسمح الظروف بتصديق الحملات الإعلامية الكاذبة بتحميل مسئولية العنف للمتضريين من العنف نفسه (إيه اللي وداهم هناك) ومرة لا تسمح مثلما حدث في أحداث ستاد بورسعيد، والتي أصبح فيها العنف على المكشوف، نتيجة وجود حائط صد الآن اسمه "مجلس الشعب" يمكنه أن يشارك "المجلس العسكري" في تلقي شحنات الغضب المتولدة عن سفك الدماء، وبالتالي تم رفع جرعة العنف لوجود حائطين صد وليس واحداً فقط.

إلى كل من اختاروا الإستقرار ولم يتبينوا حقيقة نوايا السلطة التي أوكلوا إليها تطبيق سياسيات هذا الاستقرار، أرجوكم أفيقوا قبل أن يستقر العنف إلى ما لا نهاية في حياتنا من خلال دورات من الثأر، فسوف يصل إليكم المجرمون يوماً ما بعد القضاء على من وقف في وجههم.

مصمم اللوحة هو الشاب: محمد عيد، أحد متطوعي صفحة "كلنا خالد سعيد"، فقد إحدى عينيه باشتباكات الداخلية فبراير2012

No comments:

Post a Comment