Sunday, May 27, 2018

صلاح رجل طيب




هو شاب يشبه ملايين من الذين يخشون الحلم، لأنهم يعرفون أن الأحلام لا تسبب لأصحابها إلا الوجع. هو لا يشبه من فرضهم نظام  الحُكم على الإعلام، تلك الأشكال المحدبة والمقعرة والمشوّهة الأبعاد والتي قرر أصحاب السطة في مصر أن تحتل جميع الشاشات لتبث الإحباط وتوئد أي محاولة للحلم.


 كما أنه لا يشبه هؤلاء الذين ربما حاولوا طرح شخصياتهم تحت أضواء المجال العام باعتبارهم طيبين، فتم تشويههم، أو غرس المرارة في نفوسهم بأيدي من يسيطرون على سلطة كل المجالات في مصر، أو استهلاكهم وتشتيتهم بمعارك يختلقها رجال ضبط المجال العام.

محمد صلاح وصل إلى مكانة عالمية في الكرة، لكنه إنجاز لا يتطلّب الذهاب إلى الجامعة، فكل شاب في مصر يعلم أنه لا توجد جامعة في بلده تقدم علماً يسمح له بالوصول إلى مكانة محترمة في تخصصه بمقاييس العصر الحديث.

هو أيضاً شاب، والإنجاز العلمي يتطلب سنوات، عكس الإنجاز الرياضي. لكن المثير ذلك التعاطف الكبير من شابات ومن سيدات في سن والدته أو اقل قليلاً، سيدات عبّرن عن غضبهن على صفحة اللاعب الإسباني، وكانت جملة "صلاح رجل طيب" قاسماً مشتركاً بينهن في عتابهن الغاضب من شخص تعمّد الشر.

صلاح إز أ جود مان، والبعض كتب بالعربية: "صلاح رجل طيب ومحترم".

صلاح إنجاز وجدنا أننا نمتلكه، ورقة يا نصيب في سيادة الفراغ الكامل من أي رمز، بعد أن حاول قطاع من الشعب المصري أن يصدّق نوعاً من البطولة في صعود رئيس الدولة الحالي إلى السلطة. فراغ بدأ تفريغاً منظّماً عن طريق سياسة إعلامية مختصرها التقزيم والتشويه ليظل شخص واحد في مركز  الصورة، فإذا بالأمر ينقلب  بعد هزيمةالاستثمار في قناة السويس الجديدة وتقلص القدرة الشرائية للعملة إلى فراغ كامل.

صلاح رجل طيب لأنه بارقة أمل مفاجئة ومن خارج السياق تماماً لأشخاص لم يتابعوا كرة القدم، بل لم يفكروا في مجئ هذا اليوم الذي يجلسون فيه في انتظار مباراة، فما بالك إذا كانت بين أطراف لا يعرفونها، يتنافسون في لعبة لا يعرفون أسرار جمالها أو القوانين التي تضبطها!

صلاح رجل طيب لأنه يبكي عندما يتألم، ويطلق شرارة الفرحة والوعد بالانتصار عندما ينجح. هو شخص درامي لأنه أتى من مكان غامض، مجرّة أخرى في دلتا مصر لا نعرف عنها شيئاً، فلا نستطيع تنميطه، خفيف الظل لمن يتابعه على تويتر، لكنه يسجد مثل كثير من اللاعبين الملتزمين أخلاقياً الذين يعبّرون بإشارات دينية مثل السجود أو التثليث عن فرحتهم.

هو قروي بسيط، أفلت من شباك اصطياد الحلم، وسقط مع نجاحه الاستثنائي ذلك الحاجز الذي يضع مرارة في نفوس أبناء نفس الوطن من المسيحيين، هم يعلمون أنهم مستبعدون من مشهد تمثيل الدولة وشغل أي مكانة رمزية فيها، بما فيها أن يخرج من بينهم لاعب كرة، وقد زادت موضة السجود بعد إحراز أهداف في مباريات الكرة حاجز الاستبعاد، لكن صلاح استثناء من ذلك في ظني، ربما لأنه قروي عفوي ومتواضع، أكثر من أنه صاحب إنجاز.

صلاح هو حذاؤنا الذهبي الذي يحسدنا عليه جيراننا الأغنياء في السعودية، على الرغم من أن عندهم "كل شيء" حتى الكعبة نفسها، لكنها حكاية قديمة وتقليدية يعيد إنتاجها مجتمع لم يغادر الماضي؛ حكاية الرجل الذي كان لديه 99 نعجة، وشقيقه الذي كان له نعجة واحدة، فطلب الغني استغناء الفقير عنها!

السقطة الدرامية في قصتننا مع صلاح وكأس العالم، تلك الساحة التي سيلعب فيها بالقميص المصري، جاءت من خارج الشخصية، فهو لم يقع في غرام امرأة أو لذة تشتته، هو رجل طيب بالفعل، يذاكر مهامته ويستعد لها، ويؤدي واجبه.

 نحن أيضاً أشخاص دراميون أكثر من كون بعض سوء الحظ يطاردنا، عندما يأتينا بطل يكون عليه أن يلعب كل المواجهات ويمتد موسمه مع فريقه إلى آخر بطولة دوري، ويكون الجار الغيور قد أثار خوفنا من تمنيه المكروه لبطلنا، وتكون آخر مواجهة مع بلطجي محترف (راموس)، ولأننا تعرف تاريخ جيراننا مع رشوة الحكام لا يبخل علينا القدر بما يؤكد شكوك التواطؤ!

لكن بطلنا رجل طيب بالفعل، دموعه تجذب مشاعر المحايدين، دموعه تذكرنا بأن في وادينا أشخاص ليسوا موهوبين فقط، وإنما طيبون أيضاً، وأن الحظ يمكن أن يفتح لبعضهم باب الخروج من شبكة اصطياد الأحلام.


4 comments:

  1. العنوان عبقرى ..
    و انا متفقة تماما مع كل كلمة فى تحليلك ..

    ReplyDelete
    Replies
    1. تقديري كبير لاهتمامك ورأيك

      Delete
    2. رائعة تمثلي انا شخصيا بخصوص رأيي فيه

      Delete
    3. القلوب عند بعضها

      Delete