Friday, January 20, 2012

متحف الأحذية.. تاريخ الشعوب "سيراً على الأقدام"

"الكعب العالي" وصل أوروبا بتحالف الفرس والإنجليز ضد الأتراك!
 
الحذاء الفارسي الذي نقل الكعب العالي لأوروبا ومنها إلى العالم

أحمد غريب
Photos: Bata Shoe Museum- Toronto

تقترح الباحثة الكندية إليزابث سيميلهالك نظرية مثيرة حول انتقال حذاء الكعب العالي إلى أوروبا يلعب فيها التحالف السياسي بين الفرس والإنجليز ضد الأتراك العثمانيين دوراً رئيسياً، وتشير نتائج نشرها متحف "باتا للأحذية بتورنتو" إلى الجذور الفارسية لهذه الموضة التي بدأت كحذاء للفرسان ثم أصبحت حكراً على النساء، وتسلط سيملهاك الضوء على دور التحالف بين الإنجليز والشاه عباس الأول الذي حكم إيران في أواخر القرن السادس عشر ضد الأتراك العثمانيين الذين شهدت إمبراطوريتهم نمواً هدد طرق الوصول إلى المستعمرات البريطانية.
 تعمل سيملهاك باحثة وأمينة مقتنيات متحف باتا للأحذية الفريد من نوعه في تورنتو، والذي يعرض 12500 قطعة هي مقتنيات السيدة سونيا باتا منذ أربعينات القرن العشرين، وقد أصدر المتحف كتابين لسيملهاك المتخصصة في تاريخ الفنون، تشرح في أحدهما ملابسات انتقال الكعب العالي إلى أوروبا، ودور الرفض المسيحي في القرون الوسطى للحمام الشرقي في تراجع صناعة القبقاب أوروبياً رغم نشأته اليونانية، إلى جانب تتبع تفاصيل تاريخية إنسانية حول مقتنيات المتحف من أحذية يعود بعضها إلى الفراعنة والعهد القبطي في مصر.
تستمد نظرية سيملهاك حول الأصل الفارسي للكعب العالي من ثلاثة شواهد في تصميم الأحذية الفارسية ورسومات بعضها للشاه عباس الأول وفرسانه مرتدين أحذية الفرسان ذات الكعب العالي والتي اشتهرت لاحقاً كأحذية لـ "الكاوبوي"، وقد نال فرسان الشاه إعجاب الأوروبيين حيث لعبوا دوراً في لجم التوسع العثماني، والشواهد التي أوردتها الباحثة هي: موضع الكعب من الحذاء، استعمال نعل من الخشب مغطى بعدة طبقات خشبية يتكون منها الكعب المعروف حالياً بأنه تصميم إنجليزي، استلهام تصميم ذيل السمكة الفارسي في شكل الحذاء.
 وتستبعد الباحثة الكندية فكرة تطوير صنَّاع الأحذية لأسلوب ترقيع الحذاء بقطعة جلدية ليراكمو طبقات تصنع كعباً عالياً، بل تعتبر ذلك التفسير سخيفاً كونه تجاهل لحقيقة واضحة تاريخياً أن الكعب العالي وصل إلى أوروبا من الشرق، وأن نماذجاً منه وُجدت بين مقتنيات بعض النبلاء من أحذية مشرقية تلقوها هدايا من بعض الأتراك العثمانيين وغيرهم ضمن محاولات ترطيب العلاقات خلال القرنين السادس والسابع عشر.
وتتخذ الباحثة الكندية من تاريخ صنع حذاء ذي كعب عال للملكة إليزابث الأولى عام 1590 نقطة تحول في تاريخ صناعة الأحذية في أوروبا، وهي الفترة التي شهدت انتقال مركز الموضة من فينيسيا إلى شمال أوروبا، وتحديداً إنجلترا وهولندا، وتوجد وثيقة تؤرخ لأحد أوامر تصنيع الأحذية للملكة عام 1595 وُجدت بين دفاتر حساباتها تتضمن مواصفات الحذاء المطلوب وهي "أن يكون من الجلد الإسباني، وذا كعب عال، ومقوس الشكل".
    من أوائل أحذية الكعب الأوروبية بتصميم ذيل السمكة الفارسي
من الفروسية إلى الأنوثة!
وقد وجدت سيملهاك أن ارتداء الكعب العالي خلال القرن السابع عشر علامة انتماء للطبقة العليا، وقد ارتداه كل من الرجال والنساء والأطفال بشكل واسع ولم يعد مقصوراً على أغراض ركوب الخيل والفروسية التي انتقل بسببها من فرسان الشاه عباس الأول إلى حلفائه الإنجليز، وتتكئ أطروحة الباحثة على أن الكعب العالي كان غير عملي للمشي، وهو ما لبى تطلع الطبقة العليا للتميز لعدم إمكانية انتشاره بين الطبقات الأدنى كونه غير مناسب للأرض الطينية.
وعن تحول ارتداء الكعب العالي إلى سمة نسائية فقط ترصد الباحثة موجة "تمييز الرجولة" في الثقافة الأوروبية خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر، والتي تحدثت عنها بوضوح مسرحية السير جورج إيثيرج الكوميدية عام 1676 "رجل الموضة"، وصولاً إلى كتابات توماس باركنز عام 1714 التي تدعو الرجل إلى تقصير كعب حذائه درجة أقل من امرأته، حتى اعتبر الكعب العالي حكراً على النساء وحدهن عام 1730.
 ويبدو تراث الشعوب كما يعرضه متحف باتا للأحذية خليطاً من صراع القيم الثقافية، حيث يحتوي بعضاً من نوادر المقتنيات الفرعونية يعود تاريخها لأكثر من أربعة آلاف سنة وأخرى قبطية صنعت حوالي عام 400 م، ومجموعة من قوالب الأحذية الفارسية تعود إلى 800 عام قبل الميلاد، إضافة إلى أحذية أخرى تقوم سيملهاك بتتبع تاريخها الإنساني من أطرفها حذاء فارسي مزين بكثير من الخرز من القرن الـ 19 وُجدت داخله ورقة ملفوفة هي قصيدة شعر من صانع الحذاء لمن ارتدته! كما يقتني المتحف حذاء تزلج بأربع عجلات معدنية صُنع عام 1840 وهو قطعة "تقدمية" بكل المقاييس حيث لم يكن تركيب عجلات للحذاء منتشراً وقتها!
وعن القيم الثقافية والجمالية وراء أشكال الأحذية تقول سيملهاك: "خلال بحثي وجدت أن كلا من العامل الوظيفي والجمالي ليسا الأكثر تأثيراً، فمثلاً أحذية البربر تتميز برقبة عالية للحماية من زواحف الصحراء، لكن أشكالها تأثرت بقيم أخرى حيث يرمز شكل الضفدع إلى جلب الخصوبة، والمثلث إلى إبعاد الأعين الشريرة، بينما تجد أصداء الميل القبطي للون الأحمر في زي رجال الدين حالياً، وترى تأثيراً حاسماً لرفض المسيحية في أوروبا للحمام الشرقي على اختفاء صناعة القبقاب في أوروبا، بينما تشاهد ازدهاره في بلاد إسلامية بسبب حث الثقافة على الاستحمام".

حذاء قبطي من القرن الرابع من مقتنيات متحف باتا بتورنتو
وتوضح الباحثة الكندية: " ما جذبني إلى هذا النوع من البحث التاريخي منذ عشر سنوات هو تقديري للأعمال التي عبرت عن لحظتها وكان لها قيمة وقت صناعتها، فهي صُممت ليتم ارتداءها وتعيش لحظتها، والكشف عن ما كانت تعنيه لكل من صانعها ومرتديها هو ما يحفزني على البحث التاريخي".
 وتشير سيملهاك إلى قصة "صانعة أحذية أمريكية الأصل تدعى سين كويت ستيرم (من الهنود الحمر) صنعتْ تصميمات أحذية تنتمي إلى مناطق أخرى في أمريكا وكندا بعيدة تماماً عن منطقة "كودو" التي عاشت فيها، وهي تكساس الحالية، وقاد البحث إلى الربط بين تاريخ الصناعة 1909 وقرار حكومة الولايات المتحدة بترحيل جميع السكان الأصليين من ساحل الأطلنطي وشرق القارة إلى ما وراء المسيسيبي، حيث تعلمت هذه الإسكافية تصميمات من هنود حمر آخرين لم تكن تعرف لغتهم، ومنها أحذية صُنعت للسيدة فرجيل روبينز، وقد نظم باتا معرضاً لأحذية هذه الفترة وفوجئتُ باتصال الحفيدة الرابعة لهذه السيدة ورغبتها في حضور معرض أحذية جدتها".
60 عاماً في جمع الأحذية!
بدأت السيدة سونيا باتا جمع الأحذية في أربعينات القرن العشرين، ولا تزال مستمرة في هوايتها، وهي المصدر الوحيد لتزويد المتحف الفريد من نوعه في العالم بمقتنياته. وقد تأسس مشروع المتحف في تورنتو عام 1979، وفتح أبوابه في مقره الحالي بشارع بلور عام 1995، ونال تصميم مبناه المكون من خمس طوابق جائزة أفضل تصميم في كندا لنفس العام، حيث يستلهم المبنى فكرة صندوق الأحذية، ويحولها إلى نوع من المغامرة الطفولية عند  الانتقال من طابق إلى آخر، إلى جانب طريقة العرض التي تشجع على التعرف على الجانب الإنساني وراء كل من صانع الحذاء ومن ارتداه.
تزوجت سنويا باتا المولودة في سويسرا توماس باتا عام 1946، وهو من عائلة تشيكوسلوفاكية شهيرة هاجرت إلى كندا مع نشوب الحرب العالمية الثانية، وتم تأميم ممتلكات العائلة في تشيكوسلوفاكيا عقب الحرب تحت الحكم الشيوعي. وقد أولت سونيا باتا اهتماماً بتوثيق تاريخ كل من الحذاء العادي الذي ارتداه الإنسان عبر التاريخ وكذلك التصميمات الغرائبية، وقامت خلال رحلاتها بتوثيق طرق الصناعة وأدواتها وتاريخ الطبقات الاجتماعية واختلاف ذوق المرأة والرجل، وقد نالت عديداً من جوائز التقدير كسيدة أعمال وكناشطة اجتماعية.


 
قبقاب سوري من القرن الثامن عشر


حذاء صنعته أمريكية من الهنود الحمر



3 comments:

  1. كل دا قبقاب؟
    يظهر إن السوريات قصيرات القامة؟

    ReplyDelete
  2. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  3. هو بيعكس رغبة في الترفع عن الماء غير النظيف وقت الاستحمام، وده نتيجة إن الثوب طويل الذيل إلى حد ما.. مجرد تفسير.. لأن بشار الأسد زي الزرافة طولا، بس واضح برده إنه مش بيعبر عن السوريين.. "الناس الناس" بتوع سوريا

    ReplyDelete